النزوح الثاني الى لبنان، بموازاة انفجار الوضع في عين الحلوة والأزمات الكثيرة، كلها عوامل تربك الوضع الداخلي الرازح اصلا تحت الضغوط، إلا ان ما حكي عن تدفق أعداد كبيرة من السوريين في فترة زمنية قصيرة، يطرح عدة أسئلة مشروعة: لماذا تدفق النازحين الآن بالتحديد؟ هل ان الدوافع اقتصادية فقط او مرتبطة بأجندات معينة؟ وما صحة ما يتردد عن وجود عناصر من “داعش” بين المتسللين عبر المعابر غير الشرعية؟ هذه التساؤلات تطرح في الصالونات السياسية، وحضرت في اللقاء الوزاري التشاوري الذي عقد في مكتب رئيس حكومة تصريف الأعمال مؤخرا، وانتهى باصدار توصيات.
من المنتظر ان تسلك التوصيات طريقها الى التتفيذ، وأول الغيث كما تقول مصادر سياسية، الزيارة الرسمية الى سوريا لوزير الخارجية عبدالله بو حبيب يرافقه مدير الأمن العام اللواء الياس البيسري، في إطار عملية الانفتاح من الجانب اللبناني للتواصل مع السوريين، والزيارة السورية تأتي بعد طول تأجيل وتردد، حيث يلتقي بوحبيب نظيره السوري فيصل المقداد للتشاور في النقاط العالقة وإيجاد مخارج للأزمة.
فالمعالجة الرسمية لأزمة النزوح تأخرت كثيرا، ولا تزال بتقدير كثيرين دون المستوى المطلوب، كونها كانت محكومة بالنكايات والحسابات السياسية،على الرغم من ان الوضع اللبناني على حافة الانفجار، ووفق مصادر سياسية، فان الحكومات السابقة كما الحالية قصّروا في وضع خطة طوارىء للأزمة الكبيرة. فهل تحقق الخطوة الوزارية اليوم تقدما؟ وهل يمكن القول ان قرارات الإجتماع التشاوري الأخير على مستوى الأزمة؟
وتؤكد المصادر ان النزوح السوري الحالي المتزامن مع انفجار الوضع في المخيمات،يُعتبر من أخطر الملفات التي يواجههه لبنان منذ اندلاع الحرب السورية عام ٢٠١١، حيث من الواضح ان هناك قرارا بتفجير الوضع، كمقدمة لتوطين فلسطيني وسوري مزدوج برعاية خارجية، لإبقاء النازحين في لبنان ودمجهم، وهذا الأمر يؤكده تواطؤ المجتمع الدولي الذي يمد النازحين بالمساعدات والأموال، ويشجع من بقي في سوريا الى الخروج منها للإستفادة المالية، خصوصا ان سوريا ترزح تحت وطأة ازمة إقتصادية كبيرة…
ومع ان الأجهزة الأمنية تقوم باللازم ضمن صلاحياتها وامكاناتها، لكن المعالجة السياسية هي الأهم، برأي المصادر، فالمهمة الأمنية بضبط المعابر ومواجهة المهربين تحصل من فترة طويلة، ويواجه الأمنيون صعوبات،والمهرّبون اكتسبوا خبرة ومهارات بتهريب السوريين عبر الطرق الوعرة وعبر الحدود الشمالية والشرقية.
التطور الخطير في الموجة الأخيرة من النازحين تتمثل بنسبة الشباب، تقول المصادر، فـ٩٠ بالمئة من الداخلين الى الأراضي اللبنانية من الفئة الشبابية التي يمكنها حمل السلاح، مما يلغي نظرية النزوح الاقتصادي ويطرح مخاوف معينة، ويفتح الباب على واقع خطير جدا يتم الإعداد له، ربطا بالتزامن مع الانفجار الأمني في صيدا.
ثمة من يتخوف من دخول الملف في المراوحة أسوة باستحقاقات أخرى مؤجلة، وتتخوف المصادر من ثغرات وسوء معالجة، وخروج الوضع مع الوقت عن السيطرة مع ازدياد الوافدين الجدد، وعدم قدرة الجيش من السيطرة على كامل الحدود والمعابر غير الشرعية، وعدم وجود غطاء سياسي للتعامل بحزم مع الأزمة، فالأجهزة تلقي القبض على المهربين وتوقف النازحين غير الشرعيين لاعادتهم الى بلادهم، لكن هذه الاجراءات ليست كافية، فالحل سياسي هو الأساس بالتنسيق مع الدولة السورية والأمم المتحدة لعدم تسهيل أمور النازحين، ومنع المساعدات المالية عنهم، مما يؤدي الى تأجيل العبور من سوريا الى لبنان.