نضال العضايلة
انظروا إلى عينيها جيداً , فهي تفيض بالعناد وملامحها جبّاره، تكوينها لافت للنظر ، قلبها ينبض باللين لا الدم ، عقلها كحجر رشيد ، تحتاج إلى معجزة لفك شفراته ، نرجسية يحتار فيها ابن خلدون ، مٌرتبة لدرجة تخيفكَ ، فوضوية لدرجة ترعبك ، غير أنها تستطيع بعثرتكَ وترتيبكَ فى آن واحد ، رقة وجبروت بإمرأة اجتمعا.
منجز فني وإعلامي فريد من نوعه بزغ في صورته المُثلى بعد اشتغلت عليه وقدمته فنانة واعلامية نهمة، ومفكرة جريئة، وقلب مرهف الأحاسيس وروح استثنائية استطاعت التسلل بخفة ورشاقة إلى عقول وقلوب من يعرفها، ومن لا يعرفها.
إستطاعت ذكريات حمايدة تحقيق تلك المُعادلة الصعبة في شخصيتها فظهرت بثوبها الأردني، جامعة الألق من أوسع ابوابه ولتظهر في ثوب ذو مذاق إنساني وأجتماعي مشوق بعيداً عن المجاملات، وهو ما نجحت درة مادبا والأردن في تجاوزه بتقديمها عملاً يكون في متناول الجميع، سواء كان المشاهد العاشق للحياة، او المشاهد العادي.
تعتبر الفنانة ذكريات حمايدة إضافة نوعية متميزة لأرشيف الفن العربي المعاصر، إذ أنه بتسليطه الضوء على ما حققته في الماضي والحاضر، ورفضها الانتماء للثقافة المجتمعية النمطية، قدمت على مدى سنوات نماذجًا حُرة الروح، تستحق أن تكون قدوة لكفاح مجتمعي، وإنساني، وفكري، وإبداعي، إذ يقتبس من حكاياتها وقودًا معنويًا لخطواته فيشجع ترددها، ويؤكد على صحة وجهتها.
وفي رحلة توغلها على خشبة المسرح، وحكاياتها الممتعة اكتشفت ذكريات أن الفضاء واسع ورحب، وانها وبما تملكه من روح وكيان ووجدان مهما تغير عليها من عقود، ومهما بعدت المسافة بين المكان أو الزمان، هو تنوع رؤيتها واختلافها، فهي تصنع السطور قدر ما تصنعه المعرفة والشغف إلى تقديم شيء جديد لهذا العالم.
ذكريات حمايدة، من الشخصيات المكافحة الملهمة التي بدأت من الصفر، لا بل من تحت الصفر لتتجاوزه وتنتصر على عقباته، وقد بدا ذلك واضحاً في اختلاف مشاربها وتوجهاتها التي تجمع بين صفات معنوية طبعت بصماتها على كيانها فميزتها بين بقية من ظهرن في عالم الفن بثقة واعتداد بالنفس، كيف لا وهي الروح التواقة للكمال قدر المستطاع، والأحاسيس المرهفة، والنفس الأبية العزيزة التي لا تقبل الضيم أو النفاق، والشغف تجاه المعرفة والسعي في طلبها من كل طريق، والشعور بالغربة الداخلية الموجعة تجاه ما يحدث في مجتمعنا العربي من أخطاء.
من أهم ما يلفت النظر هو أن هذه الفتاة التي تنتمي لواحدة من أكبر القبائل الأردنية، كافحت لتحويل “أحلامها” التنويرية إلى “واقع” يكسر المستحيل ويقهره، بل كانت تغوص في عالم الفن لتشق طريقها الخاص في رحلة بحثها للإجابة عن تساؤلات عقلها الكثيرة، ومن ثم محاولة النهوض بهذا القطاع المهم من عثرات التخلف والتقليدية والارتقاء بكيانه على الصعيد المعرفي، ودون استثناءات.
ان حكاية ذكريات حمايدة التي تجمع بين صور البهجة والسلام والأمل، كانت سببا في ان اغوص في سطور حياتها لاكتشف عالمًا جديدًا نعيش أيامه مع شخصيات قدمت الكثير، كما هي إبنة مادبا الرائعة.
أيام قليلة وتدخل ذكريات عامها السابع والعشرين، ونحن في لبنان بالمباشر ندعوا الله سبحانه وتعالى ان يمد في عمر ذكريات حتى تحقق أسمى امانيها وان تصبح واحدة من نجوم المسرح العربي على امتداد الوطن بأكمله.