Share to: 
في خضم الانهيار الشامل للدولة، وسكرات موت ما تبقّى من مؤسساتها، ارتجل مجلس الوزراء منذ أقل من أسبوعين، قرارا افضى الى الغاء امتحانات الشهادة المتوسطة. والخوف من قرار مماثل غير مسؤول يتعلق بامتحانات الشهادة الثانوية. بالإشارة الى ان الحصول على شهادة يؤكد على مهارات الطالب واحقيته لمتابعة تحصيله العلمي. وتجمع المؤسسات التربوية على ان “البريفيه والترمينال” من اهم الاختبارات، التي من خلالهما يُبنى مستقبل الطالب الأكاديمي والجامعي، وحتى المهني.
صحيح ان المدرسة الرسمية تمرّ بأشرس واقهر الظروف، وتحارب من اجل الاستمرار لتحافظ على ثقة المواطنين بها، كونها مدرسة جامعة ولا تعود لطائفة او لزمرة محددة، والولاء لها بات فرضا لا واجب، لإنقاذها وخلاصها من هذه المحنة. لكن الإخفاق في حب الوطن من جانب السلطة ليس بالحدث المستهجن، باعتبار ان السلطة لم تنجح ولا بأي اختبار وطني حتى اللحظة.
والاستخفاف بما يحصل في القطاع التربوي يعتبر امرا مريباً، خاصة ان القضية مرتبطة بمستقبل جيل وشعب بأكمله، خصوصا ان لبنان مرّ عليه حضارات ثقيلة ووازنة في الطب، والابداع، والادب والفن والجمال، و”لبنان مسبّع الكارات” في كافة المجالات الحياتية والعلمية والثقافية!
الظروف “اللوجستية” خدعة!
في الحقيقة، لم تكن الظروف الأمنية السبب الرئيس في الغاء امتحانات الشهادة المتوسطة، هذا القرار الذي قتل حماس واندفاع الطلاب، الذين لم يوفروا أي جهد لتعويض الفاقد التعليمي الذي يعانون منه بسبب اضراب الأساتذة في المدارس الرسمية، والتوقف المتكرر عن التعليم، والتخبط التربوي، وصولا الى عدم قدرة المعنين على اتخاذ ابسط القرارات بالنسبة لطلاب البريفيه. والارتباك كان واضحاً وملموساً في تصريح تلفزيوني حديث لوزير التربية عباس الحلبي قال فيه: “ان وزارة التربية لم تقرر بعد توجها محددا بالنسبة الى الخيار البديل عن امتحان الشهادة المتوسطة”.
الاختبار على مستوى الوطن!
على خطٍ موازٍ، اعتبر مدير عام التربية عماد الأشقر في حديث اذاعي ” ان الوزارة بجميع أركانها صدمت بقرار الغاء البريفيه، خصوصا انه لم يكن هناك أي تلميح او همس بإمكانية اتخاذ القرار”. أضاف “ان وزير التربية لم يوقع على إفادات، ولا وضوح ان كنا سنذهب الى امتحان وطني بمادتين او ثلاثة، والافادات بناء لعلامات المدارس ليست موثوقة تماما”.
اما عن امتحانات “الترمينال” فقال الأشقر “هذا الاختبار ليس موضوع لعب، فبالحد الأدنى وصلنا الى نهاية العام وأتمنى واناشد عدم المس فيه، والوزير تلقى وعودا بذلك، ونريد رد اعتبارنا بشهادة الثانوي الثالث بتعاون الجميع، ولجنة التربية النيابية متوافقة على أهمية اجرائها”، مشيرا الى ان التعليم الرسمي بخطر كما الخاص”.
وتطرق الى الواقع التربوي المزري طالباً “الدعم من الداخل والخارج لتأمين المقومات المالية للازمة للانطلاق بالعام الدراسي الجديد، لان التمويل يقابله عام دراسي”.
تطمينات الا اذا!
في سياق متصل، قال المدير العام للمدارس الكاثوليكية الاب يوسف نصر لـ “الديار” ان وزير التربية “حصل على تطمينات ووعد قاطع من رئيس حكومة تصريف الاعمال بعدم المس بالشهادة الثانوية، ونحن نثق بهذا الكلام ونقف عند حدوده ونعتبره نهائيا لا عودة عنه”. اضاف : “يجب خلق جو ثقة رصين وجدّي ليستمر الطلاب بالاستعداد والدرس للشهادة الثانوية، لذا فان هذا الموضوع قائم على الوعد الذي اعطاه الرئيس نجيب ميقاتي”.
أردف “تعتبر شهادة الترمينال جواز سفر تربوي للطلبة يخولهم الدخول الى الجامعة، والا لن يكون للأخيرة أي ثقة بالمستوى التعليمي في لبنان، لذلك يجب عدم التفريط بالمطلق بهذا الاختبار، والا ستكون سمعة لبنان ومستقبل شبابه على المحك”.
مصير طلاب البريفيه بعد الغاء الامتحانات
واعتبر الاب نصر “ان قرار الغاء امتحانات الشهادة المتوسطة قد اتخذ للأسف دون دراية او دراسة تحضيرية، ووضعنا امام حيرة من امرنا. وعن البديل قال وزير التربية قدم 3 احتمالات هي: اما اجراء اختبار وطني بمادة او اثنتين، او اعتماد النتائج المدرسية، والاحتمال الثالث إعطاء إفادات. وبناء على كل ما تقدم، فإن وزير التربية يجري المشاورات اللازمة مع الإدارات المحلية ومكونات العائلة التربوية، ليعد اقتراحاً يقدمه الى مجلس الوزراء ليصادق عليه الأخير، ومن ثم يقر ويصدر بمرسوم كبديل عن شهادة البريفيه”.
تابع “نحن امام فاجعة تربوية على مستوى الشهادة المتوسطة، وليس هناك من تعويض يغطي الفراغ، ولكن ما نقترحه هو انقاذ ما تبقى من سمعة لبنان التربوية خاصة فيما يتعلق بالشهادة المتوسطة، وكل ما نريده اسعاف ما تبقّى لحفظ ماء الوجه، والتفتيش عن الخيار الذي يعيد الثقة الى المستوى التعليمي والمؤسسات التربوية”.
اعتماد الأفضل الأسوأ!
وأشار الاب نصر الى انه “من بين الاقتراحات الـ 3 ،وجميعها ليست حلولا جدية، ولكن هناك الأفضل الأسوأ الذي يتمثل باعتماد النتائج المدرسية، على الرغم من السوء في هذا الحل لأننا لا نعرف كم يوجد مدرسة، ولوائح اسمية، وهناك شوائب عديدة في هذا الاقتراح الذي يبقى الأفضل”. لافتاً “الى ان هذه الحلول تبقى غير كاملة ومنقوصة، ولن أقول انها سيئة وانما فيها الكثير من الاذيّة، الا ان درجة الضرر تتفاوت من حل الى آخر”.
ولفت الى ان “الافادات ضربة موجعة للقطاع التربوي، وترفيع اعمى لكل من تقدم الى الامتحانات وأدرج اسمه على اللوائح الى جانب أصحاب الطلبات الحرة، لان الجميع سيُرفّع الى المرحلة الثانوية”.
الاختبار الوطني تجاوز التوقيت الصحيح!
عن هذا الجانب قال الاب نصر: “فات الاوان لتبني هذا الاقتراح، وهناك صعوبة في تحقيق هذا الامر، وكان من الممكن ان ينجز في أواخر شهر نيسان، قبل ان يخرج الطلاب الى عطلتهم الصيفية ويذهبون الى بلدات الاصطياف مع ذويهم، لذا فان تطبيقه أصبح صعبا ومؤقتاً جدا في هذه الفترة”. أضاف، ” كان من المحتمل اعتماده كمعيار قياسي لكافة المستويات والمؤسسات التربوية في هذه المرحلة على وجه الخصوص، واعتقد ان تنفيذ هكذا اختبار بات عسيراً ومعقداً ويشوبه الكثير من النواقص”.
وختم سائلا: “من هو الضامن لجودة هذا الاختبار، من يراقب ومن يحاسب؟ وهناك الكثير من العيوب الإدارية امام هذا الاجراء”.
