اعتبر الرئيس فؤاد السنيورة “ان الانهيار الذي يعانيه لبنان، له عوامل كثيرة إلى جانب السياسيين، إلا أن “حزب الله” كان سببا رئيسيا”. ورأى ان بيان البنك الدولي هو “موقف مهم وينبغي على الجميع أن يقرأه بعناية، وأن يتنبه له، خصوصا أنها ليست الرسالة الأولى، وسبقتها رسائل عدة بهذا الصدد، سواء كان من البنك الدولي أو صندوق النقد أو من الأشقاء في العالم، أو حتى من اللبنانيين أنفسهم”.
وقال في حديث لتلفزيون ـ”الشرق”، “أدى الصراع الداخلي في لبنان إلى عجز مزمن في الخزينة والموازنة، منذ عام 1975 وما زال مستمرا حتى الآن، ما أدى إلى هذا التراكم الكبير في حجم الدين العام”، مضيفا أن “هذا لا يعفي وجود مسؤولية من جانب الأحزاب الطائفية والمذهبية، التي دخلت إلى جسم الدولة اللبنانية، وذلك في خطوة لإنهاء الحرب الداخلية، وتسلمت مسؤوليات وزارية وإدارية بهدف تحقيق السلم الأهلي، إلا أن ما جرى كان عكس ذلك، اذ استتبعت تلك الأحزاب الدولة اللبنانية بإداراتها ومؤسساتها وأجهزتها”.
وأوضح السنيورة “أن هذه الأحزاب وممثليها في الإدارة اللبنانية والمؤسسات الحكومية والأجهزة، تغلغلت في مفاصل الدولة ونجحت في تحويل لبنان بإداراته ومؤسساته وأجهزته، كتابع لها، وليس العكس، كما أنها استعصت على إجراء الإصلاحات التي يحتاجها لبنان اقتصاديا وماليا وإداريا”، مشيرا الى أن “هذا ما أدى إلى تفاقم مشاكل الدولة اللبنانية، ولا سيما ابتداء من العام 2011، أي بعد الانقلاب الذي جرى على رئيس الحكومة حينها سعد الحريري، إذ زاد من إطباق تلك الأحزاب الطائفية والمذهبية على الدولة اللبنانية، واختطاف قرارها الحر، والتسبب في زيادة حدة الاختلالات الداخلية بها”.
كما أشار إلى أن ذلك أدى إلى “الاختلال في سياسة لبنان الخارجية وفي علاقاته مع أشقائه وأصدقائه. وهذا الأمر يلعب “حزب الله” الدور الأساسي فيه، ولا سيما عندما زاد من إطباقه على الدولة بعد العام 2008، وتدخله في دول المنطقة والصراعات ما أدى إلى شلل كبير في الدولة اللبنانية”.
وقال “الأغرب من ذلك، أنه إذا نظرنا إلى الأوضاع التي سادت في لبنان بعد 2008، تقريبا 50% من تلك الفترة أو أكثر من ذلك ضاعت في تعطيل المؤسسات الدستورية، وتعطيل مجلس النواب سنة ونصف، وتعطيل انتخاب رئيسين للجمهورية، وتعطيل عملية تأليف الحكومات، ما أدى إلى انهيار الاقتصاد اللبناني وبالتالي إلى مزيد من الخراب”، مؤكدا أن “الخراب الكبير الذي حصل أيضا كان من قبل هذه الأحزاب وفي مقدمتها حزب الله، الذي أراد القبض على الدولة اللبنانية”.
اضاف: “كل ذلك أدى أيضا إلى تخريب النظام الديموقراطي في لبنان، ونحن نعلم أن النظام البرلماني يقوم على 4 قوائم أساسية، وهي أكثرية تحكم وتكون مسؤولة، وأقلية غير مهمشة تعارض، وسلطة قضائية مستقلة ونزيهة، وأيضا إدارة حكومية غير مستتبعة. هذه كلها جرى تخريبها بذريعة ما يسمى الديموقراطية التوافقية، وذلك من أجل إطباق حزب الله على الدولة اللبنانية”.
ولفت إلى أن “حزب الله قبض على لبنان، وأصبحت الحكومة مكانا للصراعات والمشاحنات السياسية وليس لاتخاذ القرار، ما أدى بالتالي إلى أن الحكومات اللبنانية أصبحت محكومة إما بالتوافق على حساب مصلحة لبنان واللبنانيين، أو في ممارسة الفيتوات المتبادلة بين الفرقاء السياسيين، ما زاد من حدة الانهيارات الاقتصادية والمالية في لبنان”.
وأكد السنيورة أن “هذا الأمر أدى في المحصلة إلى مزيد من الهدر للميزات التفاضلية للبنان، وانهيار الثقة في كل شيء”، لافتا إلى أن “ممارسات هذه المجموعات السياسية التي لا ترى إلا مصالحها الحزبية الضيقة، جاءت كلها على حساب الدولة اللبنانية والاقتصاد اللبناني واللبنانيين”.
وعن حيثيات تقرير البنك الدولي، قال الرئيس السنيورة: “هذا الرأي ليس جديدا، هو تأكيد المؤكد ويكتسب أهمية إضافية بسبب الظروف الحالية وفي ضوء الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الكويتي والذي سلم خلالها المسؤولين اللبنانيين رسالة يبين فيها الأمور التي يتوجب على الدولة الالتزام بها حفاظا على مصلحتها ومصلحة أبنائها ومستقبل لبنان وأهمية أن يعود لبنان ليدرك حقيقة المخاطر الكبرى التي يقع فيها بسبب انحيازه ضد مصلحته ومصلحة أبنائه”.
واكد ان “لبنان كان دائما يقوم على ما يسمى سياسة تحييد نفسه عن الصراعات الإقليمية والدولية”. وقال: “حقيقة ما جرى خلال العقد الماضي، أن الدولة انجرفت بنتيجة هذه السياسات والممارسات التي يتبعها حزب الله تنفيذا لما تريده إيران في السيطرة على لبنان واستغلاله كرهينة في عملية التفاوض الجارية بين طهران وواشنطن والمجموعة الغربية”، مشيرا إلى محادثات فيينا الجارية بشأن الاتفاق النووي الإيراني 2015.
فساد سياسي
وعما سيترتب عن بيان البنك الدولي، قال الرئيس السنيورة: “إذا كان هناك من مسؤولين يدركون فعليا حجم المخاطر التي يتعرض لها لبنان والتي ستزداد إذا استمر الامتناع عن التصويب الصحيح لسياسات لبنان الداخلية والخارجية، بداية، عليهم الامتناع عن الممارسات الخاطئة التي يجرى ارتكابها كل يوم من مخالفات للدستور والتنكر لمصلحة لبنان في ضرورة احترامه للشرعيتين العربية والدولية واحترامه لمصلحة لبنان واقتصاده، وللدولة اللبنانية في بسط سلطتها الكاملة وفي احترامه لاستقلالية القضاء، والعودة إلى احترام موجبات الدستور في إيلاء المسؤوليات لأهلها وليس للمحازبين الذين يدخلون إلى الادارة من أجل أن يعملوا لمصلحة السياسيين”.
واكد ان “الفساد في لبنان هو في جوهره فساد سياسي، وهو ما أدى إلى التفريط بمصالح لبنان واللبنانيين، وهو الذي أسهم وبشكل أساسي في حالة الانهيار التي أصبح عليها لبنان”، معتبرا ان “ملء المراكز الإدارية بأشخاص يتم توظيفهم استنادا إلى ولاءاتهم ليخدموا الأحزاب التي ينتمون إليها، أدى إلى هذا الاستعصاء الكبير على الإصلاح”، مشيرا إلى أن “لبنان منذ عام 1996 إلى العام 2018، أضاع الكثير من الفرص والمساعدات من المجتمعين العربي والدولي من خلال المؤتمرات التي عقدت أكان في واشنطن أو مؤتمرات باريس-1 و2 و3 وستوكهولم وفيينا وسيدر”.
وأوضح أنه “خلال هذه المؤتمرات قدم المجتمعان العربي والدولي تعهدات لمساعدة للبنان بمبالغ تصل إلى حوالى 34 مليار دولار، هذه الهبات أو القروض الميسرة ضيعتها الدولة اللبنانية بعدم الاستفادة منها بسبب الاستعصاء المستمر على الإصلاح، وعدم رغبة تلك الأحزاب الطائفية والمذهبية في التخلي عما يسمى مواقعها في السلطة”.
وقال: “يجب أن يدرك الجميع أن هذه الفرص لن تتكرر مرة ثانية. فلبنان يمر الآن بحالة انهيار كبيرة وليست اقتصادية فقط، إن الدولة تخسر مستقبل أجيالها القادمة، وهناك الكثير من أصحاب الكفاءات الذين يخرجون للعمل في الخارج، ومنهم يذهب بهجرة دائمة، هذا في الوقت الذي أصبحت تشتد خسارة لبنان لميزاته التفاضلية في مجالات التعليم والاستشفاء والصناعة المصرفية والخدمات على أنواعها وغيرها كثير”.
وتابع: “المصائب التي يصاب بها لبنان لا تقتصر على تلك الممارسات، بل جاء تفجير المرفأ وهو تفجير مريب، وكذلك جائحة كورونا وتداعياتها كل ذلك نال من لبنان ومن اقتصاده، ومن قدرته على الصمود في مواجهة المصاعب الخطيرة التي يمر بها”.
وأكد ان “هناك فرصة حقيقية ورغبة عربية ودولية في مساعدة لبنان وأكثر من عبر عنها هو وزير خارجية الكويت، وعلى الجميع أن يدرك ويعرف أن هناك حاجة ضرورية للبنان قبل أن تكون لأي أحد آخر بضرورة أن ينخرط لبنان ويتقدم على مسارات ما يحتاجه من إصلاحات، وأن يتجاوب مع المبادرة الكويتية والعربية، ويصوب مساراته الإصلاحية والسياسية”.