“فقل لمن يدّعي في العلم فلسفة حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء”…
“كارمن شمّاس” والحكيم “نشأت مجد النور” و”العصا” ما هي الا اضطهاد فكري ومفهوم رجعي!
من ادّعى الرسالة إما ان يكون من أفضل الخلق وأكملهم، وإما ان يكون من أنقص الخلق وأرذلهم.
Stop making stupid people famous هذه العبارة معناها: توقف عن جعل الناس الاغبياء مشهورين ودفع هؤلاء ليكونوا في واجهة العمل الاجتماعي والإعلامي ما هو الا جريمة بحق المفكرين والمثقفين كما انه جريمة بحق الأجيال الناشئة والشباب في سن المراهقة.
فلو جولنا على بعض حسابات المنجمين على منصات التواصل الاجتماعي لوجدناها تعجّ بالتفاهة والجهل والاستهبال ليس الا؟
في برنامج فريد من نوعه من حيث الجهل والانحدار والسطحيّة والاستدعاء بالنبوة أطلت علينا المدّعية “كارمن شماس” ورجل يدّعي النبوة في زمن العلم والتقدم والتطور العلمي والتكنولوجي يظهر لنا أناس رجعيين ليس لديهم سوى الجهل!
من المسؤول عن هذا كله؟ من المسؤول عن جيل بأكمله؟ وعن أناس يعانون من خيبات ولديهم استعداد أكبر للانجرار او الاستماع الى مثل هؤلاء الناس او حتى اتباعهم!
يقول الله تعالى “ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً او قال اوحي الي ولم يوح اليه شيئاً“…
وما أجهل من يدّعي العلم والنبوة، وهل النبوة كلمة بسيطة وسهلة؟! وهل ايهام الناس واغتصاب عقولهم أليس بجريمة؟ يجب ان يحاسب عليها من يدّعونها، ومن هو “نشأت مجد النور” الذي اطل مع المنجمة وعالمة الفلك “كارمن شماس” عبر برنامج اسمه مفتاح الاستنارة، والاصح ان يكون اسمه “مفتاح جهنم”، وهل ينقصنا في لبنان مزيداً من الجهل؟ ليظهر لنا رجلاً يحمل “عصا” بيده ويرسم اشكالا غير مفهومة على جبينه اشبه بأشكال شيطانية ويدّعي النبوة والانكى ان تهنئنا كارمن شماس بقولها: “هنيئاً للبنان بوجود الحكيم على ارضه، اجل هنيئا لنا بوجود مرسل من السماء لمساعدة البشر والأرض انطلاقاً من ارض لبنان الحبيب. انتهى كلام كارمن شمّاس”
اليكما أيها الدجالين…
أولا: هذا المدعي بالنبوة بعيد كل البعد عن المنطق، والشكل. والنور الذي عرفناه بأنبيائنا ورسلنا وقديسينا اسلاماً كانوا او مسيحيي.
ثانياً: النبي لا يكون شيطانا، مستقويا على الناس بعصاه، فالرسل والانبياء والقديسين أُرسلوا وبعثوا رحمة للعالمين وليس جهلا وتضليلا وتأويلا كاذبا مصطنعاً فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم والقديس مار شربل عليه السلام لم يحملوا عصا ليوعظوا بها بل بعثوا رحمة للناس، لينين القلب واللسان يخفتون أصواتهم اثناء الحديث مع الناس وربنا يقول ” ان أبغض الأصوات صوت الحمير”! وما ظهر من هذا المدعي هو جعير ليس الا ما هكذا يكونون الأنبياء والصالحين والعصا ما هي الا رمز للاضطهاد.
وربنا يقول في القرآن الكريم “ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا” أي أخطأ قولا وأجهل فعلا ممن افترى على الله كذبا، يعني ممن اختلق على الله كذبا، فادّعى عليه انه بعثه نبيا نذيرا، وهو في دعواه مبطل وفي قِيْلِه كاذبٌ.
وظاهرة كارمن شماس والحكيم المدّعي بالنبوة ما هو الا افتراء على المجتمع واستخفاف لعقول الناس بالكذب والجهل واستغلال للظروف الاجتماعية والاقتصادية القاهرة وانت مدّعين جاهلين.
ويقول تعالى: “لا أحد أعظم ظلما، ولا أكبر جرما، ممن كذب على الله، بأن نسب الى الله قولا او حكماً، وهو تعالى بريء منه، وانما كان هذا أظلم الخلق، لان فيه من الكذب، وتغيير الأديان أصولها وفروعها ونسبة ذلك الى الله ما هو الا أكبر المفاسد، ويدخل في ذلك ادّعاء النبوة، وان الله يوحي اليه وهو كاذب في ذلك فانه مع كذبه على الله وجرأته على عظمته وسلطانه، يوجب على الخلق ان يتبعوه، ويجاهدهم على ذلك ويستَحِلّ دماء من خالفه كمسيلمة الكذاب، والأسود العنسي…
لذا وعليه فكل من يزعم النبوة هو كاذب، وما يحدث هو افتراء على الأنبياء والرسل والقديسين لا بل هذا من أشنع الكذب وأقبحه.
والمدعي بالنبوة كالحكيم “نشأت مجد النور” ومعه الظاهرة “كارمن شماس” من يستمع اليهما في كل الفيديوهات التي انتشرت على القناة الخاصة لشماس ومنصات التواصل الاجتماعي يجد ان الجهل والكذب والفجور استحوذ على عقليهما، ومن كان فعلا صادقا من يدعي النبوة لظهرت عليه معالم العلم والصدق والبر وأنواع الخيرات. والنبوة أيها الجاهِلَين مشتملة على علوم واعمال لا بد ان يتصف الرسول بها، وهي أشرف العلوم والاعمال، واصدق الصادقين وليس أجهل الجاهلين، واكذب الكاذبين لا بل أكثر من ذلك هذا المدعي يحمل عصا ويتوسط جباهه رسوما شيطانية.
اما معايير النبوة في الانجيل من خلال تحذير عن لسان السيد المسيح، انه سيأتي بعد مسحاء كذبة، وسيأتون بخوارق عظيمة، فما حجتنا على المسيحي الذي يتبع كتابه بتكذيب كل من يأتي بعد المسيح ولو جاء بالخوارق؟
فالقاعدة العقلية الصرف، ان من يدعي النبوة والرسالة من قبل الله تعالى، ويأتي بمعجزة حقيقية خارقة للعادة، يكون صادقا في دعواه، لان مدّعي النبوة كذبا حتى لو كان متمكنا من الاعمال غير الطبيعية والخارقة للعادة، يفضحه الله ولا يتمكن من اثبات دعواه، وبعبارة أخرى يصرفه الله عن اثبات دعواه الباطلة بالأمور الخارقة للعادة، لان الله تعالى حكيم ولا يرضى ان يقع عباده في الضلال والانحراف والجهل والتشرذم والتشتت…
وفي هذا الإطار يقول الخوري أنطوان أنطون من أبرشية صيدا المارونيّة
لطالما انتشرت النبوءة في العهد القديم وكان كلّ زمن يكون الشعب في أزمة او على المحك، يفتقد الله شعبه بكلمة نبوية سماوية وبذلك يكون النبي حامل كلمة الله.
وبما أن كلمة الله عند المسيحيين هو يسوع المسيح بحسب ما جاء في الرسالة الى العبرانيين، “الله، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ” “عبرانيين 1:2، فان كل شيء قاله الله بيسوع المسيح الذي مهّد يوحنا المعمدان لميلاده مباشرة الذي هو “صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ، اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً” كما جاء في مرقس 1:3 تتميما للنبوءة التي وردت عند آشعياء في الفصل الأربعين من سفره في العهد القديم في الآية الثالثة.
لذلك يكون يوحنا المعمدان هو آخر الأنبياء عند المسيحيين الذي حضّر مجيء المخلّص يسوع وبذلك “وعندما أعطانا الله ابنَهُ، والابنُ هُوَ كلمَتُهُ الأخيرَةُ القاطِعَة، قالَ لنا كُلَّ شيءٍ دفعة واحِدة ولمْ يَعُدْ لديهِ ما يَقول” بحسب القدِّيس يوحَنّا الصليبيّ.
ويضيف القديس المتصوّف:” وهكذا يُعلّمُنا الرَّسولُ أنَّ اللهَ صارَ نوعا ما أبكَم: لمْ يَبقَ لديهِ شيءٌ يَقولهُ لنا، لأنَّ كُلَّ ما قالهُ سابِقًا بِتَصريحاتٍ مُجَزّأةٍ في الأنبياء، يَقولهُ الآن بِنوعٍ كامل، مُعطيًا إيَّانا كُلَّ شيءٍ في الابن.”
كما ان هذا هُوَ تعليمُ مار بولسَ إلى العِبرانيِّين عندَما كان يُحَرِّضُهُم على تَركِ المُمارَساتِ البِدائِيَّةِ والعلاقاتِ مع اللهِ بَحَسَبِ شريعةِ موسى، حاثـًّا إيَّاهُم على التّحديقِ إلى المَسيحِ وَحدَهُ.
إذاً، استناداً الى ما سبق وذكرناه تُنفى صفة النبوءة عن مدّعٍ من هنا او طامح من هناك.
انها ظواهر غير صحية لم تنفكّ عن الظهور في كل زمن ولكن حتماً ستلفظها الأيام بحيث لا يعود لها أثر. فاختفاء من سبق وسمّوا أنفسهم “أنبياء” يعني أن ما يحملوه لم يكن صحيحاً والا لكان لهم الأثر الدائم او أقله الذكر المستمر.
هنا لا بد من الإشارة الى أنبياء كذبة سبق للمسيح وأشار إليهم بالقول في الآية الحادية عشرة من الفصل الرابع والعشرين من انجيل متى: “وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ”.
وفي الآية الرابعة والعشرين يقول أيضا:” لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا.
وهذه الآيات تلتقي مع آيات أخرى كما في مرقس 13:22 اذ يقول المسيح محذّرا “لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيُعْطُونَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، لِكَيْ يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا”.
وفي متى 7:15 “اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ!”.
وهو الأمر عينه يشير اليه القديس بولس رسول الأمم لافتا تلميذه طيموتاوس قائلا:” «وَلكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحًا: إِنَّهُ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ، تَابِعِينَ أَرْوَاحًا مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ، فِي رِيَاءِ أَقْوَال كَاذِبَةٍ، مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ». (1 تيموثاوس 1:4)
الشواهد الكتابية كثيرة كما ان رأي الكنيسة الكاثوليكية واضح اذ تشير في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية:
2115” -يستطيع الله أن يكشف المستقبل لأنبيائه أو لغيرهم من القديسين، إلا أنّ الموقف المسيحي الصحيح يقوم على تسليم الذات بثقة بين يديّ العناية الإلهية فيما يتعلّق بالمستقبل، وترك كل فضول فاسد من هذا القبيل، وعدم التبصّر قد يكون عدمًا في المسؤولية”.
ختاماً، وفي زمن كثرت فيه الأزمات والصعوبات والضيقات، زمن لم تقدّم الأرض حلولاً، لا بدّ من رفع النظر الى السماء، من هناك نستمدّ كل معونة وكل قوة ونلتمس افتقاد الله لنا في قلب ما نمرّ به، هو الذي لا ينفكّ عن مدّنا بالمحبة والرحمة والرجاء…انه لمسة حنان في وسط محنتنا فكيف له أن يرسل لنا من يهدّدنا ويوبّخنا ويزيد من هواجسنا وقلقنا ووجعنا؟!