مرّ أسبوع على بدء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الخلف لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، دون دعوة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي المجلس لانتخاب الرئيس الجديد.. هذه الدعوة التي قد تتأخّر، بحسب المعلومات، في ظلّ عدم وجود أي توافق داخلي واضح على إسم الرئيس المقبل، كما عدم وجود الظروف الإقليمية والدولية المؤاتية لإجراء الإستحقاق الرئاسي.. فهل سيدوم هذا الوضع الى ما بعد شهر أيلول الجاري، الذي وصفه البعض بأنّه سيكون حاسماً، أم الى ما بعده؟ وما هي بالتالي المواصفات المطلوبة للرئيس المقبل لإنقاذ لبنان من الإنهيار الذي يعيشه منذ السنوات الأخيرة للعهد، ولا يزال يتفاقم أكثر فأكثر يوماً بعد يوم دون اتخاذ أي حلول أو اعتماد أي معالجات لوضع حدّ له؟!
مصادر سياسية عليمة، تحدّثت عن أنّ زيارة الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية آموس هوكشتاين الى لبنان، بعد جولة له على بعض الدول الأوروبية، من ضمنها فرنسا ومن ثمّ «تل أبيب»، لن تكون حاسمة ولا الأخيرة، بل سيحمل خلالها المقترحات «الإسرائيلية» الى المسؤولين اللبنانيين ليُبنى على الشيء مقتضاه. وفي حال بقي العدو الإسرائيلي على عناده وتعنّته، فإنّه سيكون أمام لبنان خيارات أخرى يُمكن اتخاذها لاحقاً، بما يتناسب مع مصلحته العليا، إذا كان لا يريد انتظار نتائج الإستحقاقات «الإسرائيلية» والأميركية المرتقبة.
ولكن حتى الآن، لا تباشير جديّة لا عن قرب توقيع إتفاقية ترسيم الحدود البحرية خلال أيلول الجاري، على ما أضافت المصادر، لأنّ هوكشتاين سيأتي نهاية الأسبوع الحالي، ولن يعود خلاله في زيارة أخرى، كما أنّ المفاوضات مستمرّة ولم تصل الى خواتيمها بعد، ولا عن انتخاب الرئيس العتيد خلاله أيضاً. فإعلان كلّ رئيس حزب أو كتلة نيابية عن المواصفات المطلوبة للرئيس الجديد، والتي لا تتلاقى مع المواصفات التي تُعلنها الأحزاب الأخرى، من شأنه تأخير التوافق على إسم أي مرشّح للجمهورية. الأمر الذي من شأنه تأجيل الحسم في هذين الملفين المهمّين الى تشرين الأول المقبل، أو حتى الى ما بعده بأشهر عدّة.
وفيما يتعلّق بالمواصفات المطلوبة للرئيس الجديد للبلاد، أكّدت المصادر المطلعة بأنّ التجارب السابقة، لا سيما الأخيرة منها، قد أظهرت بأنّ المشكلة في لبنان ليست بمواصفات الرئيس، إنَّما تكمن في النظام القائم على المحاصصة والطائفية، وعدم تحديد بعض المهل الدستورية الأساسية، ما يؤدّي غالباً الى نشوء الفراغ أو الجمود السياسي، ولا يتمّ التوصّل وبعد أشهر عدّة من هدر الوقت، الّا الى حلول آنيّة عن طريق التسويات. أمّا المطالبة برئيس يجمع ولا يُفرّق، أو برئيس مواجهة وتحدًّ، أو بشخصية مثل الياس سركيس أو سواه للمرحلة المقبلة، فليست هي التي تأتي بالرئيس الجديد. فثمّة اعتبارات عدّة يجب أخذها بالحسبان في عملية انتخاب الرئيس، فضلاً عن مواصفاته وشخصيته، التي يجب أن يتحلّى بها مثل القوّة ونظافة الكفّ والقدرة على التحاور مع مختلف الأطراف الداخلية، علاقاته الخارجية وبرنامجه السياسي وقدرته على الدخول في التسويات الإقليمية والدولية كشريك فاعل، كون لبنان من مؤسسي منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وعليه استعادة ثقة جميع الدول وهذا الدور المؤثّر دولياً وعربياً.
في المقابل، أشارت المصادر الى أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المتلهّي حالياً بمشاكل بلاده الداخلية، وبمسألة تأمين الغاز والطاقة لها للسنوات العشر المقبلة، يولي بالتالي اهتماماً بالإستحقاق الرئاسي في لبنان، كما باتفاقية الترسيم البحري مع العدو الإسرائيلي. وذكرت المصادر أنّه يبحث حالياً هذا الأمر مع هوكشتاين، سيما وأنّ شركة «توتال» الفرنسية هي الملزّمة بالعمل في البلوكين اللبنانيين 4 و 9، وقد أرجأت عملها في البلوك 9 حتى أيّار من العام 2025، بسبب الضغوطات التي تُمارس عليها، كما بسبب خشيتها من خسارة أموالها، على ما جرى خلال بدء عملها في البلوك 4، وعدم استكمالها العمل فيه. فمصالحها تهمّها بالدرجة الأولى، سيما وأنّ أعمالها منتشرة في أنحاء عدّة من دول العالم، غير أنّه لا يُمكن للبنان في حال توصّل الى توقيع اتفاقية الترسيم مع العدو الإسرائيلي أن يبقى منتظراً «توتال» لتعود بعد سنوات. وهذا الأمر يناقشه الوسيط الأميركي مع «توتال» هذا الأسبوع قبل مجيئه الى لبنان، لتوضيح مسار المرحلة المقبلة.
وبالنسبة لموقف فرنسا من الإستحقاق الرئاسي، فشدّدت المصادر نفسها على أنّ ماكرون قال كلمته التي تتعلّق بحاجة لبنان الى «عقد سياسي جديد»، غير أنّ هذا العقد يحتاج الى ترجمته، ولا شيء مؤكَّد حتى الآن عن إمكانية بذل ماكرون للجهود من أجل «عقد مؤتمر تأسيسي للبنان»، يهدف الى الإتفاق على وضع نظام جديد للبنان، أو تعديل النظام القائم، والى إيجاد حلول للثغرات الموجودة في الدستور، والتي من شأنها تجميد العمل السياسي فيه لأشهر وسنوات، الأمر الذي يعيق تطوّرت المطلوب
وتقول المصادر بأنّ هذا المؤتمر التأسيسي يتطلّب ظروفاً إقليمية ودولية مؤاتية وإرادة داخلية، مردّدة ما يقوله الفرنسيون، من أنّه «على اللبنانيين مساعدة أنفسهم لكي نُساعدهم». ولهذا لا بدّ من انتظار نضوج التسويات الخارجية، التي لا بدّ وأن تنعكس إيجاباً على الوضع الداخلي. علماً بأنّ المؤشرات عن قربها، يعود ليتراجع بفعل بعض العراقيل، ما يحول دون اتخاذ أي قرار داخلي جدّي في الملفات الداخلية المرتقبة.