ان اشتداد الازمة الاقتصادية منذ ما بعد ثورة 17 تشرين وما رافقها من اغلاق تام للبلاد بسبب جائحة كورونا وصولا حتى اللحظة الراهنة مع ارتفاع سعر صرف الدولار ورفع الدعم عن كافة المجالات الحياتية والاقتصادية دفع بأصحاب المحلات التجارية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة للإقفال القسري، وبعضهم ذهب يفتش عن أنواع بضائع جديدة تتناسب وتلك الموجودة في الأصل داخل محله وقد تتناقض، بهدف الصمود وتحقيق ربح قد يؤمن الاستمرار ولا يسمح بانهيار ما بناه الكثيرون وتتحطم احلامهم التي شيدوها خطوة خطوة بعرق الجبين.
واللبناني “الحربوق” لا أحد يمكن إيقافه وقد ينتقل من محل كبير الى عربة نقالة ومن مؤسسة تجارية او خدماتية للبيع الكترونيا او “اونلاين” دائما يفتش عن أسباب ميسّرة تجعله يتغلب على العقبات مهما بلغت ذروتها من الشدة والعرقلة.
في ظل ثقل المصطلحات الاقتصادية والتجارية، يبقى التاجر، او صاحب مؤسسة ما ملّما بما آلت اليه الأوضاع والوحيد الذي يتساءل كيف سأمضي في حال لم أستطع الصمود ويسعى لإيجاد الحلول مهما صغرت او انعدمت. فالأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية والفقر بات ينخر في كافة الشرائح وتجاوز الـ 70%.
والحقيقة ان الاضطرابات الاجتماعية والسياسية عامل في نقلها الى ارض الواقع كما انها انعكاس للازمات الإقليمية وتأثيرها على الجو اللبناني.
“الاقتصاد” وحده دفع الثمن
في هذا السياق، ليس خفيا على أحد ان تداعيات الحرب السورية واللجوء العشوائي الذي يفتقد للتنظيم كبّد الاقتصاد اللبناني خسائر جمّة، ناهيكم عن التهريب لمواد أولية أساسية من محروقات وطحين وحليب الأطفال وحتى بعض ادوية الامراض المستعصية والتجميلية أيضا.
هذه الأمور مجتمعة أدت الى انقباض الاستثمار المحلي في لبنان لقطاعات متنوعة الى جانب السياحة والعقارات يوجد قطاع في عالم النسيان وهو الهواتف ومكاتب تحويل الأموال الصغيرة وقطاع الألبسة والاحذية والافران والسناك والوجبات الخفيفة كالبيتزا والمناقيش بأنواعها.
كورونا ليست وحدها السبب
في هذا الإطار، الحقيقة ان جائحة كوفيد 19 التي أغلقت البلاد لأشهر دون وجود سلطة تكون مسؤولة عن تأمين او دعم المواطنين بالحد الأدنى من سلة تحتوي على المواد الغذائية الاساسية كان الأخطر لا بل الدولة اللبنانية تفردت بصفة اللامبالاة بمواطنيها!
ومن بعدها اتى انفجار 4 آب 2020 وأدى الى انزلاق سريع في كافة القطاعات الحيوية والحياتية ليكون بمثابة الشرارة التي أتت على الاقتصاد اللبناني واحرقت ما تبقى منه. وما تجدر الإشارة اليه، ان مرفأ بيروت كان يستقبل حوالى 85% من المواد الغذائية والهواتف الذكية المستوردة الى لبنان سواء للسوق المحلي او للدول المجاورة وفي ظل هذا الواقع المرّ محلات كانت تصنف من الدرجة “أ” أسدلت ستارة الاقفال على أبوابها، وبعضها لجأ لبيع مواد ضرورية لا يقف سوقها مهما ارتفعت أسعارها مثل أدوات التعقيم والتنظيف والمناديل الورقية وآخرون اتجهوا للتجارة بالمواد الغذائية لكيلا يقفلون قسراً.
وفي معلومات خاصة ان “كونتينرات” أي حاويات محملة بالهواتف بعيد انفجار المرفأ تم سرقتها وبيعها ومنها غير مجمرك. الى جانب الرموش الاصطناعية التي طافت على جوانب المرفأ بسبب الضرر الذي لحق بالحاويات التي كانت تحمل مواد تجميلية والكترونية وغذائية وغيرها.
قطاعات هشة على شفا حفرة من الهاوية
الانقباض الحاد على الصعيد الاقتصادي في الكثير من المجالات دفع بالتجار وأصحاب المحلات الى الخلط في بضائعهم وذلك بإضافة سلع جديدة بعيدة عن تلك الأساسية المركونة في المحلات والمؤسسات بهدف البقاء وخوفا من الاتجاه نحو الاقفال.
هذا ما حدث مع السيد جاك في منطقة جل الديب الذي قال لـ “الديار” ربما ازمة كورونا روّجت سوق المنظفات بسبب الوسواس الذي دفع بالناس لتفضيل هذه الأدوات على غيرها حتى على الطعام والشراب. ومن هنا وجدت ان توسيع بكار مكتبي قد يُسعفني في هذه الظروف الصعبة كونه يختص بتحويل الأموال.
ويتابع، من هنا بدأت أعرض مواد للتنظيف والتي باتت مربحة لي أكثر من عملية تحويل الأموال بعد ان اضحى مقتصرا على اليد العاملة الأجنبية او من يتقاضون رواتبهم بالفرش ويعملون لحساب شركات اجنبية وهؤلاء لا يتخطون الـ 15% وبات قطاعنا هشاً بالنسبة للمكاتب الصغيرة وهناك عشرات مئات المحلات أقفلت بشكل كلي”.
أيضا قطاع الهواتف والإكسسوار “ما زمط” ففي الدورة من الشارع الرئيسي أحد أصحاب المحلات عمد الى رص جهة من محله بمعقمات وأدوات تنظيف ودواء غسيل وفي الجهة الأخرى بعض الهواتف المستعملة.
يقول نضال لـ “الديار”: “من يشترون هواتف جديدة اليوم لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة ومن يصلّحون قلّة لان الأسعار بالدولار حصرا والفرد بات يفكر مليون مرة قبل ان يقدم على شراء هاتف جديد او تغيير بطارية او شاشة لهاتف قديم”.
ويتابع، “من هنا وجدت ان التجارة ببعض السلع لضرورية الى جانب الهواتف المستعملة قد ينعش الوضع المادي. ويلفت الى ان كثر من يتحدثون عن اغلاق مؤسسات تجارية الا ان قطاع الهواتف منسي ويعد واقعه خطيرا بحيث ان الهاتف أصبح من الأساسيات وليس من الكماليات وفئة كبيرة من المواطنين باتوا يعملون من هواتفهم عبر تطبيقات “الاونلاين”.
ويلفت الى ان أسعار الهواتف تبدأ من 300 $ أي ما يوازي بحسب سعر صرف الدولار اليومي في السوق الموازية حوالى 18 مليون ليرة لبنانية.
ويشير نضال الى ان الشريحة الأكبر من المواطنين لا زالوا يتقاضون رواتبا واجورا بالعملة اللبنانية ولا اعتقد انها تتجاوز الـ 6 و7 و8 مليون ليرة لبنانية. فجميع القطاعات تنازع للبقاء وتفتقد للرأسمال القوي فالكارثة طالت الجميع وانما هناك من استطاع التجاوز والاستمرار بصعوبة”.
الازمة نالت من محلات البسة واحذية ومطاعم صغيرة
الكثير من محلات الألبسة والاحذية والمطاعم الصغيرة أقفلت بشكل كلي او مؤقت وبتنا بين يوم وآخر عندما نمر نجد محلات تعودنا نراها مكتظة قد افرغت محتواها واقفلت فعلى سبيل المثال بعض المطاعم المعروفة عند مداخل الزلقا من جهة عمارة شلهوب أقفلت تقريبا جميعها وهذا ما حدث مع سلسلة محلات بيع الألبسة الأوروبية “عقيل” ولديه فروع في مختلف المناطق اللبنانية تم تحويلها لبيع المواد الغذائية بالجملة والمفرق الى جانب مواد التنظيفات ومساحيق الغسيل والعناية الشخصية.
والجدير ذكره ان 70% من الدكاكين والاكشاك الصغيرة التي كانت تبيع الهواتف او الأحذية او البياضات والقطنيات في شارع اراكس – برج حمود أغلقت بشكل كلي وبعضها يعاود الفتح أيضا لبيع مساحيق الغسيل ومواد التنظيف والمناديل الورقية والمعطرة والرطبة.
اقفال حوالى 15 ألف متجر
في هذا السياق، التدهور الدراماتيكي في القيمة الشرائية لليرة اللبنانية دفع الى اقفال محلات بالجملة إضافة الى علامات تجارية معروفة باتت بضائعها تأتي عبر محلات بيع الثياب بالكيلو او ستوكات الألبسة الأوروبية ومع وصول الدولار الى مستويات عالية وصلت حتى 60 ألف ليرة بات ضروريا التخلي عن كل ما هو أقرب الى الكماليات كالألبسة والاحذية والهواتف بالموازاة الكثير من المواطنين فقدوا وظائفهم بسبب اقفال مؤسسات وشركات كان يعملون لحسابها.
وفي هذا الإطار تقول حنان خرجت من ميدان التجارة في منطقة مار الياس بشكل كلي بعد ان وجدت نفسي عاجزة عن مواكبة التغييرات ومتابعة تطور سوق الموضة اليومي لأقفل باب رزقي الوحيد بعد ان باتت التكاليف أكبر مما اجنيه من البيع.
ويشرح الباحثون ان الارتفاع بسعر صرف الدولار بات يسابق العدائين مع كل بزوغ شمس وافولها ما أدى الى خسارات بمليارات الدولارات واقفال علامات تجارية عالمية. ومن يصمدون اليوم هم المالكون للمحلات التجارية وبالتالي ليس عليهم مصاريف كدفع بدل ايجار وكهرباء واشتراك ومياه وغيره بالإشارة الى ان البعض انتقل للبيع الكترونيا وآخرون لم يوفقوا.