ساد الإحباط بين موظّفي بلديات لبنان الكبرى خلال الأيام الماضية، إثر امتناع عدد من المصارف عن تسديد رواتبهم المستحقّة بالعملة اللبنانية وفقاً لسعر منصّة صيرفة. فتحرّك رؤساء البلديات باتجاه المديرية العامة لوزارة الداخلية لمطالبتها بمعالجة سريعة لهذه المسألة، خصوصاً بعدما تبلّغت بعض البلديات شفهياً، كما أكّدت مصادرها، أنّ قرار المصارف جاء ترجمة لإسقاط موظّفي البلديات من الإمتيازات المالية المتاحة لموظّفي القطاع العام عبر منصّة صيرفة، وبالتالي مساواتهم بسائر موظفي القطاع الخاص.
وبحسب المعلومات، فإنّ المديرية العامة لوزارة الداخلية تلقّت كتباً عدة من بلديات في مختلف الأراضي اللبنانية، طالبت خلالها بمخاطبة حاكم مصرف لبنان لمراسلة المصارف حول ضرورة الإستمرار بصرف رواتب موظّفي البلديات وفقا لمنصّة صيرفة، وذلك لضمان إستمرارية عمل هذا المرفق العام، وتجنيبه الإضرابات التي تشلّ معظم دوائر القطاع العام الأخرى.
وفي محاولة لاستطلاع شريحة من موظّفي البلديات الأكثر تأثّراً بهذه الإجراءات المصرفية، تبيّن أنّهم من موظّفي البلديات الكبرى تحديداً، ذلك أنّ معظم البلديات الصغرى التي كانت توطّن رواتب موظّفيها سابقاً، تجاوبت مع رغباتهم بإعادتها إلى صناديق البلديات، بعدما عجز بعض الموظّفين عن سحب رواتبهم كاملة في بداية الأزمة المالية التي يشهدها لبنان، حتى لو ترك ذلك شعوراً بالإجحاف لاحقاً، نتيجة لحرمانهم من الدعم الذي يوفّره سحب الرواتب وفقاً لسعر منصّة صيرفة من المصارف.
وفي شهادات لموظّفين من بلديات كبرى، أشار بعضهم الى أنّهم بدأوا يلمسون تضييقاً عليهم في سحب رواتبهم وفقاً لسعر منصّة صيرفة منذ بداية العام الجاري. وهو ما دفع برؤساء البلديات إلى التدخّل أكثر من مرة لدى مدراء الفروع لحثّهم على دفع المستحقّات فوراً، وخصوصاً تلك التي صرفت كمساعدات إجتماعية. إلا أنّ هذا التضييق بات معمّماً بشكل أوسع خلال تقاضي راتب شهر شباط، حيث يقول بعض الموظّفين إنّهم تفاجأوا بالقرار الذي يحرمهم من هامش الفرق بين دولار صيرفة ودولار السوق السوداء، وبالتالي يخفّض قيمة رواتبهم المتآكلة أساساً، بنسبة تفوق الأربعين بالمئة، ومن دون أن يتكبّد أحد من العاملين في القطاع المصرفي بإنذارهم بذلك.
وبحسب شهادات موظّفين لـ»نداء الوطن» فإنّ تطبيق القرار بوقف دولرة الرواتب، قد تفاوت بالنسبة لفروع المصارف التي توطّن فيها. اذ كشف عدد من الموظفين الذين يوطّنون رواتبهم في مصارف «عوده»، «لبنان والمهجر»، «بيبلوس»، و»سوسييتيه جنرال»، أنّ الأخيرة امتنعت عن تسديد أي مبلغ لهم بالدولار، لا بل أعاد بنك «عوده» تحويلات الرواتب التي وصلته من مصرف لبنان بالليرة اللبنانية، الى مصرف لبنان مجدّداً، وهو ما اعتبره الموظّفون أنّه يشكّل مقدّمة لتحويلها إلى صناديق البلديات وبالتالي إلزام الموظّفين بتقاضيها بالليرة اللبنانية. في وقت أبلغت مصارف أخرى عملاءها، كالبنك «اللبناني الفرنسي» مثلاً، أنهم لن يتمكّنوا من الإستفادة من منصة صيرفة إبتداء من الشهر المقبل. ونصحت مصارف أخرى عملاءها بأن يطالبوا بلدياتهم بتحويل رواتبهم مجدّداً إلى صناديقها إذا كانوا يرغبون بالإستمرار بتقاضيها، وإلا فإنّها قد لا تسمح لهم بسحبها سوى بواسطة بطاقات مصرفية لإبتياع حاجياتهم فقط.
وهذا التفاوت في تطبيق معايير مصرفية مختلفة على موظّفي المؤسسات البلدية، يحمل مخاطر الشروخ التي قد يتسبّب بها عدم المساواة، علماً أنّّه بحسب مصادر متابعة، إذا كان قرار وقف استفادة موظّفي البلدية من منصّة صيرفة متخّذاً من مصرف لبنان فعلاً، فإنّ ذلك يعني أنّ الأمر لن يطول قبل تطبيقه في جميع المصارف وعلى جميع موظّفي البلديات، خصوصاً أنّ المصارف التي دفعت الرواتب بالدولارات فعلت ذلك من صناديقها كما أكّدت للمودعين لديها. ومن شأن هذا الأمر، برأي المعنيين بالشأن البلدي، أن يخلّف تداعيات كبيرة على عمل البلديات.
وتساءل بعض الموظّفين في المقابل عما إذا كان يحقّ لمصرف لبنان أن ينزع عنهم صفة موظّفي القطاع العام في ما يتعلّق بمستحقّاتهم، مع أنّهم مرفق عام يخضع لوصاية وزارة الداخلية، وتسري عليه كل قوانين الإدارة المركزية؟
وذكّر موظّفو البلديات بأنّهم الوحيدون الذين لا يزالون يزاولون أعمالهم بانتظام منذ بداية الأزمة اللبنانية مروراً بفترة جائحة «كورونا» وحتى يومنا هذا، مع أنّ الكثيرين لم يعودوا قادرين على تأمين أجرة الإنتقال الى مراكز اعمالهم. ولذلك هم يتساءلون عن المقصود من حرمانهم أولاً من الدعم الذي يمكن أن توفّره صيرفة، معتبرين أنّ مصرف لبنان بقراره يحاول أن يغلق البلديات ويلحق موظّفيها بسائر موظّفي القطاع العام الذين يشلّون معظم إدارات القطاع العام بإضرابهم.