انهيارٌ شاملٌ يشهده لبنان منذ أكثر من عامين ونصف العام، لا نعرف مصيره لكنّنا نتوقّعه.
البطالةُ سجّلت قياساتٍ عالميّةٍ، تحرّكت بين الـ 20 و25 % إلى أكثر من 50% في العام 2022. وبحسب التّقرير الأخير الصّادر عن البنك الدّوليّ، ازداد معدّل الفقر وأصبح يطال أكثر من 70% من المواطنين اللّبنانيين.
فكيف يمكن أن يعيش المواطن اللّبناني الفقير، في ظل استمرار تحليق الدّولار إلى مستوياتٍ كبيرةٍ على الرّغم من قبض الموظفين اللّبنانيين رواتبهم باللّيرة اللبنانيّة؟
هل نحن متّجهون إلى دولرة العيش في لبنان بشكلٍ كاملٍ؟ هل وصلنا إلى القعر؟ الجوابُ ليس سهلًا أبدًا، لكنّ المؤشّرات واضحة فيما يتعلّق بمستقبل لبنان الماديّ والسّياسيّ.
وعلى ما يبدو أنّ الاقتصاد اللّبناني سوف يتّجه إلى الدّولرة الكاملة مع نهاية هذا العام، خصوصًا بعد تحليق الدّولار وبالتّالي أسعار جميع السّلع والبضائع والموادّ الغذائيّة.
فانتبهوا أيّها اللّبنانيّون! الوضع يزدادُ سوءًا، والدّولار يُقارب الـ 38 ألف ليرة لبنانيّة. فماذا لو أصبح مثلًا يقارب الـ100الف والـ 200 الف ليرة لبنانيّة وصولًا للّا نهاية. هل سنشبّه لبنان حينها بفينزويلا؟
منذ بداية الأزمة، يواصل سعر صرف الدّولار في لبنان الإرتفاع مسجّلًا أرقامًا عاليةً، ممّا أثّر ذلك على جميع القطاعات، أهمّها القطاع العام وبما في ذلك العسكر.
والمُشكلة الأساسيّة في لبنان، هي الدّولرة في المصروف لا المدخول، لاسيّما على مُستويات النّفقات الأساسيّة، وكلّ التّكاليف التي على المواطن دفعها.
يقول إدمون للدّيار، رجلٌ خمسينيٌّ عسكريٌّ متقاعدٌ، إنّ الرّاتب الذي كان يتقاضاه يعادل الألف دولار أميركي، أمّا اليوم الـ40 دولارا تختصر مصروفه الشّهريّ، له ولعائلته بأكملها.
يصف حياته السّابقة بالكريمة. سافرَ إلى بلادٍ عديدةٍ مع زوجته وأطفاله. وكأيّ مواطنٍ لبنانيٍّ، يعيش حياته الرّفاهيّة ويقضي الأوقات المُمتعة مع عائلته في عطلة نهاية الأسبوع.
أمّا اليوم، يعاني إدمون من مشكلةٍ صحّيةٍ لا يسعه حتّى استشارة طبيبٍ، لأنّ فاتورة الكهرباء تعادل راتبه، على حدّ قوله.
ويتساءل:” خدمتُ في الخدمة العسكرية حوالي الثماني عشرة سنة، واليوم لا أستطيع تأمين لقمة العيش لي ولأطفالي. أحمد الله أنّ منزلي ملكي، ولا أدفع الايجارات شهريًا، وإلّا لبقينا في الشّارع أنا وعائلتي”.
وأنهى كلامه قائلًا:” متى سيستقرّ الدّولار لنعلم كيف سنتهي لإكمال شهرنا؟ وكيف سنبقى على قيد الحياة والبلاد نحو الهاوية؟
قصّة إدمون تختصر الكثير من معاناة المواطنين الذين يُستصعب عليهم حتّى العيش، في بلادهم الذين دافعوا عنهُ طوال فترات الحرب.
فكيف سيكون حال الموظفين لو استمرّ الدولار في ارتفاعه الجنونيّ؟ وهل نحن متّجهون إلى الدّولرة بشكلٍ كاملٍ؟ وماذا عن قرارات اتّحاد موظّفي بيروت حيال ما يحصل؟
وفي اتّصالٍ للدّيار، يؤكّد رئيس اتّحاد موظّفي بيروت شفيق صقر، أنّ رواتب موظّفي الإدارات العامّة لا تزال على السّعر الرّسمي وهو 1500 ليرة لبنانيّة، في ظلّ وجود ثلاثة أسعارٍ في السّوق: الصّيرفة، السّوق السّوداء والسّعر الرّسمي، مشيرًا إلى أنّ موظّفي القطاع العام بأكمله اليوم، باتوا يعيشون تحت خط الفقر. وإذا أمّنوا قوتهم اليومي لهم ولعائلتهم من مأكلٍ ومشربٍ فهذا يعتبر إنجازا.
لا يعلم صقر، إلى متى سيستمرّ هذا الوضع، ومتى سيقع إنفجارٌ إجتماعيٌّ يضرب الواقع المرير ويُسقِط هذه الهياكل التي تتحكّم بسعر الدّولار.
وقال:” هنالك مشكلٌ كبيرٌ يواجهه موظفو القطاع العامّ لاسيّما بسبب رواتبهم التي لم يتمّ التحرّك بشأنها، أقلّه حسبانها على الـ8000 ليرة، أو تقاضي مثلًا قسمًا منها بالدولار الفريش”.
وأضاف:” طبعًا القطاع الاقتصاديّ تدولر وبنسبة 99% منه، خصوصًا بعد رفع الدّعم عن البنزين وارتباطه بسعر السّوق السّوداء”.
وتابع صقر:” للأسف نحن قادمون على رفع الدّعم الكلّي عن الطّحين وبالتّالي حتّى ربطة الخبز ستصبح بالدّولار”.
وختم:” إذا بقي الوضع على حاله، نطالب بتحرّكٍ في الشّارع، لعلّ المسوؤلون يتحرّكون ويشعرون قليلًا بالصّعوبات التي تواجه المواطن اللّبناني في كلّ صباحٍ ومساءٍ”.
اعتبر الخبير الاقتصادي نسيب غبريل للدّيار، أنّ دولرة الإقتصاد في لبنان، هو موضوع قديم متجدّد، لأنّه ومنذ التّسعينات، “شاهدنا نسبًا مرتفعةً من الودائع وبالتّالي القروض المصرفيّة التي كانت تُعطى بالعملات الأجنبيّة وبالتّحديد في الدّولار الأميركي.
وقال:” حاول يومذاك مصرف لبنان تخفيض نسبة الدّولرة في الودائع. لكنّ الخضّات والصّدمات السّياسيّة والأمنيّة أدّت إلى استمرار نسبة الدّولرة بمستوياتٍ مرتفعةٍ. وفي ذلك الوقت، كانت الودائع والقروض المصرفيّة مدولرة في الأسواق التّجاريّة، وكان الدّولار واللّيرة يتبادلان بشكلٍ طبيعيٍّ. وكانت المدفوعات تحصل من دون أيّ مشاكلٍ من خلال بطاقات الإئتمان وبطاقات الدّفع والتّشيكات والتّحاويل.
ومنذ اندلاع الأزمة، شهدنا في أوائل أيلول 2019، ظهور سوق موازي لسعر صرف الدّولار، وهذا السّوق الموازي يظهر لأولّ مرّةٍ نتيجة شحّ السّيولة في الإقتصاد اللّبناني من جرّاء تراجع تدفّق رؤوس الأموال إلى لبنان التّدريجي. وفي آذار 2020 التوقّف بات شبه كاملٍ لتدفّق رؤوس الأموال إلى لبنان”.
وأضاف:” عندما ظهر السّوق الموازي، أدّى ذلك إلى شحّ السّيولة بالعملات الأجنبيّة. وبسبب عدم اتّخاذ اجراءات لمعالجة الأزمة، وخصوصًا إجراءات فوريّة مثل إقرار قانون الكابيتال كونترول، بدأ يرتفع سعر صرف الدّولار في السّوق الموازي، وتدريجيًّا مع امتداد فترة الأزمة وتفاقمها. هذا ما أدّى إلى تفاقم الأوضاع وإلى بدء بعض المؤسّسات رفضها قبول بطاقات الائتمان والشيكات . وبالتّالي أصبحت فقط تطالب بالدّفع النّقدي أكان باللّيرة أو بالدّولار.
ولأنّ هناك استيراد من الخارج، وهذا حتمًا سيكون بالعملات الأجنبيّة، وبما أنّ هنالك شحّا في السّيولة بالإقتصاد اللّبناني، تلجأ بعض الجهات التّجاريّة إلى السّوق الموازي أو على الأقلّ تسعير سعر السّوق الموازي لأنّها تشتري الدّولارات من هذه السّوق لتستورد. وهنالك طبعًا من يستغلّ هذا الوضع ليسعّروا بالدّولار”.
وأكّد غبريل أنّ الإقتصادي اللّبناني يعاني من شحّ السّيولة بالعملات الأجنبيّة، نتيجة تمادي الأزمة وعدم ايجاد حلول إصلاحيّة، وصولًا إلى ثلاث سنواتٍ منذ اندلاع الأزمة. “ومع استمرار هذا الشحّ في السّيولة، أصبح أولًا التّجار يتعاملون بالقبض بالنّقدي لأنهم بحاجة لشراء الدّولارات وبالتّالي استيراد الموادّ الأوليّة. وثانيًا، بدأت بعض المؤسّسات التّسعير بالدّولار وبشكلٍ مباشرٍ، ولا ترضى سوى أن يتمّ الدّفع لها بالدّولار، أو ما يعادلُه”.
وتابع:” مع تأخّر الخروج من الأزمة، اتّجه الاقتصاد اللّبناني إلى اقتصاد نقديّ وبالدّولار، لدرجة أنّ نسبة الدّولرة في الأقساط باتت أعلى ممّا كانت قبل الأزمة. وهذا سيكون مرشّح للاستمرار طالما ليس هنالك معالجة للأزمة ولا هنالك توحيد لأسعار الصّرف ولا لتدفّق رؤوس الأموال إلى لبنان. وبالتّالي، هذه طريقة التّجار للاستمراريّة، على الرّغم من وجود الاستغلال في الكثير من الأحيان. وطالما لم يكن هنالك حلول جذريّة، او خطوات وأولويّات واضحة تؤدّي إلى إعادة العجلة الإقتصاديّة إلى طبيعتها، وإعادة العمل المصرفي إلى طبيعته، واحترام القوانين وتطبيقها واستعادة الثّقة، سنبقى في هذا الوضع الحالي”.
وصرّح غبريل أنه وبالنّسبة لسعر صرف الدّولار في السّوق الموازي، لا يفضّل التّكلم عن أرقامٍ عاليةٍ أو تكهّناتٍ مثلًا لو اعتبرنا أنّ الدّولار سيصل إلى الـ100 والـ200 ألف ليرة لبنانيّة، لأنّ على حدّ قوله السّوق الموازي هو سوق غير مقونن وغير شرعيّ ولا يخضع لأيّ رقابة ولا لأيّة قوانين، وبالتّالي يخضع للمضاربين وللمستفيدين والمستغلّين بهدف التّلاعب في سعر الصّرف وتحقيق الأرباح بشكلٍ سريعٍ.
وأوضح أنّ بهدف تخفيض اللّجوء إلى السّوق الموازي لشراء الدّولارات، أصدر مصرف لبنان تعميمًا أسّس فيه منصّة صيرفة هدفها تحويل جزء من الطّلب على الدّولار من السّوق الموازي إلى منصّة صيرفة لإضفاء الشفافيّة ومعرفة من يطلب ومن يشتري الدّولارات.
وختم:” لتجنب استمرار السوق الموازي، يجب بدء العمليّة الإصلاحيّة لتوحيد سعر الصّرف بهدف العمل بشكل طبيعي في البلد، وقف الاستنزاف الاحتياطي لمصرف لبنان بالعملات الأجنبيّة ولمحاولة إلغاء السوق الموازي. وهنا العرض والطلب هما من يقرران سعر الصّرف. لذلك يجب العمل بأسرع وقت ممكن لإنقاذ الوضع. وكلّما أسرعنا، بدأت تتدفّق رؤوس الأموال من الخارج، وتتوافر السّيولة للعملات الأجنبيّة في الاقتصاد اللّبناني وبالتّالي استعادة حركته الطّبيعيّة”.