ينتظر الجميع القرار النهائي الذي سيتّخذه رئيس تيار «المستقبل» النائب الرئيس سعد الحريري في شأن مستقبله السياسي ومستقبل تيار «المستقبل».
بات خبر عزوف الرئيس الحريري عن الترشّح خبراً عادياً لو لم يكن له ترددات سياسية، فلو كانت هذه الخطوة على طريقة عدم خوض رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط أو رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية أو رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الإنتخابات شخصياً والتفرّغ للعمل السياسي لأن مسؤولية النائب كبيرة، فإن الأمر سيكون طبيعياً، لكن المطروح إعتكاف الحريري وتقاعده وعدم ممارسته العمل السياسي في لبنان والتفرّغ للأعمال.
وإذا كان الحريري قد بلّغ أركان تياره وكتلته بقراره الصادم، إلا أن المحاولات ستظل تجري معه لإعادته إلى الحياة السياسية، ويقود هذه المحاولة رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي «يُدوزن» الأمور ويعرف تركيبة الساحة اللبنانية ويعلم جيداً حجم الفراغ الذي سيتركه غياب الحريري و»المستقبل» عن المشهد السني والوطني. منذ بزوغ فجر زعامة الحريرية السياسية مع الرئيس رفيق الحريري، حظيت هذه الزعامة بدعم سعودي مطلق، لكن هذا الدعم تراجع بقوة، وبرزت تجلياته في 4 تشرين الثاني 2017 في السعودية، ومن ثمّ قطع خط الإمداد السعودي لآل الحريري ورفع الغطاء عنهم، حتى ذهب رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل إلى حدّ القول «بماذا ينفع الحريري لبنان كرئيس حكومة إذا لم يتمتع بغطاء ودعم سعوديين؟». وكثرت القراءات والتحليلات لموقف الحريري، فمنهم من وصفها بالمناورة قبل الإنتخابات، وآخرون إعتبروها خطوة جدية لكن من دون معرفة إلى أي حدّ ستصل، وما إذا كانت إعتزالاً نهائياً للسياسية، لكن الأساس يبقى هل ستترك السعودية الساحة السنية أو إنها تتحضّر لخلق زعامات بديلة. في السنة الماضية، أوصلت الرياض رسالة واضحة مفادها أن علاقتها بلبنان بكل طوائفه لا تمرّ عبر أشخاص بل هي علاقة تاريخية، وتنظر إلى جميع الاطياف، باستثناء «حزب الله» وحلفائه، نظرة واحدة وهي صديقة للشعب اللبناني وليس للسلطة.
لكن في المدّة الأخيرة، سرت أخبار بأن هناك دولاً سنية تنشط وتحاول ملء الفراغ الذي تركه تراجع شعبية الحريري وانكفاء الرياض عن المشهد اللبناني والسني، وبرز من هذه الدول كل من تركيا وقطر، في حين أن مصر تتمتع بسلطة معنوية لدى سنّة لبنان ولا وجود فعلياً على الأرض.
تطمح معظم الدول بالتأكيد للدخول إلى الساحة اللبنانية، لكن هذا الدخول له شروطه، في حين أن الناظر إلى سياسة أنقره يكتشف أن الحريري كان حليفاً لها، وهو قد التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرتين عندما كُلّف تأليف الحكومة الأخيرة، وبالتالي فإن حليف أنقره الأول في لبنان هو الحريري، على رغم نشاطها المتزايد في شمال لبنان. وبالنسبة إلى قطر، فإنها تحاول لعب أدوار على كل الساحات، ويُؤخذ عليها أنها تدعم الحركات الإسلامية، وإذا كان هناك تواجد للتيارات السلفية إلا أن سنّة لبنان لا ينجرّون جميعهم وراء مثل هكذا حركات، وبالتالي فإن الدخول القطري محدود ولا أفق له من دون مظلة خليجية.
ويبقى الأساس، وهو ماذا تريد الرياض في لبنان ومن سنّة لبنان؟ وربما عزوف الحريري عن الترشّح يأتي كمدخل لإصلاح العلاقة مع الطائفة السنية بعدما أقفلت أبواب الرياض أمام القيادات السنية الحالية، من هنا، فان الأيام المقبلة ستكشف المستور مستقبلياً وسعودياً وسيكون فاتحة لمعرفة ما يُحضّر للبنان