لا يختلف أحد داخل الكيان الصهيوني على تقديم التنازلات للمقاومة في لبنان بملف الترسيم البحري تحت الضغط، لكن يختلف الأطراف على “درجة التنازل” إذا صحّ التعبير، فالحكومة الصهيونية تعترف بحصول لبنان على غالبية مطالبه، بينما المعارضة تعتبر أن لبنان حصل على كل مطالبه، ما يعني أن التنازل كبير جداً، وبذلك تكون “اسرائيل” فقدت قوة الردع. أما الطرف الثالث الذي يعترف بالتنازل أيضاً فيعتبر أن الكيان حقق أمرين أساسيين: الأول الإستفادة من حقل كاريش، والثاني الإستقرار على الحدود البحرية باعتبار أن وجود منصة للبنان يُشكِّل ضمانة للأمن.
الإنقسام السياسي لا يختلف عن انقسام الرأي العام الصهيوني، حيث أن 41% مع الإتفاق ويعتبرونه لمصلحة “إسرائيل” إقتصادياً وأمنياً، و 36% ضد الإتفاق ويعتبرونه استسلاماً للأمين العام لحزب الله، ما يعني أن الإرباك والتشتت والإنقسام يصيب الكيان بقيادته ومستوطنيه، عدا الهمّ الإقتصادي والأمني والخوف من حزب الله.
المراقبون الصهاينة أظهروا أكثر حقيقة المشهد، بحيث ان “اسرائيل” خضعت وقدّمت التنازلات نتيجة تهديد السيد حسن نصرالله وإطلاق المسيّرات، وبذلك يكون تثبيتاً لدور المقاومة كجهة حامية للثروات والحقوق والمصالح اللبنانية بعدما حررت الأرض، هذا انتصار بالمعركة الحقيقية التي ستُعزز أوراق القوة والحضور للسيد نصرالله كونه المستفيد الأكبر بهذه المعركة.
سجال سياسي إعلامي غير مؤثر في قرار الحكومة، بل أكثر من ذلك فإن العقبة القانونية الوحيدة وجدوا لها مَخرَجاً، بحيث ان المستشارة القانونية لحكومة العدو تقول إن الإتفاق لا يحتاج الى عرضه على الإستفتاء العام ولا على “الكنيست”، فالحكومة تستطيع التوقيع عليه، باعتبارها مناطق إقتصادية لها قانون مختلف.
أما في لبنان، كعادته الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله نَسَبَ الإنتصار الجديد الذي قاده بنفسه للموقف الموحّد لأركان الدولة اللبنانية ، والتي قالها بعده نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب ناسباً الفضل أيضاً لمعادلة الجيش والشعب والمقاومة باعتبارها مكمن قوة البلد.
وبكل قوة، أدار السيد نصرالله معركة لم تكن سهلة بإطلالاته المدروسة باعتراف العدو، معركة تحكُّم وسيطرة ووعي، معركة نجَح سماحته بنقلها الى داخل الكيان. فقيمة الإنجاز تُعرف هنا من ردة الفعل “الإسرائيلية” على الإتفاق، حيث أنها انقسمت بين مَن يُعارض بجنون باعتباره خضوع لحزب الله، ومَن يؤيد بقلق باعتباره مُرغماً بالذهاب الى هذا الإتفاق تجنباً للتصعيد.
من هنا، ومن ضمن سياق الانجازات التي حققها بمختلف الصعد، لا يختلف أحد أيضاً أن حزب الله استطاع تحقيق انتصار جديد في معركة الإرادات، دون الحاجة هذه المرة الى استخدام المزيد من أدوات المواجهة مع العدو، وأن تحصيل حقوق لبنان وحماية ثروته يُعتبر فصلاً جديداً ومحطة أساسية سيكون لها تداعياتها كما الانتصارات السابقة ، والأهم ان لبنان سيكون أمام صفحة جديدة، ويستمر خلالها المسار الإنحداري للكيان، والمسار الصعودي للمقاومة.
وبالإضافة الى تحصيل الحق الذي كان ممنوع على لبنان، فإن الإنجاز في هذا الملف سينسحب على الكثير من الملفات الداخلية العالقة، كرئاسة الجمهورية والحكومة التي ستحد من قدرة الخارج على فرض الشروط.
وبعد عرض للمشهد بمختلف جوانبه، لا بدّ من الإشارة الى أن هذا الإتفاق، مهما حصل من تغيّرات وتبدلات في المواقع والمواقف داخل الكيان، يبقى له ضمانة وحيدة وثابتة ألا وهي المقاومة.