أخيراً أُبرمت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، قبل 4 أيام من انتهاء عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نهاية تشرين الأول الجاري، في خيمتين منفصلتين في الناقورة برعاية أممية ووساطة أميركية وحضور فرنسي ودولي. ولم يتمّ التوقيع من قبل لبنان الرسمي على أي نسخة مشتركة مع العدو الإسرائيلي، ولم يلتقِ الوفد اللبناني في الناقورة الوفد “الإسرائيلي” ولم يتواصل معه مباشرة أو غير مباشرة… وبذلك يكون تحقّق الإنجاز التاريخي للبنان مع دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ بعد المحطّة الرسمية النهائية التي شهدتها منطقة الناقورة بعد ظهر أمس الخميس في خيمة، حيث جرت مراسم تبادل الرسائل مع هوكشتاين والأمم المتحدة على حدة.
ولعلّ أبرز ما لفت في يوم التوقيع على الاتفاقية وإبرامها، هو موضوع تبادل الرسائل، ليس في مكاتب قوّات “اليونيفيل”، إنّما في خيمة نُصبت لهذه الغاية في الناقورة، وأخرى في الأراضي المحتلّة، والتي وصل الوفد اللبناني إليها بطائرة مروحيّة، وكذلك فعل الوفد الإسرائيلي. أمّا الهدف الأساسي من الاجتماع في الخيمة، فهو، على ما أكّدت أوساط ديبلوماسية مراقبة، نزع فكرة “التطبيع مع العدو” من قبل بعض أصحاب النفوس الضعيفة. فالوفد اللبناني لم يتواصل مع الوفد الإسرائيلي لا مباشرة، ولا بطريقة غير مباشرة، إنّما اجتمع بهوكشتاين والوفود الأميركية والفرنسية والدولية المشارِكة في خيمة منفصلة عن تلك التي التقى بها الوفد الإسرائيلي لتسلّم النسخ الموقّعة من قبل حكومة يائير لابيد.
وتقول الاوساط انّ الفكرة التي اقترحها هوكشتاين، وهي اجتماعه بكلّ من الوفدين على حدّة في خيمة منفصلة لتسلّم النسخ ليست فكرة جديدة، رغم أنّها جيّدة، وقد أتت مفاجئة نوعاً ما لكلّ المراقبين المحليين والدوليين. كما ذكّرت اللبنانيين، في الشكل طبعاً وليس في المضمون، باللقاء الشهير الذي جمع الرئيس اللبناني فؤاد شهاب يوم الأربعاء في 25 آذار 1958، عند خيمة على الحدود اللبنانية- السورية، إثر الوحدة التي لم تدم طويلاً بين سوريا وجمهورية مصر العربية، والذي تمّ خلاله التأكيد على “استقلال لبنان وتميّزه في هذه المنطقة من العالم”.
فالرئيس شهاب، كان يومذاك صاحب فكرة اللقاء، على ما أضافت الأوساط عينها، وكان الاستقبال على الحدود بين البلدين، والاجتماع في خيمة نصفها في لبنان ونصفها الآخر في الجمهورية العربية المتحدة. وقد أرسى اجتماع الخيمة، بالشكليات التي تمّ احترامها، معادلة ثابتة شكّلت صمّام أمان للاستقرار في لبنان حتى هزيمة العام 1967. فقد جرى احترام سيادة لبنان من جانب القطب العربي الأبرز، مقابل تفاهم على ألا تتعارض السياسة الخارجية اللبنانية مع السياسة العربية والدولية التي تنتهجها الجمهورية العربية المتحدة، ولكن من غير أن يفرض ذلك على لبنان التخلي عن صداقاته مع العالم الخارجي. ولهذا فإنّ مضمون الإجتماع في الخيمة يختلف كليّاً مع العدو الإسرائيلي الذي لا يعترف لبنان بوجوده أساساً.
ولأنّ لابيد بدأ يستثمر الاتفاقية سياسياً معتبراً أنّ لبنان “اعترف” بدولة “إسرائيل” من خلال موافقته على الاتفاق على ترسيم حدوده البحرية معها بوساطة أميركية، فقال أمام حكومته “هذا إنجاز سياسي، فليس كلّ يوم تعترف دولة معادية بدولة “إسرائيل” في اتفاق مكتوب أمام المجتمع الدولي بأسره”، أقفل الرئيس عون عليه الطريق، على ما شدّدت االاوساط، من خلال التأكيد على أنّ “إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية هو عمل تقني ليست له أيّ أبعاد سياسية أو مفاعيل تتناقض مع السياسة الخارجية للبنان في علاقاته مع الدول”. وهذا يعني أنّ لبنان لن يغيّر سياسته الخارجية، وما نصّ عليه الدستور، ولن يعترف بـ “إسرائيل” العدوّة والتي لا تزال تحتّل جزءاً من أراضيه، كما الأراضي الفلسطينية كدولة.
واكّدت الاوساط أنّ المفاوضات جرت طوال السنوات الماضية بطريقة غير مباشرة، كما أنّ الاتفاقية التي أُبرمت أمس، لا تتضمّن توقيع لبنان والعدو الإسرائيلي على أي ورقة مشتركة، إنّما على الرسالة المُرسلة من قبل الولايات المتحدة، وهي تتعلّق بالإحداثيات الجغرافية للمنطقة الإقتصادية الخالصة، ولا علاقة لها بأي موضوع سياسي، أكان يتعلّق بالتطبيع، أو بالاعتراف بـ “إسرائيل” كدولة أو بأي شيء آخر. فلبنان سيُواصل مطالبة العدو بالانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر، وإن جرى توقيع اتفاقية الترسيم البحري. واشارت الاوساط الى أنّ هذه الإتفاقية تأتي في وقت تبحث فيه الدول الغربية والأوروبية تحديداً، عن مصدر جديد للغاز لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي إثر الحرب في أوكرانيا، ووجد لبنان أنّها فرصة سانحة له لدخول نادي النفط الدولي، ولبدء استفادته من ثروته النفطية، وتحسين وضعه الاقتصادي والمالي.