يُشكّل الوضع على الحدود بين لبنان والعدو الإسرائيلي، لا سيما بعد حادثة كفرشوبا والقذائف التي سقطت في البلدة، فضلاً عن محاولة تثبيت سيطرته على كامل بلدة الغجر، مصدر قلق جديد. فبدلاً من أن يقوم “الإسرائيلي” بتطبيق الإنسحاب من القرى اللبنانية، التي لا يزال يحتلّها أي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والنخيلة والجزء الشمالي من بلدة الغجر، تطبيقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وآخرها القرار 1701 (آب 2006) الذي طالبه بالإنسحاب من جميع الأراضي المحتلّة، لا يزال يُمعن في الهيمنة ويُحاول توسيع دائرة تعديّاته عليها من دون وجه حقّ. فهل يُمكن السكوت عن محاولة العدو تكريس احتلال الأراضي اللبنانية بشكل نهائي؟!
تقول أوساط ديبلوماسية عليمة بأنّ “الإسرائيلي” بدأ في حزيران الفائت تحرّكاته في جرف الأراضي في كفرشوبا، ليُبعد الأنظار عن ضمّه الجزء الشمالي من بلدة الغجر الذي لا يزال يحتلّه، وهو تابع للأراضي اللبنانية أيضاً، من خلال إنشاء السياج الجديد منذ نحو شهرين، فضلاً عن استقدامه لمكعّبات إسمنتية الى المنطقة التي شهدت تحرّكاً في حزيران الفائت في مرتفعات كفرشوبا. وكان نتيجة محاولة جرف الأراضي في كفرشوبا أن اعترض الأهالي على تعدّيه هذا، وأقاموا خيمتين على حدودها للدلالة على أنّها تدخل ضمن الأراضي اللبنانية المحتلّة، وقام عناصر من حزب الله بحراستهما.
أمّا في قرية الغجر التي تبلغ مساحها المسكونة نحو 500 دونم، والأراضي التابعة لها تزيد 12 ألف دونم، فقد سيطر عليها العدو الإسرائيلي منذ العام 1967، على ما أضافت الاوساط، وانسحب من الجزء الشمالي منها في 17 تشرين الثاني من العام 2010. وبحسب الوثائق الموجودة في حوزة الجيش “الإسرائيلي” يعلم بأنّها لبنانية، لهذا لم يدخل إليها عندما احتلّ منطقة الجولان من سوريا في العام 1967. أمّا اليوم، ووفق ما جاء في البيان الأخير لحزب الله، فإنّ “قوّات الإحتلال قامت بإجراءات تمثّلت بإنشاء سياج شائك وبناء جدار إسمنتي حول كامل البلدة، شبيه بما تقوم به على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلّة”، موضحاً بأنّ هذه الإجراءات “فصلت بلدة الغجر عن محيطها الطبيعي التاريخي داخل الأراضي اللبنانية، وفرضت سلطتها بشكل كامل على القسمين اللبناني والمحتلّ من البلدة، وأخضعتها لإدارتها بالتوازي مع فتح القرية أمام السيّاح القادمين من داخل الكيان الصهيوني”.. وهذا يعني أنّ العدو قام بضمّ الجزء الشمالي من بلدة الغجر، من دون أي إعتراض من قبل المسؤولين اللبنانيين المتلهّين بالأزمة الرئاسية وبمصالحهم الشخصية.
هذا التطوّر الخطير الذي يُمهّد لتشريع سلطة “الإسرائيلي” على الأراضي اللبنانية المحتلّة، وفق المصادر نفسها، لا يُمكن للدولة اللبنانية التعاطي معه على أنّه خرق روتيني للقرار 1701، والإكتفاء بإرسال شكوى عنه الى الأمم المتحدة، تُضاف الى آلاف الخروقات البريّة والبحرية والجويّة التي تقوم بها “إسرائيل” للسيادة اللبنانية. فالتحرّك الديبلوماسي لا بدّ وأن يتكثّف لمنع تثبيت هذا الإحتلال، ولا بدّ من إعلام الأمم المتحدة أنّ العدو يقوم باحتلال جديد للجزء الشمالي اللبناني من بلدة الغجر، بدلاً من تطبيق الإنسحاب من بقية الأراضي المحتلّة، وفقاً لما ينصّ عليه القرار 1701. وإذا لزم الأمر، على حكومة تصريف الاعمال دعوة مجلس الأمن الى عقد جلسة طارئة لمناقشة هذا التعدّي، الذي قد يطال تلال كفرشوبا ومزارع شبعا لناحية تثبيت الإحتلال، واعتبار العدو أنّ هذه الأراضي المحتلّة تابعة له وليس للدولة اللبنانية، رغم امتلاك لبنان لكلّ الوثائق والخرائط والإتفاقيات التي تؤكّد ملكيته لها.
أمّا أن يؤدّي ما يحصل الى نشوب حرب بين حزب الله والقوّات “الإسرائيلية” المحتلة، فذكرت الاوساط الديبلوماسية بأنّه عقب حادثة كفرشوبا، شهدت المنطقة تبادل قذائف بين الجانبين، وقد تستمرّ هذه المواجهات الأمنية في حال واصل “الإسرائيليون” تعدياتهم. واكدت الاوساط انّ إنشاء السياج وشمل الجزء الشمالي من بلدة الغجر ضمنه، أي تثبيت العدو احتلاله للقرية، لا يُمكن أن تسكت الدولة عنه وتقف متفرّجة على هذا التعدّي الذي يقوم به، عليها مطالبة الأمم المتحدة إبلاغ العدو الإسرائيلي رفضها لإنشاء السياج الشائك الذي يضمّ الجزء الشمالي من بلدة الغجر التابع للبنان، كون الأمم المتحدة تملك خرائط الحدود الدولية للبنان مع فلسطين المحتلّة وسوريا، ويُطالبها بإزالة السياج من الجزء اللبناني من بلدة الغجر وسائر الأراضي اللبنانية المحتلّة.