في ظل ظروف الحرب، يتحول الإنسان إلى كائن يتصارع مع قوى تفوق طاقته، حيث تتداخل مشاعر الخوف والرعب، مع العزيمة والإصرار على النجاة. قد يجد الفرد نفسه في مواجهة مآسٍ وتحديات تفوق قدراته البشرية، مثل فقدان الأحبة، انقطاع سبل الحياة أو تدمير المأوى. في هذه اللحظات، يصبح الشعور بالوحدة عبئا ثقيلاً، فالألم الذي يُعاش في العزلة يتضاعف، لذلك تساهم مشاركة الازمات في الحد من وطأتها على النفوس.
بالرغم من ذلك، فان مجابهة اي شخص بمفرده الألم ليست دائما خيارا، بل قد تكون فرضا تفرضه الظروف. عندما تُغلق الأبواب ويُترك الفرد وحيدا في معركة البقاء، يتوجب عليه استجماع قوته النفسية والجسدية، والتحلي بروح التحدي والمرونة لتجاوز تلك العواصف. ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن الشخص مهما بلغت قوته وصبره، لا يستطيع وحده التغلب على كافة الصعوبات التي تفرضها الحرب. فالمساندة، حتى وإن كانت عاطفية، تمثل طوق النجاة في بحر الاضطراب.
ومن هنا، تتجلى أهمية التضامن الإنساني في تخطي المحن، لأن ذلك يتطلب تضافر الجهود. فالملاحم لا تستثني أحدا، وكل فرد في المجتمع جزء من نسيج متكامل، لا يمكن أن يُبنى على العزلة، حيث يصبح البحث عن الأمل والتشبث بما تبقى من إنسانية، سلاحا لمقابلة الألم، لكن يبقى الفرد بحاجة إلى من يؤازره ويتقاسم معه الأعباء، حتى لا يغرق في دوامة اليأس والعجز.
مُعاناة الأطفال… آلام ومخاوف لا تنتهي
لمواساة المواطنين والوقوف الى جانبهم، وان كان معنويا، جالت “الديار” على بعض المستشفيات والمناطق التي شهدت احداثا امنية يومي الثلاثاء الأسود والأربعاء، واستمعت إلى آلام المواطنين الذين أصيب أبناؤهم بتفجيرات البايجر واللاسلكي. تقول السيدة أم علي، والدة أحد الجرحى: “عندما رأيت ابني يفقد بصره أمام عيني، شعرت بأن الدنيا قد انهارت. كان يصرخ ويبكي من الألم، وأنا عاجزة عن فعل أي شيء. كيف سأشرح له أنه لن يتمكن من رؤية وجهي مرة أخرى؟”
بينما يقول مهدي، وهو طفل في العاشرة من عمره لـ “الديار”: “رأيت بابا والدم ينزل من عيونه، كنت خائفا جدا. كل ليلة أتذكر شكله وهو يصرخ، ولا أستطيع النوم منذ أيام وارتعب من كل شيء، ، حتى من الأصوات العالية والضوء”.
أما زينب، شقيقة أحد المقاومين، فتخبرنا: “لم أعد أستطيع النظر إلى يدي أخي بعد أن فقد أصابعه. لذلك أشعر بالرعب في كل لحظة أفكر فيها كيف سيعيش حياته بعد الآن، كيف يأكل أو يكتب، هذه المشاهد لن تفارقني أبدا”.
أما الطفل عباس في التاسعة من عمره فقد أصيب بصدمة نفسية، ويقول لـ “الديار”: “أحلم كل يوم ان يدي ستذهب مثلما حدث لجارنا. أخاف ان ألعب أو أتحرك كثيرا، وكلما سمعت صوتا قويا، أختبئ بيدي وابكي”.
مواجهة الألم الداخلي
من جهته، يوضح عضو في نقابة الاختصاصيين النفسانيين لـ “الديار” أنه “عندما يتعرض الفرد لضغوط نفسية كبيرة، بخاصةً في حالة الحرب أو الأزمات الشديدة، يصبح التحدي الأكبر هو كيفية التعامل مع هذه التوترات بمفرده، دون الاستعانة باختصاصي نفسي. لذا، من الطبيعي أن يشعر الشخص بالعجز واليأس، لكن هناك استراتيجيات يمكن أن تساعد في تخفيف هذا العبء”.
ويؤكد أنه “من المهم أن يبدأ الشخص بالاعتراف بمشاعره وقبولها، سواء كانت توجسا او حزنًا أو غضبا. هذه المشاعر ليست ضعفًا، بل هي ردود فعل طبيعية لما يمر به. لذلك يمكن للفرد أن يحاول التعبير عن مشاعره بطرق مختلفة، مثل الكتابة والرسم، أو حتى التحدث إلى شخص مقرب إن وُجد، لإخراج ما في داخله والتخفيف من الشعور بالضغط”.
التأقلم
ويشدد على ان “التكيف يعتبر من أهم الوسائل للتصدي للألم، قد لا يكون الشخص قادرا على تغيير الاوضاع المحيطة به، لكنه يستطيع تعديل طريقة استجابته لهذه الظروف. كما يمكن ان تساعد تقنيات التنفس العميق والتأمل والاسترخاء في تهدئة الجهاز العصبي وتخفيف التوتر”.
التواصل مع الأطفال نصف العلاج… كيف ندعمهم؟
ويتابع “عندما يتعلق الأمر بالأطفال، من المهم أن يحاول الأب أو الأم الحفاظ على الهدوء قدر الإمكان، لأن الصغار يتأثرون ويشعرون بحالة ذويهم. علاوة على ذلك، نستطيع استخدام أسلوب الحديث البسيط والمطمئن، لشرح ما يحدث بشكل يتناسب مع عمر الطفل وفهمه، والتركيز على إشعاره بالأمان، مثل القول: “نحن معا وسنحاول أن نبقى آمنين'”.
وينصح “بتوفير الأنشطة التي تساعد على تشتيت انتباه الأولاد، كاللعب أو رواية القصص أو حتى القيام ببعض الأعمال اليدوية إذا كانت متاحة. بالإضافة الى تشجيعهم على التعبير عن مخاوفهم ورغباتهم، والاستماع إليهم بانتباه وحنان، ما يساهم في تخفيف شعورهم بالخوف”.
التوجه الى الذات كملجأ
من جانبها، تقول اميمة غنيم، وهي اختصاصية في مجال الارشاد الصحي والنفساني والاجتماعي من بلغاريا لـ “الديار”: “عندما لا يتمكن الشخص من الوصول إلى دعم نفسي، يمكنه أن يتوجه إلى ذاته. بحيث ان التركيز على الأشياء الصغيرة التي يمكن التحكم فيها، مثل النظام اليومي والطعام أو حتى تنظيم المساحة المحيطة، قد يبعث إحساسا بالاستقرار”. وتشير الى “ان الشخص يستمد القوة من تجاربه السابقة في مواجهة الأزمات، ويذكر نفسه بأنه قد تخطى صعوبات أخرى في حياته”.
إيجاد هدف في الأزمة
وتستكمل “قد يساعد التفكير في كيفية كون الفرد مصدر دعم لأطفاله أو لعائلته على تخفيض شعوره بالعجز. اذ ان الاهتمام بالأفعال البسيطة قد يحقق هذه الغاية، مثل طمأنة الأطفال وتأمين الطعام، أو خلق جو من التعاون داخل الأسرة، مما يمنح الشخص وعيا بالهدف ويقلص من كربه”.
هل يجب طلب المساعدة إذا لم يتمكن الفرد من التصدي للآلام التي يعيشها؟ تجيب: “حتى في الظروف الصعبة، قد تكون هناك فرص للتواصل مع أشخاص مختصين، سواء عبر الهاتف أو “الإنترنت”. إذا لم يكن ذلك متاحا، ساعتئذ يمكن البحث عن مجموعات دعم محلية أو مجتمعية، لأن وجود الدعم الاجتماعي من أشخاص يمرون بتجارب مشابهة، يساهم في التقليل من الشعور بالعزلة والحسرة”.
وتختم “في النهاية، يظل الإنسان قادرا على التعديل والتعامل مع الظروف الصعبة بطرق مختلفة، حتى عندما يشعر أنه يقف وحده أمام أعبائه. يبقى الأهم الحفاظ على الأمل والإيمان بأن كل أزمة مهما كانت صعبة لا بد أن تنتهي”.