صحيح ان لبنان بلد صغير مساحته الرسمية لا تزيد عن 10452 كيلومترا مربعا، وعدد سكانه لا يتجاوز الـ 5 ملايين نسمة، الا ان صيته ذاع في كل ارجاء العالم بسبب أبنائه المبدعين في شتّى المجالات العلمية والصناعية والطبية وحتى الفنية، لا سيما في مجال تصميم الأزياء. فبلاد الأرز عرفها العالم القديم والحديث من خلال علماء استطاعوا حجز مكان للبنان على الخارطة العالمية. فالفينيقيون كانوا من سكان لبنان القدامى، وهم من اخترعوا الابجدية ونشروها في العالم، ووصلوا في مراكبهم الى أوروبا وافريقيا، وكانوا اول من اجتاز المحيط الأطلسي واكتشف القارة الأميركية.
الهجرة الثالثة
بالمقابل، ادت الازمة الاقتصادية الأخيرة التي وصفها البنك الدولي بالأسوأ في تاريخ لبنان، والاعقد عالميا، الى موجة من النزوح الجماعي، والأرقام مفزعة والخسارة لا تعوّض في مختلف المؤسسات والمجالات. وفي الإطار، كان اعد “مرصد الازمة” التابع للجامعة الأميركية في بيروت، تقريرا يرصد ما وصفه بـ “موجة الهجرة الثالثة”، لافتا، الى ان البلاد دخلت هذه الموجة (Exodus) بالفعل، حيث تشهد ارتفاعا ملحوظا في معدلات الهجرة والساعين اليها، ومحذرا من نتائجها الكارثية على المدى البعيد على مصير لبنان.
الاستسلام غير متواجد في قاموس اللبنانيين
لم يعرف اللبنانيون الاستسلام يوما، لأنهم يؤمنون بأن الكفاح طريقا لا بد منه لتحقيق الاحلام، خاصة للفئة التي لم تختر الهجرة، بل فضّلت البقاء وعدم ترك الوطن لأي سبب كان. وبدأ ثُلّة من الشباب والشابات يناضلون ويكسرون القوالب الجامدة، ويبتكرون ويخترعون ويفشلون في أوقات كثيرة، لكنهم كانوا ينجحون آلاف المرات. فلطالما كان تنفيذ الإنجازات صفة ملاصقة للشعب اللبناني، لذلك عُرف لبنان بمفكريه وعلمائه ومخترعيه، ومن أبرز هؤلاء المفكر جبران خليل جبران وحسن الصباح ومايكل الياس دبغي.
والجدير ذكره في هذا السياق، ان هناك مشروعا علميا تكنولوجيا عرفه لبنان بين العامين 1961 و1966، وهو مشروع الصواريخ الذي أبصر النور في جامعة “هايكازيان” في بيروت على يد أستاذ الرياضيات مانوك مانوكيان.
وعلى خطٍ اختراعي متصل، كان لبنان وسيبقى محافظا على المركز الأساسي للاختراعات والإنجازات من خلال ادمغة شبابه. كما ان الايمان بهذا الوطن هو الذي يحفز أبنائه على المضي قدما نحو ابتكارات متمكنة كان أحدثها: صناعة سيارة على الطاقة الشمسية، وتوليد الطاقة الكهربائية من براميل البلاستيك، والجديد هو ابتكار جهاز مخصص للأشخاص المصابين بالصم والبكم.
براءة واختراع
وفي سياق متصل، حصل الشابان وسيم عمران المتخصص في مجال الهندسة الكهربائية، وسمير الياس المتخصص في مجال هندسة الكومبيوتر والاتصالات، على براءة اختراع من وزارة الاقتصاد والتجارة في لبنان، بعد ان اوجدا جهازا يساعد الأشخاص الذين يعانون من صعوبات في التكلم والسمع أي الصم والبكم.
القفاز السحري!
قال الشابان لـ “الديار” ان “هذا الاختراع الذكي والمستحدث، يساهم في إعادة تعزيز التواصل، ويسهل الأمور الحياتية بين الأشخاص الصم والبكم في مجتمعهم او أماكن عملهم او تواجدهم. فإلى جانب وجود لغة الإشارة المحددة لهؤلاء، فإن الناس يستطيعون في كثير من الأحيان استيعابها وفهمها، وحتى تعلمها من اجل التواصل مع هذه الفئة”.
وقالا: “The infinity Glove” هو اكتشاف يرسخ العلاقة والاتصال والتواصل بين الأشخاص، الذين لديهم عوائق سمعية او نطقية مع بيئتهم، وهذا يؤازرهم على استعادة ثقتهم بنفسهم من اجل التعبير عن شخصيتهم وطموحاتهم وافكارهم، بشكل سلس ومتقدم وسريع، وأيضا بسيط بلا عقبات في ترجمة لغة الإشارة المخصصة بهم، وذلك يكون عن طريق ارتداء القفاز المتصل بالبرنامج المستنبط خصيصا لتشغيله والموصول به، من خلال تحميل الـ (Application) على هاتف الشخص، ويتم وصل القفاز بالبرنامج عبر تفعيل خاصية البلوتوث في المحمول”.
لغات الجهاز
وبحسب الشابين، “فإن برنامج القفاز يحتوي على لغات متعددة، توفر للمستخدم فرصة أكبر للتواصل مع بيئات ومجتمعات من دول مختلفة ولغات متنوعة. كما ان هذا البرنامج يهوّن أيضا على الأشخاص التحدث مع الافراد من ذوي الصم والبكم، عن طريق خاصية التكلم عبر البرنامج الذي يسمح للطرفين القيام بحوار متواصل ومترابط”.
3 وضعيات مختلفة
أوضح عمران والياس لـ “الديار” ان آلية عمل القفاز مقسمة على الشكل التالي:
- الوضعية الأولى : هي الأرقام وتبدأ من الرقم 1 الى 9.
- الوضعية الثانية: وهي الاحرف من الـ A الى الـ Z، بحيث ان هذه الفئة تستطيع انتقاء احدى الوضعيات المذكورة للتواصل مع الآخرين، من خلال القيام بإشارة محددة متّصلة باليد المرتدية للقفاز، والتي تدل على الرقم او الحرف المناسب للحوار.
- الوضعية الثالثة: هي التي تميّز القفاز وهي متخصصة، اذ يقوم الابكم او الاصم بتحفيظ اهم وأكثر الجمل التي يستخدمها ضمن نطاق حياته اليومية وفقط عبر اشارته، لرقم الجملة بالقفاز التي تم تحميلها وحفظها في البرنامج، ويتم التواصل بينه وبين الأطراف الآخرين.
وأوضح عمران والياس “ان القفاز لا يعمل حصرا على حركة الأصابع، وانما أيضا على حركة اليد. ان هذا القفاز لا يخدم فقط الأشخاص المصابين بالصم والبكم، وانما أيضا يساعد كبار السن والأشخاص الذين أصيبوا بعسر في النطق بعد تفجير مرفأ بيروت جراء الصدمة، من خلال تدريبات معينة تمكّن هؤلاء القيام بروتين حياتهم اليومية بسهولة”.
وأكد الشابان في الختام “إن هذا المخطط لن يتوقف، بل سنعمل على تطويره تمهيدا لطرحه في الأسواق، حتى نساعد فئة من الناس تكاد تكون مهمّشة. وعلى مقلب مادي، نبحث عن مصادر تمويل لاختراعنا حتى نتمكن من اكمال مشروعنا، فحتى وزارة الصناعة اعطتنا جرعة امل صغيرة، وكل ما نحتاجه هو تذليل العقبات لكي نتقدم بوتيرة أسرع”.