لم تنجح المساعي الديبلوماسية على تنوعها، المعلن منها والذي يحاك في الكواليس، في احتواء الحرب على الجبهة اللبنانية وما قد تجرّه من تداعيات على استقرار المنطقة.
وفي هذا السياق تندرج أعمال الدورة الـ 79 للجمعية العامّة للأمم المتحدة في نيويورك، والّتي جاءت في وقتٍ تستعر فيه المواجهات وتزدادت الانقسامات حول القضايا الكُبرى وخصوصًا غزّة وأوكرانيا والسّودان، فضلًا عن تأزم الأوضاع عند الحدود اللّبنانيّة مع إسرائيل وتوسّع واشتداد المواجهات، بما يشي باحتمال اندلاع حربٍ شاملة.
بايدن: الحل الديبلوماسي ممكن
وقال الرئيس الأميركيّ جو بايدن، في الجلسة الافتتاحيّة إن بلاده عازمة على منع نشوب حرب أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط “تبتلع المنطقة بأكملها”، مضيفًا أن الحلّ الدبلوماسيّ بين لبنان وإسرائيل يظلّ “السّبيل الوحيد للأمن الدائم وللسماح لسكّان البلدين بالعودة إلى ديارهم على الحدود بأمان”. وفي كلمته أمام المناقشة العامة للجمعية العامة، قال بايدن إن حزب الله أطلق صواريخ على إسرائيل من “دون أن يُستفز” وبعد مرور ما يقرب من عام لا يزال الكثيرون على جانبي الحدود الإسرائيليّة اللّبنانيّة نازحين. وقال: “إن الحرب الشاملة ليست في مصلحة أحد. وحتى مع تصاعد الوضع، لا يزال الحلّ الدبلوماسيّ ممكنًا”. وأكدّ أن العالم “لا ينبغي أن يجفل أمام أهوال 7 أكتوبر(…) وأن أي دولة، لها الحق في ضمان عدم تكرار مثل هذه الهجمات مرة أخرى.
فيما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن شعوب العالم ولبنان وإسرائيل لا يمكنها تحمّل أن يتحول لبنان إلى غزّة جديدة. وحذر غوتيريش من أن لبنان على شفا الكارثة، وأن الوضع هناك مثير للقلق. بينما أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أنّه “يقف إلى جانب الشعب اللّبنانيّ ودولة لبنان التي تتعرض للاعتداء وسنقف إلى جانب أصحاب الحق حتّى النهاية”.
قطر: أوقفوا العدوان
أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، شدّد على أن دور قطر في الوساطة مستمر، مؤكدًا على حقّ الشعب الفلسطينيّ في تقرير مصيره ووقف العدوان الإسرائيليّ عليه”. وقال:”أوقفوا العدوان على غزّة وأوقفوا الحرب على لبنان. وتفجير وسائل الاتصالات اللاسلكية في لبنان جريمة كبرى. وإسرائيل تعرف أن الحرب لن تجلب السلام وعليها إيقاف الحرب على غزة ولبنان”.
إلى ذلك أشار سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون إلى أنّ “إسرائيل لا ترغب في اجتياح لبنان”. وقال دانون: “خضنا تجربة في لبنان في الماضي، لسنا راغبين في بدء أي اجتياح بري في أي مكان”.
من جهته علق وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، عبدالله بو حبيب، على تصريحٍ بايدن قائلاً أن “خطاب الرئيس بايدن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة جاء غير واعد ولم يكن قوًّيا”. مؤكدًا أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة القادرة على صنع الفارق في الشرق الأوسط”.
النافذة الدبلوماسيّة الفرنسيّة
على صعيد موازٍ، تنكب الإدارة الفرنسيّة اليوم، على تلقف المبادرة الدبلوماسيّة لاحتواء المواجهات المتصاعدة. وفي الوقت الذي يزور فيه الموفد الرئاسيّ الفرنسيّ جان إيف لودريان مختلف الجهات الرسميّة والسّياسيّة في لبنان، لبحث التطورات العسكريّة ولإرساء قنوات تواصل دبلوماسيّ للحؤول دون اندلاع حربٍ شاملة في المنطقة، أعلن وزير الخارجيّة الفرنسيّ جان نويل بارو، أمس الثلاثاء أن بلاده طلبت عقد اجتماعٍ طارئ لمجلس الأمن الدوليّ هذا الأسبوع لبحث الوضع في لبنان. ومن المقرّر أن ينعقد اليوم الأربعاء، 25 من أيلول.
وبالنظر إلى التصريحات الفرنسيّة الّتي تؤكد وقوف فرنسا إلى جانب لبنان، والتزامها الدفاع عنه سياسيًّا ودبلوماسيًّا وإيجاد حلٍّ للوضع الراهن، فضلًا عن الموقف الفرنسيّ “المرّن” لحدٍّ ما مع الحزب، وتعثر الجهود الدبلوماسيّة الأميركيّة في إيجاد نقطة تلاقي بين الأطراف المتقاتلة. يبدو السّؤال اليوم مُلّحًا: هل تكون الدبلوماسيّة الفرنسيّة النافذة الدبلوماسيّة الوحيدة المتاحة لاحتواء التصعيد.
لودريان والبحث عن تسوية
في هذا السياق، وبعد أربعة أشهرٍ من زيارته الأخيرة إلى بيروت، عاد لودريان بجدولٍ أعمال جديد لـ “زيارةٍ كانت مخطّطة قبل التصعيد الأخير” هدفها البحث في الملف الرئاسيّ. استهل لودريان جولته، بزيارة قائد الجيش جوزيف عون، وكل من رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي (قبل أن يُسافر إلى نيويورك للمشاركة في جلسات مجلس الأمن)، ورئيس مجلس الوزارء نبيه بري. كما وجال على مختلف الأطراف السّياسيّة اللّبنانيّة وعدد من الوزراء والنواب.
وأكدّ لودريان خلال لقائه بميقاتي أمس الثلاثاء أن بلاده تدعم لبنان وتقف إلى جانبه في كل الظروف. معتبرًا أنّ توجه ميقاتي إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا الظرف الدقيق مسألة مهمة جدًا، متمنيًّا أن “تفضي الاتصالات الدبلوماسيّة إلى حلٍّ يوقف دورة العنف”. وعن الملف الرئاسي اللّبنانيّ قال لودريان إنّه “سيقوم بجهودٍ لتقريب وجهات النظر بين الأفرقاء اللبنانيين للوصول إلى تفاهم يفضي إلى انتخاب رئيس جديد”. وفي لقائه مع بريّ، شدّد الأخير على “حثّ فرنسا لأداء دور فاعل للضغط على إسرائيل من أجل وقف عدوانها قبل تفلت الأمور”. وأضافت مصادر مطلعة أنّ “بري أبدى مرونة وتسهيلًا في الملف الرئاسي من أجل تأمين جلسة برلمانيّة لانتخاب رئيس للجمهورية”.
وفي سلسلة لقاءاته مع مختلف الأطراف، التقى لودريان مع رئيس كتلة حزب الله البرلمانيّة، النائب محمد رعد، وأشارت المصادر أن رعد بحث معه تطورات المواجهات بين الحزب والجيش الإسرائيليّ فضلًا عن الملف الرئاسيّ. وقالت المصادر أن رعد شدّد على ضرورة أن تلعب الدول المؤثرة ومن بينها فرنسا دورًا في “وقف الهمجيّة والإجرام الإسرائيليّ” في غزّة ولبنان.
وبحسب ما علمت “المدن” فإن لودريان قد أبلغ كل المسؤولين اللّبنانيين الذين التقاهم أن فرنسا تسعى لوقف إطلاق النار وخفض التصعيد وطالبت بعقد جلسةٍ في مجلس الأمن لهذه الغاية. لكن هذا لا بد له من أن يمرّ من خلال تسويّة سياسيّة بين مختلف القوى لملاقاة خفض التصعيد في الجنوب.
أبعاد الزيارة والملف الرئاسيّ
إن كان من المبكر في هذه المرحلة، الحكم على قدرة الدبلوماسيّة الفرنسيّة، كنافذة لحلٍّ سريع، إلّا أن شبه المؤكد عزم لودريان على استخدام أوراقه المتاحة، سواء لتجنيب لبنان سيناريو صراع شامل غير مرغوب فيه مع إسرائيل، أو للدفع لانتخاب رئيس جديد للدولة سريعاً. وهذا بدليل محاولته التحدث مع جميع الأطراف، وتحديدًا حزب الله، هذه قناة الاتصال الّتي فتحتها باريس – وهي العاصمة الغربيّة الوحيدة الّتي تفتح اتصالًا مع الحزب، فيما يعتمد الأخير بشكلٍ أساسيّ على جهود الوساطة الأميركيّة بوصفها الوحيدة القادرة فعليًّا على ممارسة الضغط على تلّ أبيب.
أما زيارته لقائد الجيش، فوصفت بحسب المراقبين بأنّها محاولة فرنسيّة لتسليط الضوء على دور الجيش في استعادة الهدوء وإدارة مرحلة “اليوم التالي ما بعد الحرب”. فيما زيارة بري هي لفتح قناة مباشرة للتفاوض مع الحزب، بوصف بري وسيطاً ومن كبار المفاوضين.
أما بما يتعلق بملف الرئاسة، ففي وقتٍ تحدث فيه لودريان مع القادة السّياسيين، لمواصلة الدفع نحو انتخاب سريع لرئيس جمهوريّة، أفادت مصادر أن هذا الدفع مؤداه إعادة إحياء نشاط الخماسيّة للخماسية المشاركة في الملف اللبناني (الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر، قطر)، قبل تصعيد الضربات الإسرائيلية في عدة مناطق.
المصدر – المدن