بعد صمت وانتظار لأيام، بدأت التسريبات اللبنانية السلبية والرافضة نظرياً للمقترح الفرنسي، الذي تسلمه لبنان حول ترتيب الوضع في الجنوب. وكما أصبح معروفاً، فإن الاقتراح ينطلق من نقطتين أساسيتين. الأولى، اتفاقية نيسان 1996 والتي وافق عليها لبنان واعتبرها انتصاراً في حينه. والثانية، هي القرار 1701 الذي لا يزال لبنان يتمسك به، وأيضاً يعتبره انتصاراً. يرتبط التسريب السلبي بجملة تطورات، أولها عدم تلقي لبنان الرد من المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين. وبالتالي، هو محاولة استدراج له ولعودته. ثانيها، أن لبنان والثنائي الشيعي بالتحديد يراهنان على إنجاز أي اتفاق مع الأميركيين حصراً وليس مع غيرهم.
تفادي الحرب
لا تعني هذه التسريبات السلبية وجود أي نية لبنانية بتصعيد أو امواجهة، إنما الحث على توسيع إطار التفاوض واستعجاله، خصوصاً بعد زيارة وزير خارجية إيران، حسين أمير عبد اللهيان، وتشديده على ضرورة التركيز على التفاوض وعدم الإنجرار إلى حرب، وعدم منح إسرائيل ونتنياهو أي فرصة لإطالة أمد الحرب أو توسيعها. كما لا يمكن إغفال كلام عبد اللهيان الواضح للقنوات المفتوحة بين الإيرانيين والاميركيين.
كان عبد اللهيان واضحاً في إشاراته إلى أن إسرائيل قد توسع استفزازاتها بعمليات اغتيال واستهدافات بالعمق اللبناني، داعياً الحزب إلى عدم الرد بشكل يسهم في توسيع الحرب.
في الصورتين أيضاً، يظهر حرص أميركي على منع اسرائيل من شن حرب واسعة في لبنان. وهو ما بحثه آموس هوكشتاين أو غيره من المسؤولين الأميركيين، في مقابل حرص إيران على عدم توسيع الحرب من قبل حلفائها.
ضربات أمنية
في هذا السياق، يبرز التصعيد الإسرائيلي في غزة وفي مدينة رفح تحديداً. فعلى الرغم من المعارضة العلنية الأميركية لاستمرار الهجوم في قطاع غزة، ومدينة رفح تحديداً، إلا أن ذلك يبقى في إطار الكلام. الإسرائيليون مصرون على مواصلة حربهم. وربما تكون قد برزت معادلة أميركية جديدة، وهي إطلاق يد اسرائيل في غزة ورفح، إنما مقابل عدم جر المنطقة إلى حرب إقليمية، وخصوصاً عدم تصعيد الوضع إلى حرب مع لبنان، بما يلاقي موقف إيران الواضح مع حلفائها بعدم الدخول في حرب.
هنا يبرز مؤشر لافت حول تشابه (وأحياناً تطابق) مضمون الكلام لدى الأميركي والإيراني مع حلفائهما.
على وقع كل هذه التطورات، برز في الأيام الماضية تصعيد إسرائيلي، سواء من خلال تكثيف عمليات القصف في الجنوب، أو من خلال توسيع نطاق العمليات الأمنية وعمليات الاغتيال. لكن ذلك يبقى في إطار توسع العمليات الأمنية الإسرائيلية وليس العمليات العسكرية. فهذه معركة جديدة تخوضها إسرائيل في لبنان، خارج سياق المعارك والحروب السابقة، من خلال التركيز على المعادلات الأمنية من دون الاضطرار لاجتياحات برية أو حروب واسعة تستهدف فيها المرافق العامة للبنان، كما كان يحصل سابقاً، مثل ضرب المطار أو الجسور والبنى التحتية ومحطات الكهربا،ء لأن هذه ستكون تداعياتها سلبية جداً، وستقود إلى ضغوط دولية كبرى على إسرائيل.
رسالة عبر اليونيفيل
على الأرجح، ستواصل إسرائيل مسار عملياتها الأمنية، خصوصاً في ضوء المعلومات التي تفيد بأن اليونيفيل قد أبلغت بعض المسؤولين اللبنانيين، وبينهم قائد الجيش جوزيف عون بأن إسرائيل تنظر إلى كل المناطق اللبنانية مباحة للاستهداف، في حال رصدت فيها أحد الأهداف أو المطلوبين من قبلها. جاءت الرسالة بعد محاولة اغتيال مسؤول عسكري في حزب الله بالنبطية. واعتبرت الرسالة أن مدينة النبطية أصبحت في خانة المناطق المستهدفة. ما إن وصلت هذه الرسالة حتى استهدفت إسرائيل في العمق اللبناني، وببلدة جدرا تحديداً، مسؤولاً في حركة حماس. ما يكرس هذا النوع من العمليات الإسرائيلية.
منذ اغتيال عماد مغنية إلى اليوم ارتكزت اسرائيل على العمليات الأمنية والاغتيالات. وهذا يؤشر إلى نجاح الحزب في بناء ردع عسكري ضد إسرائيل، لكنه لم ينجح في بناء ردع أمني حتى الآن، بدليل استمرار عمليات الاستهداف الموضعية لشخصيات وكوادر أو شحنات أسلحة، سواء كان ذلك في لبنان أو سوريا.
تشبه هذه العمليات الإسرائيلية في لبنان، الكثير من العمليات التي طبقها الإسرائيليون في قلب إيران وضد أبرز الشخصيات المرتبطة في البرنامج النووي الإيراني وتخصيب اليورانيوم، إلا أن هذه العمليات لم تنجح في وقف إيران عن التخصيب.