الوضع المادي المتأزم، دفع اللبنانيين الى ترك مراكز الرعاية الصحية والمستشفيات والعيادات الطبية، والتوجه نحو الطب البديل او طب الأعشاب او الطب “المزيف” كما يسميه البعض. فماذا يعني التخلّي عن علاج ما قائم على التجارب والاختبارات العلمية والمعرف، وحائز شرعية من منظمة الصحة العالمية، واللجوء الى نصائح شعبية لا تستند الى علم او تحاليل او اختصاص، ومن صاحب دكان العطارة نفسه، الذي يعرض ما هبّ ودبّ من أصناف تحمل أسماء غريبة وتدخل في علاجات اغرب؟
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تناول هذه الأعشاب في زمن القلّة والشظف والعسر المادي آمن على صحة المريض، وبالتالي الصحة العامة؟ ام ان استهلاكها يبقى في إطار الراحة النفسية والقناعة السيكولوجية؟ وهل بات الطب الحديث يواجه تحديات دقيقة، بعد الازمة النقدية التي أدت الى تدهور الأوضاع المعيشية؟
وفق استفتاء احصائي محدود قامت به “الديار”، فإن أكثر من 70% من المواطنين يقصدون متاجر العطارة، حيث تباع فيها منتوجات كثيرة ومتنوعة، مثل البهارات والأعشاب والنباتات الطبية ذات الخصائص العلاجية، الى جانب مستحضرات التجميل والعناية الشخصية، بحثا عن علاج زهيد الثمن، بعد ان ارتفعت أسعار البلاسم التي يحتاج صرفها الى وصفة طبية او حصرا عن طريق الصيدليات والمراكز الصحية.
أسباب قصرية
واقعيا، ان تراجع القدرة الشرائية للبنانيين، وتقليص حكومة تصريف الاعمال دعمها للأدوية، اقنع زمرة واسعة من المرضى ان التداوي بالأعشاب ان لم ينفع فلا يضر، وينظر اليها على انها صحية ولا آثار جانبية على جسم الانسان، كونها تعد نباتات طبيعية ربانية خالية من الإضافات الكيميائية.
وفي هذا الإطار، قال فيكين صاحب محل عطارة في برج حمود لـ “الديار” ان “نسبة الاقبال على شراء الأعشاب زادت بنحو 80 الى 85% ، والتهافت كبير لاقتناء تلك المخصصة للتنحيف وعلاج الإمساك واوجاع البطن والغازات وآلام المعدة، وطبعا علاج تساقط الشعر وتطويله”.
ولكن، لماذا يفضل كثر العلاج بالأعشاب؟ أوضح فيكين ” ان تلك الممارسات ترجع الى آلاف السنين ، وتعرف باسم طب الأعشاب او الطب البديل، الذي يرتكز على وصفات كناية عن خليط من الأعشاب والبهارات والزيوت العطرية، ويتداوى بها المرضى لعلاج اسقام مثل الانفلونزا والكحة وعسر الهضم والكوليسترول وامراض ضغط الدم”.
أضاف “بعد ثورة 17 تشرين وارتفاع سعر صرف الدولار وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، تضاعف الطلب على المنتجات العشبية والزيوت المخصصة لمكافحة التجاعيد وتأخير الشيخوخة، مثل لبان الذكر والالوفيرا”.
وفي هذا السياق، كان وزير الصحة فراس ابيض قد حذر في تصريح اعلامي “من مخاطر تناول الأعشاب بديلا عن ادوية الامراض المزمنة، خاصة مرضى السرطان الذين يتناولون ادوية الأعشاب، لان علاجهم بات اما باهظا او غير متوافرا او يباع سوقاً سوداء”.
بالموازاة، قال الصيدلي محمد لـ “الديار” ان “استخدام الأعشاب جيد، ويمكن ان يحل بعض المشاكل الصحية الخفيفة مثل الامساك والكحة والرشح، ولكن الجرعات غير المنتظمة قد تؤثر في صحة المريض سلبا، وقد تتدهور حالته”.
أضاف “يوجد آلاف العطارين النصابين، وزاد عددهم في الآونة الأخيرة بسبب الاضطراب المادي وضيق حال معظم العائلات، وبالتالي يتم استغلالهم من قبل “باعة” لا علاقة لهم لا بالأعشاب ولا بالطب البديل، بغية تحقيق الأرباح المادية. لكن المشكلة الكبرى هي ان بعض تجارب ما يسمى بطب الأعشاب، تبقى في إطار الممارسات التي لا يقوم عليها برهان علمي الا نباتات محددة، مثل الاشواغندا والكركم والكمون وبعض الأنواع التي خضعت لتحاليل وتجارب علمية، مثل بذور القاطونة والشومر وبذور الكتان واكليل الجبل والنعنع بنوعيه، وما عدا ذلك يبقى في نطاق الاختبارات الزائفة”.
والسؤال الذي يدور في اذهان الأغلبية الساحقة من اللبنانيين: اين وزارة الصحة من كل ما يتم الترويج له عبر وسائل التواصل الاجتماعي من اعشاب قد تضر أكثر مما تنفع؟ وهنا لا بد من الإشارة الى ان “الديار” تتطرق الى خصائص الأعشاب التي خضعت للتحاليل والاختبارات الطبية من قبل مختبرات عالمية جديرة بالثقة.
وعود كاذبة
وقال الصيدلي محمد “ان الوعود بالشفاء من كل الآلام بلا جراحة وادوية، وإنفاق الأموال الطائلة مقابل علاجات غير فعالة بالنسبة للأدواء المزمنة، ما هي الا عهود منافقة، واعتقد ان ما يدفع الناس الى العزوف عن استشارة الأطباء والصيادلة هو الوضع المعيشي الضي،ق وعدم قدرة المواطن على دفع بدل كشفية او فحصية، والتي باتت تتراوح بين الـ 150 و200 دولار”.
اما اختصاصية التغذية كاتيا قانصو فقالت لـ “الديار”: “يلجأ الكثير من الاشخاص الى الأعشاب الطبيعية لحرق المزيد من السعرات الحرارية ولفقدان الوزن، دون الرجوع للطبيب أو معرفة فوائد وأضرار تلك الأعشاب وفاعليتها في التخسيس”.
وتابعت “هناك الكثير من المنتجات التي تدخل في صناعتها الأعشاب الطبيعية مثل المنتجات الطبية والغذائية، والتي يتناولها الأفراد دون استشارة الطبيب، ظنا منهم أن كل شيء طبيعي وآمن، لكن هذه المقولة غير صحيحة، فالأعشاب ما هي إلا أدوية طبيعية تحتوي على مكونات تؤثر بشكل أو بآخر في أجهزة وأعضاء الجسم، وقد يؤدي تناول بعضها إلى أضرار جانبي، خصوصا تلك التي تحوي الكافيين، وتعتمد في طريقة عملها على مدرات البول، ولكن الحقيقة تجعل الجسم عرضة للجفاف، كما أنها ترفع من معدلات هرمون الكورتيزون المسؤول عن القلق بالجسم، مما يجعل متعاطيها مصابا بالأرق، وارتفاع معدل ضربات القلب، وتؤثر في النهاية في جهاز المناعة”.
اضافت “قبل استخدام بعض الخلطات، يجب أخذ النصيحة والمشورة الطبية من الطبيب المختص، تجنبا لحدوث أي مضاعفات من استخدام مثل هذه الوصفات والخلطات، لأن استهلاك الوصفات العشبية قد يؤدي إلى قرحة المعدة والغثيان ومشاكل في الجهاز الهضمي، وممكن التعرض الى تداخلات سامة إذا أُخذت مع أدوية أخرى”.
تحذير من الخبراء
هذا، ويحذر الخبراء في الطب البديل من الاسراف في تناول أي نوع من الأعشاب دون العودة الى طبيب اختصاصي. وكان المركز الوطني للصحة التكاملية في أميركا دعا الى عدم الافراط في استهلاك الأعشاب التي تباع في الأسواق، مثل عشبة “سانت جورج” التي تستعمل لتقليل الاكتئاب، ويساعد زيتها في التئام الجروح وعلاج الاكزيما. لكن المركز أكد ان هذا النبات له تفاعلات خطرة، خاصة إذا تم تناوله مع عدد من الادوية الطبية، كونه يلحق الضرر بالكلى والكبد.
في الخلاصة، القاطونة، ورق الغار، حب الهال، الميرمية، يانسون النجمة وغيرها من النباتات والاعشاب، يمكن الاستفادة منها على المستوى الطبي والصحي، لكن ينبغي استشارة الطبيب أولا، فليس بالضرورة ان تكون كلها مفيدة وآمنة والعكس صحيح، فحتى الثوم قد يسبب حرقة المعدة والغازات إذا تم أخذه مع عقار “الوارفين”.