تستكمل فرنسا دورها التقليدي في لبنان، الى جانب ما كلّفتها به اللجنة الخماسية ومن ضمنها الولايات المتحدة الاميركية، رغم تلويحها لها بأنّ الوقت غير مفتوح لإتمام المهّمة، ولهذا أدخلت قطر على خط الوساطات والتسويات الداخلية والخارجية قبل بدء حرب غزة، وخلط الأوراق في المنطقة.. واللافت أنّه بعد 7 تشرين استمرّ توافد الموفدين الفرنسيين الى بيروت، من الزيارة الأخيرة للمبعوث الشخصي للرئيس الفرنسي جان إيف لودريان، التي تليها زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا التي تصل مساء يوم غد الجمعة في زيارة تستمر ليومين، تزامناً مع الزيارة السنوية لوزير الدفاع الفرنسي لمعايدة ضباط وعناصر الكتيبة الفرنسية العاملة في إطار القوات الدولية “اليونيفيل” في الناقورة لمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة. وتُمهّد زيارة كولونا، بالتالي لزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثالثة الى لبنان بين 21 و23 كانون الأول الجاري التي جرى تأجيلها من العام الماضي، والتي لم تؤكّدها السفارة الفرنسية في لبنان حتى الآن.
ولكن في حال صدقت المعلومات وعاد ماكرون الى لبنان، بعد زيارتيه اللتين أعقبتا انفجار مرفأ بيروت في 4 آب من العام 2020، وقد سارع خلالهما لتهدئة نفوس المنكوبين وإظهار الدعم الكامل للشعب اللبناني، ومحاولة عقد تسوية مع المسؤولين اللبنانيين، فإنّه لا يُمكنه أن يعود كأنّ شيئاً لم يكن. فبعد مسارعته أخيراً الى “تل أبيب” بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول المنصرم، بات ماكرون بالنسبة الى اللبنانيين غير الرئيس المتعاطف مع الشباب الذين عرفوه وأعجبوا بمواقفه وبحماسه بعد 4 آب.. فمناصرة “إسرائيل” ودعمها في حربها على ما سمّاه الإرهاب، رغم علمه بأنّ حركة حماس هي حركة مقاومة تُدافع عن أرضها وحقوق الشعب الفلسطيني ولا تعتدي على حقوق الآخرين، على ما يفعل الإحتلال الإسرائيلي، لن تُعطي ماكرون في أي زيارة جديدة الى لبنان أي زخم، أو دور مستقبلي.
فبأي وجه سيعود ماكرون الى لبنان؟ تساءلت مصادر سياسية متابعة، وما هي المواقف الجديدة التي سيُعلنها من بيروت، وهو عالم بموقفها الرسمي والشعبي الداعم للشعب الفلسطيني، والمندّد بالجرائم ضدّ الإنسانية وضدّ حقوق الإنسان، التي لا تزال “إسرائيل” ترتكبها بحق المدنيين الفلسطينيين وأكثريتهم من النساء والأطفال والشيوخ؟ وما الجديد الذي سيحمله بعد أن أصبحت كلّ الأولويات في المنطقة، تتمحور حول القضية الفلسطينية وكيفية وقف العدوان على غزّة، والعمليات العسكرية في الجنوب اللبناني؟ وعن أي رئيس جمهورية للبنان سيتحدّث الرئيس الفرنسي بعد فشل مهمّة لودريان، وفشل الخيار الثالث، ولجوء اللجنة الخماسية الى وسيط قطري الى جانب لودريان لتحريك الملف؟!
من هنا، استبعدت المصادر نفسها أن يقوم ماكرون بهذه الزيارة في ظلّ عدم وجود رئيس للجمهوربة في لبنان، رغم أنّه لن يأتي للقاء نظيره، وهو لا يُبدي اهتماماً بهذا الأمر أساساً، بقدر ما يهمّه المجيء لدعم الكتيبة الفرنسية العاملة في قوّات “اليونيفيل”، لما تعانيه من مخاطر على سلامة جنودها مع اشتعال الجبهة الجنوبية، كما ليعيّد مع أفرادها بعد أن وعدهم بالزيارة العام الماضي ومن ثمّ قام بتأجيلها.
وتسأل المصادر إذا التقى الرئيس الفرنسي خلال زيارته بعض المسؤولين اللبنانيين لمناقشة الملف الرئاسي، فما سيكون عليه موقفه من المبادرة الفرنسية التي تدعم وصول مرشح الثنائي الشيعي الوزير السابق سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية، وموقف الداعم “لإسرائيل” في حربها على حركة حماس التي تحوّلت الى حرب إبادة جماعية وتهجير جديد للفلسطينيين من قطاع غزّة؟
كذلك كيف سيتمكّن ماكرون من التأثير على حزب الله لعدم توسيع الجبهة الجنوبية وتجنيب لبنان حرباً موسّعة عليه، وهو الذي كان يفتح حواراً معه طوال السنوات الماضية، واليوم يدعم العدوان الإسرائيلي على غزّة؟ كيف سيتمكّن من إقناع المسؤولين الذين سيلتقيهم أنّ الدول الغربية والأوروبية لا تريد أن ترى نزاعاً إضافياً في المنطقة، أو جبهة ثانية بين لبنان والعدو الاسرائيلي؟ لأنّ مثل هذا الأمر لا يصبّ في مصلحة أي أحد في المنطقة، ولم تتمكّن هذه الدول حتى الآن من استصدار أي قرار أممي يضع حدّاً للعدوان على غزّة ويوقف إطلاق النار. علماً بأنّه لا يحمل بالتالي أي ضمانات من “إسرائيل” أنّها هي أيضاً لن تُنفّذ تهديداته المستمرّة عن شنّ حرب مدمّرة على لبنان تعيده الى العصر الحجري.
وترى المصادر أنّ فرنسا لا تزال، إن بزيارة رئيسها المرتقبة أو بموفديها، تُكرّر المواقف نفسها، وأبرزها:
1- إنّ عدم إمكانية تمرير الخيار الثالث على صعيد الملف الرئاسي، يُعيد الأمور الى نقطة الصفر أو الى المربع الأول. ولهذا فإنّ انتخاب رئيس الجمهورية لا يُمكن أن يحصل من دون الحوار والتوافق. ولهذا على الأحزاب والكتل النيابية العمل من أجل معالجة هذا الملف والوصول فيه الى خاتمة سعيدة.
2- ضرورة التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون بالطرق القانونية والدستورية، لعدم ترك فراغ ثانٍ في البلاد الى جانب الشغور الرئاسي، الذي يبدو بحسب أداء المسؤولين والمعطيات في المنطقة، أنّه سيطول الى ما بعد انتهاء فترة ولاية قائد الجيش في 10 كانون الثاني المقبل.
3 – السعي الى تجنيب لبنان أي “حرب إسرائيلية” موسّعة عليه، لأنّها ستُدمّره ولن تنأى عنها دول المنطقة، في حين أنّ اللجنة الخماسية تقوم بالجهود المتواصلة لوقف حرب غزّة والذهاب الى تسوية سياسية، لحلّ القضية الفلسطينية وما يرتبط بها من صراع عربي- “إسرائيلي”، بهدف إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط. الأمر الذي يُمهّد الى تفجّر الغاز والنفط من البلوكات اللبنانية في ظلّ بحث الدول الأوروبية عن موارد جديدة لها في المنطقة من هذه الثروة النفطية.