في ظلّ الحرب الدائرة اليوم بين حركة حماس والعدو الاسرائيلي، يتقصّد البعض الحديث عن أنّ الفلسطينين قد باعوا أراضيهم “للإسرائيليين” بنسبة كبيرة، ما يُشرّع لهم الدفاع عنها.. غير أنّ الحقيقة هي خلاف ذلك. فلا يمكن تزوير التاريخ، وإن كانت الدعاية الصهيونية تقوم بنشر الأضاليل من أجل إضاعة الرأي العام وقلب الحقائق، وبالتالي إيهام المجتمع الدولي الذي يعلم أنّ الأراضي هي لفلسطين، بأنّ “الإسرائيليين” يدافعون عن حقوقهم في حرب غزّة، في حين أنّهم في الواقع يحتلّون الأراضي الفلسطينية منذ عقود، واليوم يدمّرون قطاع غزّة على مرأى من العالم. والأخطر أنّهم يلقون تأييد الدول الغربية والأوروبية على كلّ ما يرتكبونه من مجازر وحشية وجرائم ضدّ الإنسانية، ومن إبادة جماعية “مقصودة”. فما هي حقيقة أنّ الفلسطينيين باعوا أراضيهم “للإسرائيليين”؟
تقول مصادر أكاديمية واسعة الاطلاع انّه في العهد العثماني، كانت الدولة في فترة من الفترات منهارة اقتصادياً، ومن أجل الحصول على المال كانت تعرض أراضي الفلّاحين الفلسطينيين المفلسين للبيع. وكان بعض التجار الجشعين يستغلّون هذا الأمر، فيشترون الأراضي للتجارة وربح عائداتها، لا سيما أراضي سهل فلسطين مثل حيفا ويافا المليئة بالحمضيات، التي كانت تصدّر الى أوروبا. وعندما عرضت الدولة العثمانية الأراضي للبيع، كان “الإسرائيليون” يرشون الولاة العثمانيين لشرائها بأبخس الأثمان، فمثلاً كانت مساحة كبيرة من الأراضي تباع بمبلغ مالي يمكن كسبه في ريعها لسنة واحدة.
غير أنّ فكرة البيع، كان مرفوضة شكلاً وموضوعاً من قبل الفلسطينيين أنفسهم. ففي ثلاثينات القرن الماضي، على ما أضافت المصادر، عندما جرى انتزاع أراضي وادي الحوارث ووادي القبّاني ومرج إبن عامر، كان الفلاحون يرفضون الخروج من أرض أجدادهم. وكانت القوّات البريطانية المنتدبة تهدّدهم بالبنادق لإجبارهم على مغادرتها، لكنّهم كانوا يفترشون الأرض تمسّكاً بأراضيهم، فتأتي الجرّافات البريطانية وتدهسهم. فلا الفلسطينيون باعوا أراضيهم، ولا “الإسرائيليون” اشتروها. ومن استولى على الأرض، أخذها بالفلسطينيين المتجذّرين فيها، أي أصحاب الأرض الأصليين، ومن اشترى فقد اشترى حقوق الإنتفاع من هذه الأرض، وليس حقوق الملكية لكي يشتري ويبيع، ويطهّرها عرقياً على هواه.
وأكّدت المصادر نفسها، أنّه رغم كلّ ما حدث في تلك الفترة، إلّا أنّه حتى سنة 1948 كانت كلّ الأراضي التي هي في حوزة اليهود المسيطرين عليها بالقوة، لم تتجاوز نسبة 6.5 في المئة من أراضي فلسطين. رغم أن بريطانيا حكمت فلسطين مدّة 30 سنة، وكان هدفها ترسيخ الكيان الصهيوني وأعطته امتيازات، ما أطلق يده في فلسطين المائية والمؤسسات والأراضي. وهذا يعني أنّ سيطرة “الإسرائيليين” على غالبية الأراضي الفلسطينية حصلت بعد النكبة، ومن دون بيع وشراء، إنّما عن طريق السيطرة والسطوة. ولهذا يحقّ للفلسطينيين اليوم تحرير أرضهم من “الإسرائيليين” الذي يسعون من حرب غزّة الى التوسّع أكثر، والحصول على المزيد من المكتسبات مجاناً، والتي ليس لهم اي حقوق فيها.
وهذا يعني أنّ ما يزعمه “الإسرائيلي” اليوم بأنّه يدافع عن أرضه أو سيادته غير صحيح إطلاقاً، لأن الأرض ليست له، ولا سيادة له عليها. وكلّ ما في الأمر، وفق المصادر، أنّه يُمعن في تحقيق أطماعه ما دامت الفرصة سانحة، وما دامت الدول الغربية والأوروبية تقف الى جانبه وتدعمه للاستمرار في حربه على الفلسطينيين في غزّة.
أما في الجنوب اللبناني، على ما أوضحت المصادر، فإنّ “الإسرائيليين” يسعون لإيصال حدود “دولتهم المزعومة” الى الليطاني كلّما سنحت لهم الفرصة، سيما أنّ تلك المنطقة المواجهة للبحر تضمّ احتياطات من النفط والغاز. ولهذا يطالبون لبنان، على لسان الأميركيين والأوروبيين بتطبيق القرار 1701، بهدف إنشاء منطقة عازلة جنوب نهر الليطاني، علّهم يتمكّنوا من احتلالها إمّا في حربهم الراهنة عند الجبهة الجنوبية مع حزب الله، وإما في وقت لاحق. غير أنّ هذا الأمر لا يمكن أن يحصل بهذه السهولة، لأنّ القرار المذكور يطالبهم بالإنسحاب فوراً من الأراضي اللبنانية المحتّلة.
وذكّرت المصادر بالضغط الذي كان يحدث في مؤتمر السلام في فرساي في نهاية الحرب العالمية الأولى، مشيرة الى أنّ الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان آنذاك، قد مارس ضغوطات عديدة على رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج بشأن الحدود الشمالية لفلسطين. فقد أراد وايزمان أن تكون الحدود عند نهر الليطاني. وحاول لويد جورج إقناع رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو بذلك. لكن هذا الأخير رفض وأصر على أن تكون الحدود الشمالية لفلسطين عند نهر الليطاني. كما أوضح كليمنصو للويد جورج أن فرنسا ستقاتل إذا حاول البريطانيون مدّ الحدود الشمالية لفلسطين إلى الليطاني. ثم استسلم لويد جورج للفرنسيين. وأخبر وايزمان أن حكومة صاحبة الجلالة ليست مستعدة لخوض حرب مع الفرنسيين بشأن هذه القضية. وقال له “ربما في غضون خمسين عاماً يمكنك الحصول على ما تريد”.
ولهذا يسعى “الإسرائيلي” اليوم لأن تكون الحدود الشمالية (لفلسطين المحتلّة) هي الليطاني، على غرار ما حاول وايزمان أن يفعل مع لويد جورج في العام 1918. ولهذا يطالب بإنشاء منطقة عازلة عند الحدود الشمالية خالية من السكّان. وفي حال استُكملت حرب غزّة، والمواجهات العسكرية عند الجبهة الجنوبية، يخطّط لتدمير جميع البنى التحتية فيها، أي الطرق والكهرباء والمياه والمنازل، لكيلا تبقى صالحة للسكن من قبل أي كان. على أن تقوم “القوّات الإسرائيلية” بمراقبة هذه المنطقة، وبقتل أي شخص يغامر بدخولها. على أمل أن يضمّ لاحقاً الجنوب اللبناني بأكمله اليه… غير أنّ مخطّطه هذا لن يتحقّق لأسباب عديدة، منها وجود قوّات “اليونيفيل” في المنطقة الجنوبية الى جانب الجيش اللبناني، ومع عدم طلب المجتمع الدولي تعديل القرار 1701 الذي تنتشر على أساسه قوّة الطوارىء الدولية عند جنوب الليطاني.