من المفترض أن يصل اليوم الى اسرائيل وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن، في أول زيارة لمسؤول اميركي ودولي رفيع بعد اعلان اسرائيل حال الحرب. لكن زيارة بلينكن كان قد استبقها الرئيس الاميركي جو بايدن بخطاب عالي السقف، تضمّن مواقف نارية، ما يعطي الانطباع مسبقاً بأنّ زمن الحلول والتسويات الواقعية لم يحن بعد، وأنّ هنالك رهاناً على حصول تطورات ميدانية تُحدث تبدلاً واضحاً في موازين القوى، قبل الشروع في بناء معادلات اقليمية جديدة.
ولا شك أنّ المحور الاقليمي الذي تنتمي اليه حركة «حماس» يُجري قراءة متأنية للمسار الجاري رسمه وكيفية مواجهته.
فالامور تتدحرج باتجاه هجوم بري يستهدف غزة، وهو ما يفتح الباب أمام احتمالات عدة، كون ذلك سيعني إحداث تبدّل جذري في ميزان القوى والمعادلة القائمة على الساحة الشرق أوسطية.
ووفق تدرّج الأحداث، فإنّ مسارعة رئيس الحكومة الإسرائيلية الى اعلان حال الحرب بعد ساعات على عملية غزة، تلاه تبنّي الحكومة الإسرائيلية المصغّرة اضافة الى الكنيست لقرار حال الحرب.
وبعد ذلك ظهرت الخطوة الأهم من خلال الاعلان عن حكومة الوحدة الوطنية، ما يعني تجاوز الانقسامات الداخلية الحادة القائمة. وتفسير ذلك أنّ ثمة اتجاهاً كبيراً يستوجب هذه الخطوة. في الواقع فإنّ هنالك اجماعاً من المراقبين بأنّ نتنياهو اصبح جثة سياسية ستُعلن مراسم دفنها بعد انتهاء الحرب. فالاتهامات كبيرة حول مسؤوليته عن الكارثة التي لحقت بإسرائيل، ولكن تصفية الحساب معه مؤجّلة.
وتشكيل حكومة الوحدة يعني الشروع في الحرب البرية باتجاه غزة وإحداث تعديلات ميدانية نهائية، والتجارب التاريخية توجب عدم حصر الأهداف الاسرائيلية بغزة فقط، فقد تكون هنالك نوايا عدوانية تطال ما هو أبعد من غزة، لاعتقاد اسرائيل أنّ الظروف الدولية مؤاتية ويجب استغلالها.
وكانت اسرائيل أعلنت عن اتصال اجراه نتنياهو بالرئيس الأميركي، حيث أبلغه خلاله عن بدء العملية البرية باتجاه غزة خلال الساعات المقبلة. ولكن استدعاء قوات الاحتياط الاسرائيلية لا يلغي حقيقة الضعف الذي تعاني منه القوات الاسرائيلية البرية، خصوصاً بسبب افتقاد الجنود الاسرائيليين الى الروح القتالية. وهذا ما ادّى الى حال الانهيار السريع مع تقدّم عناصر حركة «حماس» الى مستوطنات غلاف غزة بسهولة عند بدء العملية العسكرية. فلقد بدت ردود الفعل العسكرية خلال فترة الـ 48 ساعة التي تلت هجوم «حماس» في حال ارتباك كبيرة، وبأنّ القيادة العسكرية لا تملك خطة.
الواضح أنّ القيادة العسكرية الاسرائيلية حاولت التعويض عن ذلك من خلال اتباع سياسة الأرض المحروقة وتدمير المباني السكنية والمنشآت القائمة وتسويتها بالارض.
ورغم ذلك، فإنّ قدرة الجيش الاسرائيلي على اقتحام غزة تبقى صعبة ومكلفة جداً خصوصاً في ظل التطور العسكري الكبير لمقاتلي «حماس».
أغلب الظن أنّ الجيش الاسرائيلي سيتجّه الى تغلغل يؤدي في أحسن الاحوال الى تقسيم غزة الى عدة قطاعات، ومن ثم التعامل مع كل قطاع لوحده وبمعزل عن الآخر ووفق معايير مختلفة.
وحتى في هذه الحالة، فإنّ المخاطر امام الاسرائيليين كبيرة، اضافة الى الحاجة الى اسابيع عدة، وربما فترة اطول. الواضح أنّ الأسوأ لم يأتِ بعد. فالهدف هو بتغيير صورة غزة، وهو ما عبّر عنه صراحة وزير الدفاع الإسرائيلي.
وللدلالة على وجود هذا القرار الكبير، بدا أنّ نقطة الضعف الاسرائيلية والتي عملت عليها حركة «حماس» والمتمحورة باحتجاز رهائن، تتصرف اسرائيل وكأنّها تجاوزتهم، نظراً الى أهمية الهدف المنشود. تماماً كما فعل نائب الرئيس الاميركي السابق ديك تشيني في 11 ايلول، حين أمر سلاح الجو الاميركي بإسقاط الطائرة الاميركية الرابعة المختطفة بمن فيها، قبل أن ينفّذ الخاطفون مهمتهم.
وستعمل اسرائيل على الأرجح على دفع فلسطينيي غزة باتجاه مصر، وهو ما ترفضه القاهرة رفضاً قاطعاً.
وافتراضاً في حال نجاح اسرائيل في خطوتها في تقسيم ومن ثم تطويع غزة، فانّ امامها خيار من ثلاثة:
1- اما ترك المنطقة تحت السيطرة الاسرائيلية، وهذا خيار مستحيل بالنسبة لاسرائيل كونه سيجعلها تحت وطأة جحيم حرب العصابات.
صورة جديدة لشيرين عبد ال…