تعتبر متلازمة تأخر النوم او كما يطلق عليها «بومة الليل» او «نايت اول»، نوعا من الاختلال الذي يصيب الساعة البيولوجية للفرد، الذي يطيل السهر حتى وقت متأخر، وهذا الاضطراب يدفعه الى مشاكل شديدة مثل القلق والتوتر، ويؤثر فيه خلال قيامه بالأعمال والمهمات والنشاطات المطلوبة منه في اليوم التالي.
في سياق متصل، أظهرت أبحاث سابقة ان هذه المتلازمة قد تؤدي الى الإصابة بأمراض خطرة. والدراسة التي أجريت في العام 2022 توصلت الى «ان الأشخاص الذين يطيلون السهر، لديهم معدلات لياقة بدنية اقل، ونسبة حرق ضئيلة للدهون اثناء الراحة والنشاط مقارنة بـ «الطيور المبكرة». وبينت ان الذين يعانون من هذه الحالة لديهم ميولا لمقاومة الانسولين، مما يعني ان عضلاتهم تتطلب المزيد من الانسولين للحصول على الطاقة التي يحتاجون اليها.
ووفقا لتقرير نشره موقع “HEALTHLINE”، فإن مجموعة من الدلالات والعوارض الطبية المرتبطة مع بعضها، والمتعلقة غالبا بمرض او اضطراب معين تتزامن في الوقت نفسه، فيحدث عدم اتزان في ساعة جسم الفرد الداخلية، وهذا ما يدفعه الى تأجيل موعد نومه لفترة تمتد لساعتين على الأقل. وهذه الحالة يقاسي الشباب المراهقون منها بشكل كبير، بنسبة تصل الى 15%، الى جانب العديد من الاعراض الأخرى جراء المعاناة من متلازمة «بومة الليل»، مثل القلق والتوتر والاكتئاب وانقطاع النفس النومي. هذه الأسباب مجتمعة تؤثر في إنتاجية الطلاب، الامر الذي يؤدي الى تراجع مستواهم الأكاديمي لعدم اخذهم قسطا كافيا من الراحة.
العادات السيئة تدفع الى الموت مبكراً
بالتوازي، نشرت مجلة «كرونوبيولوجي إنترناشيونال» الفنلندية دراسة جديدة مفادها «ان الأشخاص الذين يحبذون الذهاب الى الفراش والاستيقاظ متأخرا، وهو السجل الزمني للنوم المعروف بمتلازمة «بومة الليل» او “NIGH OWL”، قد يموتون مبكرا نتيجة ممارستهم عادات سلبية، قد تتطور اثناء السهر مثل التدخين وشرب الكحول.
وأشارت الدراسة «الى ان أسلوب «بومة الليل» يضاعف من خطر الموت المبكر لدى الانسان بنحو 9%، مقارنة بالأشخاص الصباحيين الذين يطلق عليهم «الطيور المبكرة» او EARLY» BIRDS». وراقبت الدراسة الجديدة، 24 ألف توأم، اثناء الفترة الممتدة بين عامي 1981 و2018، وذلك لتقصي أسباب السلوكيات والأمراض المرتبطة بالصحة.
على خطٍ موازٍ، كلف كل توأم ان يختار إجابة واحدة من الأسئلة الاتية: «من الواضح انني شخص صباحي»، «انا شخص صباحي الى حد ما»، «من الواضح انني شخص مسائي»، او «انا شخص مسائي الى حد ما».
وجاءت الدراسة الجديدة تتمة لدراسة قديمة. وفي هذا الإطار نظر الباحثون في سجلات وفاة فئة فرعية لـ «8728 مشاركا» من الدراسة الأساسية، واتت بعد تنقيح التصاريح لمراعاة المنحى التعليمي وشرب الكحول والتدخين ، ومستوى كتلة الجسم ومدة النوم.
وقال مهانو براكاش كولا الطبيب بمركز طب النوم في «مايو كلينك»، الذي لم يشارك في الدراسة، «لقد عرفنا منذ فترة طويلة ان الأشخاص الذين يحبذون السهر هم أكثر انحرافاً نحو الإدمان على الكحول، ولديهم اضطراب في تعاطيه، كما انهم عرضة لتجربة مواد أخرى بما في ذلك التبغ».
أضاف: «ان خطر الوفاة المبكرة بنسبة 9 في المئة يعتبرأمراً مهولا، مما يفسح مجالا لأسباب أخرى، يمكن ان تزيد من خطر الوفاة».
أردف الطبيب قائلا: «من بين العوامل المرجحة، هو حاجة الأشخاص الذين يسهرون ليلا الى الاستيقاظ مبكرا للعمل او المدرسة، وبالتالي يحصلون على قسط اقل من الراحة، ما يرجح امكان الإصابة بأمراض مزمنة ومخاطر صحية مختلفة».
المراهقة وبداية المتلازمة
في سياق متصل، يعتبر الاختصاصيون النفسيون «ان متلازمة «بومة الليل» تؤثر في اليافعين في مرحلة المراهقة، بحيث تحصل تغيرات هرمونية وبيولوجية تؤدي الى حصول اضطرابات في النوم. وبسبب هذه الاختلاجات يتبدل الأطفال مع تقدمهم في العمر وانتقالهم الى مرحلة المراهقة بتغير توقيت رغبتهم في الرقود، ويصبح هؤلاء ميالين الى السهر حتى ساعات الصباح الأولى والتعويض بالقيلولة نهاراً. وهذا يؤدي الى تزعزع النعاس بسبب تحولات في ساعة الجسم الداخلية، والنتيجة تكون في تأخير وقت النوم من ساعتين الى ثلاث ساعات كحد أدني، وهذا ما يجعل المراهق في حالة من النشاط او «هايبر»، أي انه يبقى مستيقظا الى ما بعد منتصف الليل».
ولاحظ علماء النفس «ان أصحاب متلازمة «بومة النوم» لديهم بنية دماغية مختلفة، وينعطفون الى الاضطراب. والسبب الأكبر لهذه الحالة، هو «إيقاع الكورتيزول غير الطبيعي. فالناس يكون لديهم مستويات اعلى من الهرمون في الصباح، في حين ان الأشخاص الذين يتكلّفون من التعب والارهاق المزمن، يصلون الى هذه الذروة في وقت لاحق من اليوم».
تركيبة دماغية متَنَابذة!
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «ذي كونفرزيشن» عن أبحاث جديدة، «ان المصابين بهذه المتلازمة يتوجعون بسبب بنيتهمالدماغية المختلفة، لان ذلك يشمل الاختلافات في كل من المادة الرمادية والبيضاء، التي يتم ربطها بالتباينات في الذاكرة والرفاهية العاطفية والانتباه».وبينت الدراسة «ان المراهقين الذين كانوا أكثر عرضة للإصابة بمشكلات سلوكية تحتوي قدرا أكبر من العدوانية، هم في المرحلة العمرية من 12 الى 13 سنة، لكنهم كانوا اقل تأثرا بالمشاكل العاطفية مثل القلق او الحالة المزاجية المتقلبة والسيئة».
على الرغم من هذه النتائج الصادمة والمقلقة التي انتهت اليها الدراسة، الا أن الأبحاث تشير الى إمكان تبديل بعض العادات والأعراف الخاصة بالشباب في مرحلة المراهقة، ويكون ذلك بالترويض والتحفيز على الهجُوع، على سبيل المثال: التعرض لضوء ينتج منه تغيير ايقاعات الساعة البيولوجية، وهو ما يؤثر في تفضيلات النوم، لذا فإن تخفيف الأضواء الساطعة المنبعثة من الشاشات والهواتف في الليل، يمكن ان يساعد على إعادة «ركلجة» أوقات الاضْطِجاع، كذلك الامر بالنسبة للضوء الصباحي ، الذي يمكن ان يساهم في تعديل الساعة الداخلية للجسم، وبالتالي الاستيقاظ مبكرا».