نضال العضايلة
في العام 1946، اعتبر الصهيانة ان السيد الأوحد على شرقي الأردن هو الشعب اليهودي بلا منازع، واعتبروا إنشاء شرقي الأردن كدولة مستقلة، بدون الحصول على موافقة الحركة الصهيونية، ممثلة للشعب اليهودي، خرقاً فاضحاً للقانون الدولي، في نفس الوقت الذي راحت فيه صحيفة (The Jewish Standard)، تتحدث في مقالتها عن “أردننا Our Jordan” مستخفة بدولة شرقي الأردن وشعبها، مؤكدة أن وعد بلفور اعتبر نهر الأردن بمثابة “النهر الفلسطيني” اليهودي، وليس حدود دولة ترسمها الإدارة البريطانية لإرضاء رغبات أصدقائهم العرب، على حساب المسألة اليهودية
وفي إطار الحملة الصهيونية على استقلال شرقي الأردن، انضم (حزب مزراحي)، إلى صفوف المنظمة الصهيونية الجديدة، ووافق بحماس على قرارها بأن الأمة اليهودية لن توافق أبداً على سلخ شرقي الأردن عن جسد فلسطين (اليهودية) التي تربطها صلات تاريخية وجغرافية واقتصادية، ولا يستطيع أي ان كان ان يزعزع إيمان كل فرد يهودي بأن الأرض الواقعة شرقي نهر الأردن، تؤلف جزءاً لا يتجزأ من وطنه الأم ودولة المستقبل، للشعب اليهودي.
وما بين ذلك وبين قصيدة (جابوتنسكي) التي جاء فيها، نهر “الأردن له ضفتان، واحدة لنا، وكذلك الأخرى”، توحد الشعور الديني لدى اليهود، وتناسى الصهيونيون خلافاتهم، في سبيل الإعراب عن رفضهم لفصل “فلسطين الشرقية”، عن (أرض الميعاد)، التي يطمعون بالاستيلاء عليها، تحت راية مزاعم التوراة والتاريخ والتراث والوطن القومي اليهودي المزوَّر، وراحت الصحافة الصهيونية، تعلن صراحة عن “حركة المقاومة اليهودية”، التي تتألف من (الهاغاناة والأراغون وشتيرن) “المحاربون في سبيل حرية إسرائيل”، واعتبرت كل يهودي على أرض فلسطين عضواً في “حركة مقاومة”، فصل شرقي الأردن عن الوطن اليهودي ومنحه الاستقلال.
قبل اقل من عام وفي نيسان من العام الماضي، حذر رئيس الوزراء الأردني الأسبق طاهر المصري من خطر انتقال “التمدد الصهيوني” إلى بلاده، معتبرا أن “الأردن مستهدف كنظام وشعب ووطن من خلال خطط وأطماع مرسومة على الورق من قبل الطامعين، وفي مقدمتهم الاحتلال الإسرائيلي ومن يقف خلفه من الداعمين في أميركا والغرب عموما، وما نراه من دعم معلن وغير معلن من قبل بعض الأشقاء”.
يومها جلس المصري يتحدث امام الصحافيين الأردنيين حول الوضع الراهن في الأردن وفلسطين، ولا زلت اذكر انه قال انتقد عقد الحكومات الأردنية اتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي، وقال ان استمرار تنفيذ البرنامج الصهيوني الذي يعمل على ضم كل الضفة الغربية إلى إسرائيل، والتعامل مع السكان الفلسطينيين حسب مفهوم قانون يهودية الدولة، بالإضافة إلى الحديث علناً عن الوطن البديل، يجعل حدود إسرائيل الأمنية هي عند حدود الأردن الشرقية، وأحد أحلامها بالوصول إلى الأردن.
ومع ذلك ورغم حديث المصري الذي كان على رأس الحكومة الأردنية ذات يوم لا زالت حكوماتنا تعقد الاتفاقيات مع دولة العدو الصهيونية ضاربة عرض الحائط بالنتائج الوخيمة التي استقرت عليها هذه السياسات والعلاقات، والتي من نتائجها خروج وزير ازعر عارضاً لخارطة تشير الى نية إسرائيل احتلال الأردن.
بكل تأكيد هي ضربات موجعة من الصعب مواجهتها والتصدي لها إذا استمرت السياسات الحكومية الحالية على نحو تمدد المشروع الصهيوني، وإغراقنا بالمزيد من ربط اقتصادنا ومعاشنا بالقوانين الاقتصادية والسياسية، وحتى العسكرية الإسرائيلية، وهو أمر من المؤكد أنه سيؤثر على استقلالنا وسيادتنا وهويتنا الوطنية الأردنية، فلا داعي للتوتر والتشنج واظهار الأمر على أنه حديث العهد، فهو قديم وقديم الى الحد الذي يجعلنا نتخطاه دون ان يؤثر علينا، وهذا بالطبع نتيجة الهرولة الحكومية نحو تل ابيب.
عندما صدر وعد بلفور الذي تعتبره الصهيونية جزء اساسي من التزام غربي تجاه اماني وطموحات اليهود كان يضم فلسطين والاردن، الا ان بريطانيا تراجعت عام 1922 واخرجت الاردن من دائرة المشروع الصهيوني ووعد بلفور.
والمحاولات والخطط الصهيونية لاستيطان الاردن قديمة تعود تقريباً الى عام 1867م عندما طرح اول مشروع بريطاني للاستيطان اليهودي في شرقي الاردن.
في العام 1871 اسس يهودي يدعى (يهوشع يلين) شركة من اجل شراء الاراضي والاستيطان في الاردن، وفي عام 1867 قدم شخص غير يهودي (بريطاني) يدعى تشارلس وورن بحثاً للصندوق البريطاني لابحاث (ارض اسرائيل) دعا فيه الى الاستيطان اليهودي في منطقة جلعاد شرقي الاردن.
البارون اليهودي روتشيلد دعا بعد زيارته لاريحا وفلسطين عام 1887 الى توسيع الاستيطان اليهودي شرقي الاردن، ورصد مبالغ مالية من اجل شراء الاراضي في الاردن لتحقيق ذلك، وأيضًا خطة رابطة الاستيطان في كيشنيف، هذه الرابطة سعت للاستيطان في شرقي الاردن واعدت مخططات لتنفيذ مشروعها، واقتراح مردخاي هيلل، حيث دعا عام 1891 الى تنظيم الاستيطان اليهودي في شرقي الاردن ضمن مجموعات تضم مائة الى مائتين شخص.
بالإضافة إلى مخططات رابطة (بيت يهودا في صفد) 1883-1887، وضعت هذه الرابطة شرق الاردن كهدف للاستيطان اليهودي ضمن مشروعها شمالي فلسطين والجولان، وطرح لورنس اولفينت خطة مبلورة عام 1879 للاستيطان اليهودي في شرقي الاردن تحت اسم (خطة ارض جلعاد)، وانشاء كيان يهودي ذاتي الحكم في اطار الدولة العثمانية، وجلعاد حسب المخطط تضم مناطق مؤاب وغور الاردن والجولان.
بعد عام 1891 ازدادت الدعوات والنداءات اليهودية لاستيطان شرقي الاردن، ومنها دعواة رابطة (محبي صهيون) ودعوة احادهعام لتنظيم الاستيطان اليهودية في الاردن وشراء الاراضي.
ويشير التاريخ الى محاولات لشراء اراضي قرب الكرك خلال الاعوام 1901 – 1906، كما يشير الى انه وخلال الاعوام 1903 – 1914 قام تاجر يهودي يدعى اهارون بلوم وهو صاحب محل لمواد بناء في القدس القديمة بمحاولات لشراء اراضي في منطقة ام العمد جنوب عمان، حيث تشير معلومات بأنه قام بشراء اراضي في هذه المنطقة وتسجيلها في محكمة السلط بتاريخ 8/10/1903، كما جرت محاولات ومفاوضات لشراء اراضي في قريتي جوزا والزباير وفي مادبا ايضاً، وانشأ فيما بعد شركة تدعى (طلائعيو شرق الاردن) من أجل شراء الاراضي وتعزيز الاستيطان اليهودي في شرق الاردن.
كما ان هناك مخططات يهودية للاستيطان في الزرقاء 1909 – 1911 حيث سعت مجموعات يهودية لشراء الاراضي والاستيطان في حوض الزرقاء الذي يربط شمال فلسطين مع اراضي جلعاد وعمان.
اليوم نحن أمام مسرحية سياسية بدون مشاهدين، وعلى الشعب الأردني ان يغذ الخطى لصياغة برنامج وطني / قومي ديمقراطي في إطار مشروع النهوض ووقف التطبيع الحكومي مع العدو الصهيوني، وإذ كان لا بد من إستمرار إتفاقية وادي عربة، فلتكن المعاملة بالمثل، وان يكون الدور الأردني فاعل في هذا الاتجاه، ولكن فإن من الأفضل ان يلقن الأردن إسرائيل المزعومة درساً من خلال وقف كافة أشكال التطبيع الرسمي مع دولة العدو.