“السيكودراما” والرسم.. منهجان يساعدان الأطفال على اكتساب مناعة ضدّ الصدمات والتدهور النفسي والجسدي… وحتى الذهني
ان ماهية التفريغ النفسي قائمة على التنفيس والتطهير الانفعالي لإخراج كل الشحنات وإطلاق الحمولة النفسية. ويعد واحد من بين اهم الأدوات التي يتم من خلالها التدخل السريع لـطفل عاش حدث صادم، أثر في صحته النفسية والجسدية وحتى الذهنية، وقلب حياته رأسا على عقب. لذا من الضروري تقديم الدعم كعلاج نفسي أولي، بمد يد العون للناجين من احداث حصلت بشكل مفاجئ، كالحروب وواقعة الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا والشمال السوري وترك اثرا سلبيا لدى أطفال العالم عموما، وخصوصا الذين كانوا في قلب هذه الفاجعة، ومنهم من فقد عائلة بأكملها، ولربما صح التعبير بأغلبيتهم الساحقة ما ولّد في قلوب هؤلاء احزانا عميقة الى حد عدم القدرة على ترجمتها.
وفي سياق متصل، اشارت بعض الدراسات الى ان الازمات تسبب للأطفال اضطرابات ما بعد الصدمة، لتظهر على شكل خوف شديد حتى وان كانوا في مكان آمن، والتبول اللاإرادي الى جانب الاحلام الليلية المزعجة. لذا وجدت الدراسة ان أجدى علاج يكون بالدعم النفسي والاسعافات الأولية للطفل مباشرة بعد صدمة الحدث، لتكون الخطوة الثانية بتقديم الدعم النفسي الاوسع.
أهمية التفريغ عند الأطفال
ان قيمة الاجلاء الانفعالي تظهر في تحسين حالة الأطفال النفسية، وتحفزهم على اكتساب قدرة لافتة على تخطي المصاعب الداخلية التي يرزحون تحت تأثيرها. كما انها تؤثر في امكانهم بناء علاقات اجتماعية جيدة وإيجابية ومتينة مع الآخرين.
وفي سياق نفسي متصل، ان التنفيس الانفعالي يساعد الافراد ببلوغ السلام الداخلي، ويحقق التوازن والاستقرار الجسدي والعقلي، والوقاية من الإصابة بالأمراض العصبية، وصولا الى الشلل والأزمات القلبية والدماغية.
عن هذا الجانب، لا بد من التنويه الى سحر التفريغ النفسي في تخفيف معاناة الأطفال، ووضع حد لمخاوفهم، ومساعدتهم على اكتساب مناعة ضد الصدمات والفقدان والخوف التي يمكن ان يتعرضوا لها. كما ان التطرق الى ما يجول في داخلهم يساهم على التجاوز ويخفف عنهم لافتقداهم القدرة التعبيرية كالبالغين، وعدم الإفصاح قد يعود بمشكلات نفسية وجسدية قد تعكر طفولتهم، وينتج منها امراض عضوية والصمت اسوأ.
الاساليب
تقول الاختصاصية النفسية والاجتماعية لانا قصقص: “التنفيس عند الأطفال بعد أي مصاب اليم او وقوع كارثة، هو وسيلة لطرد المكبوتات النفسية التي اختزنوها جراء أي موقف حصل بالقرب منهم او معهم. وتردف: تختلف عملية الإخراج ما بين الطفل والبالغ من حيث الارشادات والأساليب. فعلى سبيل المثال، قد نطلب من الشخص البالغ سرد قصة لحدث معين واجهه، وهذا ما يفتقده الطفل لجهة الانسيابية التي يتميز بها الكبار. وتعدد الاختصاصية الطرق التي يجب اتباعها:
1ـ العلاج بالسيكودراما : هو مفهوم شائع في العلاج النفسي، قائم على الدراما كنوع من أنواع الفنون وعلم النفس، وتساعد الطفل على اجلاء مشاعره وانفعالاته من خلال أداء أدوار تمثيلية لها ارتباط بالأحداث التي يعايشها في الوقت الحاضر او الماضي ومن المحتمل ان يحملها الى المستقبل. وتتميز جلسات علاج السيكودراما بالوقت الذي تحتاج اليه، ويبدأ من 90 دقيقة الى ساعتين، وهي لا تكون في إطار جماعي بل جزء منها. وهدف هذا النوع خلق حلول للمشاكل عن طريق مساعدة الطفل في التعبير عن مشاعره بانسيابية أكبر، الى جانب تجسيد الحادث بشكل تمثيلي، وهو ما يدفع به الى الخروج من الاضطرابات التي يتقوقع في صلبها، وتتمثل بالمُخْرج وهو المعالج، المجموعة “الممثلين المساعدين للمريض”، والبطل “وهو المريض نفسه الذي تدور احداث المسرحية حوله، وهو يترجم تمثيلا لواقع حدث له والغاية إيجاد حل للمشكلة”.
1- الرسم والخربشات: الرسم عملية اخراج نفسية للمشاعر والأفكار وما يختلج فيها، وقد تكون على الورق، الجدران، الحجارة، الخشب والزجاج. ومن خلاله يتم التعبير عن الانفعالات وما فيها من ارهاق ومزاجيات فكرية ونفسية وقدرات كامنة، ويتم خراجها على اجسام او خامات متنوعة، تدفع النفس الى التكيف مع الواقع حينا والثورة عليه حينا آخر.
والرسم هو خبرة نفسية- سيكولوجية تمكّن الاختصاصي من تحليل شخصية الطفل بالدلالات النفسية والتربوية للأشكال والألوان والخطوط. وتكشف الأنماط السلوكية السلبية كالانطواء والعزلة، وتَعَكُّرالمزاج والقسم غير المفهوم من السلوك والمفقود من أجزاء المشاعر والشحنات الانفعالية والطبيعية، الامر الذي يدفعه الى الرسم على خامات مختلفة قد تكون على البلاستيك والرمل”.
2ـ الرياضة: ان ممارسة الطفل للتمارين الرياضية، تعد من الأمور الهامة والاساسية، وتعود عليه بالكثير من الإيجابية، كونها تغلب الطاقة السلبية وتمده بالحيوية والنشاط، الى جانب تعزيز القدرة على مواصلة ومواجهة الحياة رغم كل الشدائد. والرياضة تجنب الطفل العزلة وعدم القدرة على التعامل مع المحيطين به وتمكّنه من التخلص من الاضطرابات النفسية والعقلية.
كما ان التمارين الدورية تهذب النفس وتطور القدرة على تقبل الآخرين، والتكيف والتأقلم مع من حوله واللعب معهم. الى جانب كل ما تقدم، فان طرق التفريغ لدى الأطفال مختلفة عن تلك المتبعة مع البالغين، كما ان الرياضة قد لا تساعد بشكل مطلق على استعادة التوازن في شخصية الطفل، وانما تسهم في جعله يواجه ويكسب مهارات، منها عدم الكبت كيلا يحملها معه الى مرحلة الرشد.
4ـ الاستماع والاهتمام لما يقاسيه: يعد التعبير عما يعيشه الطفل، جزءا مهما من عملية العلاج بالتفريغ النفسي لتنفيس ما يقلقه، ومواجهة المخاوف والهواجس التي تشكل حجر عثرة لديه، كما تدفعه الى الحديث عما في قلبه من حزن وتوتر وقلق. فالاهتمام يداوي الجرح النفسي للطفل، كما ان التواصل البصري والجسدي خلال مساندته في مستوى واحد من هيئة الجسد تظهر الاهتمام به، الى جانب استخدام بعض الايماءات اثناء الحديث. كما ان المسح على مقدمة رأسه تجعله مطمئنا ومرتاحا، ما يدفعه الى التفريغ بأريحية أكبر وأسرع بعشرة اضعاف.
5ـ خطة للمساندة: ان اظهار الاحترام للظروف الصعبة التي يمر بها الطفل، يعدّ من اهم الجوانب التي يجب ان يبنى عليها لمساعدة الطفل. بالإشارة الى ان البحث عن مناطق القوة لديه لتقديم العون، هو اقوى علاج لجروحه النفسية.
6ـ ما بعد العلاج: ان متابعة الأطفال الذين يعانون من صدمات كارثية مثل الزلازل، الحروب، الانفجارات وإطلاق النار، سواء في المحيط القريب منهم او ابعد، أي خارج المكان الذي يعيشون فيه يتجسد بتقديم المساعدة بالأنشطة، لمعرفة طاقاتهم وسلوكياتهم وأسلوب كلامهم، الى جانب تسجيل الملاحظات لمراقبة الطفل التي من خلالها نقوّيه على تجاوز الصدمة بالتدرج.
يبقى على الاهل الاستمرار في تتبّع أطفالهم، ان لجهة وسائل التواصل الاجتماعي وما يُعرض عليها من مشاهد قاسية قد تتسبب بخسارتهم بشكل كلي، وأنصف الحلول الاعتدال ما بين الشرح والمتابعة والمساندة، لكيلا يغرقوا في غياهب الامراض النفسية والسلوكية وعدم الاتزان في الشخصية، وهو ما يطلق عليها “الاهتزاز”.