أيقظ العشاء السويسري الحواري المملكة العربية السعودية على دورها الذي تراجع على الساحة اللبنانية بفعل مشاريعها وممارساتها وادائها العدائي مع أبرز القوى السياسية الداخلية.
الرعب الذي أصاب المملكة من العشاء خوفاً على اتفاق الطائف حرّك سفيرها في لبنان افتراضياً وواقعياً وصولاً الى الدعوة للقيام باحتفال إحياء ذكرى توقيع الاتفاق بلقاء غير مكتمل المواصفات.
الاستنفار السعودي يدفعنا الى السؤال عن سببه: داخلياً لم يَخرج أحد من الأطراف يقول إنه ضد الطائف أو يريد تغييره حتى الرئيس ميشال عون الذي كانت نظرته للاتفاق مختلفة يقول وتياره إنهم مع الطائف ويريدون تطبيق ما لم يُطبق منه أو أقصى حد كل المطلوب تطويره، يعني عملياً في الداخل ما من أحد ضد الطائف وليس هناك مَن قام بفتح الموضوع من أساسه، أما خارجياً، فلماذا تتحسس السعودية من دعوة لحوار يُفترض أنها أتت من دولة حليفة لها، مما يفسِّر أنها تشعر فعلاً بتوجّه غربي للذهاب الى مؤتمر تأسيسي وتشعر أيضاً أن نفوذها في لبنان تراجع ومن خلال ما تفعله تريد أن تستعيد حضورها وتُلملم أوراقها من خلال جمع مَن يدور بفلكها في الداخل، خاصة بعد الصفعة التي تلقتها بإنجاز الترسيم وصعود نجم المقاومة في الساحة اللبنانية بهذا المستوى. من هنا يَظهر التباين الأوروبي – السعودي بالنظرة الى لبنان، فهل ستتقاطع النظرتان؟
بالعودة الى أساس اتفاق الطائف، هذا الاتفاق ليس سعودياً بل هو اتفاق لبناني تم بمنطقة الطائف في السعودية، رعته دولياً الولايات المتحدة الأميركية، وكان المعني بمواكبته كل من سوريا والسعودية، يعني أن له رأس مدبّر وجناحين، والآن بغض النظر إذا كان الأميركي يريده أم لا، هناك طرفان معنيان به “السوري والسعودي” يعني أن المملكة لا يمكنها أن تدّعي أنها المعنية الوحيدة بتنفيذه على الساحة اللبنانية وبخاصة أنها حليفة طرف في البلد والطرف الإقليمي الثاني له أصدقاء في لبنان أيضاً، لذا فإن الإفتراض أن الطائف يقوم على العامود السعودي فيه مغالطة تاريخية، والصحيح أن إذا المملكة تريد إعادة تنشيط إتفاق الطائف يعني عليها أن تجد حلاً مع سوريا، فهي تبقى رئة لبنان لا يمكن تخطيها حتى لو تراجع دورها المباشر. من هنا يمكننا القول إننا إذا انطلقنا من الخلفية السعودية نرى أن حركتها حركة إعلامية فقط ليس لها أي أثر سياسي.
لعل هذه النتيحة تعود للتباين الأميركي-السعودي ومدى الهامش الذي ستمنحه الولايات المتحدة للمملكة في لبنان في المرحلة المقبلة بحيث أن سياسة واشنطن سترتكز أولاً على منع ايران من الإستفادة من الظرف الدولي لتمكين وتمديد وتقوية نفوذها في المنطقة من خلال إشغالها في الساحة الداخلية، وثانياً على التسكين بمعنى عدم الإنزلاق الى أي حرب بين أي طرف والكيان الصهيوني وهذا ينطبق على الساحة اللبنانية باعتبار أصبح لبنان بلداً نفطياً لا توجد مصلحة بأخذه الى انفجارات وتوترات كبيرة لذا يجب تعديل البنية الثقافية والسياسية، من هنا تبرز الحاجة لتبديل الصيغة اللبنانية، فقاموا بجس نبض من خلال العشاء السويسري فكانت ردة فعل السعودية كبيرة، لكن الإستمرار بهذا التوجّه يرتبط بالمصلحة الأميركية فقط تماماً كما حصل بالترسيم البحري.
فعلى الرغم من معاداة حزب الله من قِبل الأميركي والسعودي إلا أن الخلاف بينهما ممكن أن يؤدي الى تفاوت على الساحة اللبنانية حيث قد تكون المقاربة الأميركية مختلفة عن المقاربة السعودية ما يعني أن الطائف بدأ يترنّح وأصبح بمكان اخر في المضمون بعد دخول لبنان بوضعية جديدة، خاصة وأن الفراغ المفتوح يؤدي الى الفوضى، وهذه المرة، الأميركي لا يريدها…