مأساة اخرى في شمال لبنان. مسلسل المآسي لا يغادر ليالي الشمال الحزينة، فاجعة مركب الموت لا تزال تهز الضمائر والوجدان، لتحل فاجعة اخرى يوم امس بغرق 20 مواطنا مهاجرا، وانقاذ عشرة حتى مساء امس ، وفقدان اكثر من مئة مهاجر كانوا على متن مركب صيد انطلق من احد مرافىء المنية غير الشرعية، يحمل ما يقارب المئة وسبعين راكبا من عكار ومن المنية ومن التبانة في طرابلس، ويحمل ايضا مواطنين فلسطينيين وسوريين.
المركب الذي غادر المنية منذ اسبوع، اضاع البوصلة وتعرض لامواج البحر قرب جزيرة أرواد السوريّة، وقد لاحظت مراكب صيد سورية تعرض المركب للغرق فسارع الصيادون السوريون الى طلب النجدة، واطلقت النداءات في مساجد جزيرة ارواد، كما سارع خفر السواحل السورية وسيارات الاسعاف السورية الى انقاذ المهاجرين، فانتشلت مساء امس عشرين ضحية بينهم نساء واطفال، وعشرة نقلوا الى مستشفى الباسل في طرطوس، وكانت عمليات الانقاذ لا تزال جارية مساء امس لانقاذ باقي ركاب المركب.
ملف الهجرة غير الشرعية في لبنان، ومن شواطيء الشمال، يزداد ضغطا، وفاجعة تترك بصماتها في الشمال، الامر الذي يحتاج الى الحزم لملاحقة تجار الهجرة غير الشرعية الذين يعرّضون العائلات لخطر الغرق في عرض البحر..
وامس، نفذت مخابرات الجيش اللبناني مداهمات في بلدة ببنين واوقفت اثنين من المتورطين في تنظيم الهجرات غير الشرعية.
فكلما غادر مركب غير شرعي الشواطئ اللبنانية، زادت هموم المواطنين ريثما يصل ركاب المركب بر الامان، وقلما ينجح المهاجرون في عبور المياه الاقليمية حيث الوقوع في مخاطر يؤدي غالبا الى الغرق او العودة من جديد الى الوطن.
وهذا ما حصل مع مركب انطلق من شاطيء العريضة في عكار قبل يومين، حيث وصلت اخباره لذوي المهاجرين تؤكد ان ركاب القارب تاهوا في البحر بعد عطل اصاب المركب فتحرك الاهالي باطلاق الصرخة مطالبين مد يد المساعدة لهم، وبعد ساعات طويلة في تيه البحر، انقذتهم باخرة تركية تجارية ونقلتهم الى الساحل التركي، وقامت بتسليم المركب الى السلطات التركية التي بدورها قررت اعادتهم من جديد الى لبنان.
وحسب مصادر متابعة ، ان عدد ركاب المركب يصل الى خمسة وخمسين راكبا، معظمهم من نساء واطفال وقد عانوا كثيرا ووصفت حالتهم بالمأساوية.
ورغم كل المخاطر التي تحدق بهذه الرحلة، لم يتوان البعض عن اللحاق بمن سبقهم في المجازفة بالمال والارواح، حيث بلغت قيمة هذه الرحلة للشخص الواحد خمسة آلاف دولار سواء كانت الوجهة الى ايطاليا او غيرها، فاضطر البعض من المهاجرين الى بيع كل ممتلكاتهم من بيت وسيارة لتوفير المبلغ المطلوب له ولعائلته، حيث وصل المبلغ احيانا الى ما يقارب الخمسة وعشرين الف دولار في حال كان عدد افراد العائلة خمسة .
لذلك فان نكسة المهاجرين ليست بمعاناة الرحلة ومخاطرها وخسارة بعض ركاب المركب، بل باعادتهم من جديد الى بلدهم.
وحول جنسيات المهاجرين اكدت مصادر موثوقة ان معظم المهاجرين من الجنسية اللبنانية، وبعضهم من السوريين والفلسطينيين، لكن بلغت اعلى نسبة منهم من مناطق عكار وضواحيها، كذلك ارتفعت نسبة المهاجرين في الآونة الاخيرة في مدينة طرابلس ، ورغم كل المآسي والاوجاع التي حملتها هذه الرحلة ، الا انها لم تزرع الخوف في قلوبهم، بل حملوا كل ما يملكون في رحلة ربما تنتهي في اعماق البحار، كما حصل منذ بضعة اشهر عندما غرق مركب يحمل ٣٢ شخصا. واشارت هذه المصادر الى ان كل المهاجرين يدركون ان هذه الرحلة ربما تحقق لهم حلمهم في الوصول الى بلد جديد يوفر لهم حقوق المواطنة، في الوقت نفسه يعلمون ان الوصول الى هذا الحلم ربما لن يتحقق.
والجدير بالذكر، ان عددا من المهاجرين الذين وصلوا الى السواحل اليونانية او الايطالية تعرّضوا لكثير من الذل والمهانة، وعانوا كثيرا بمغامرة غير مضمونة النتائج، ووجه بعض هؤلاء رسائل الى اللبنانيين الراغبين بالهجرة تمنوا عليهم عدم خوض هذه التجربة لما تحتويه من مخاطر ومن اذلال، وان صعوبات جمة تنتظرهم، وليس هناك ما يضمن لهم حياة لائقة خاصة في الآونة الاخيرة بعد ان بلغت الازمات اوروبا كلها..