لا احد يدري ماذا يدور في فلك رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، حتى «شطح» سياسياً وبطريقة فجائية، لم تستطع ان تمحو خطاباته عشية الانتخابات النيابية الاخيرة في ايار الماضي، فإذا به يستدير بسرعة غير متوقعة ومن دون سابق تصوّر وتصميم، إلا انّ أنامل رئيس المجلس النيابي نبيه بري، «فعلت فعلها» وعزفت نشيد التوافق والاتفاق على خط الدروب الوعرة، التي كانت سائدة قبل فترة بين حارة حريك والمختارة، لتفتح من بابها العريض عصر الخميس الماضي، ملف حزب الله – «الاشتراكي»، الذي كان لبرّي اليد الطولى في حدوث لقاء كليمنصو، الذي جمع جنبلاط والوزير السابق غازي العريضي والنائب وائل ابو فاعور، بالمعاون السياسي للامين العام لحزب الله حسين خليل، ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا، حيث تمنى جنبلاط ان يتلقى الاجوبة عن الاسئلة التي طرحها في الاجتماع من الامين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، من دون ان تستبعد مصادر سياسية متابعة للمستجدات على خط الحزبين، لقاء الاخير بجنبلاط في وقت لاحق، لان الملف الرئاسي سيكون حاضراً بقوة، وهو الاهم في المرحلة الحالية.
وفي هذا السياق، نقلت المصادر المذكورة وجود علامات استفهام بالجملة، من قبل مراقبيّ تطور الاحداث السائدة، سائلة «كيف سيكون وقع الاستدارة الجنبلاطية على الحلفاء غير الكثر عددياً؟ وعلى المملكة العربية السعودية خصوصاً مع حضور ابو فاعور للقاء؟ وهو المعني الدائم بملف الرياض- المختارة، والمهتم بعلاقة الطرفين، والكفيل بتوضيح الامور للسفير السعودي في لبنان».
من هنا يشير المتابعون الى انّ التغيرات في المنطقة لا شك فرضت واقعاً سياسياً جديداً، استدعى إزالة التباين السياسي بين الطرفين، لكن ذلك لم يرق القاعدة الجنبلاطية والكوادر والاعضاء، الامر الذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي من قبل المناصرين الرافضين لما جرى من تكويعة لزعيمهم، بعد كل الذي ادى الى مخاوف لدى رئيس «الاشتراكي»، فتحدث عن اغتيال سياسي له، وما تبع ذلك من مواقف ضد حزب الله وحلفائه، فكيف ازيل كل ذلك ببضع ساعات، ومن خلال وساطة استجاب لها جنبلاط بسرعة قصوى؟ لكن المتابعين خلصوا الى خاتمة لافتة وهي ضرورة الحفاظ على العلاقة السياسية مع اي فريق، لانّ ذلك يعني الخير للبنان في هذه الظروف، وبالتالي فالتقارب السياسي افضل بكثير من التباعد الكفيل بهدم كل ما تم إصلاحه، مع إمكان ان يكون لجنبلاط قراءة سياسية معينة تحمل المخاوف والمعطيات الاقليمية الجديدة، لافتة في الوقت عينه الى وجود مخاوف من ان تكون الطبخة السياسية تتحضّر على نار قوية، بين حارة حريك والمختارة، وقد تكون رئاسية وتودي بجنبلاط لاحقاً الى الجلوس على مائدة 8 آذار؟
في غضون ذلك، ثمة مراقبون لا يبدون خوفاً من انعطافة المختارة ويقولون:» قد تكون فقط لتنظيم الخلاف ليس اكثر، اذ لا يمكن لجنبلاط الخروج من المحيط العربي، وتحديداً من المملكة العربية السعودية، حيث يعمل عدد كبير من ابناء الطائفة الدرزية، وهي الاهم والاقرب الى قلب جنبلاط، الذي يضحّي بكل شيء من اجل مصلحتها اولاً واخيراً، معتبرين أنّ الوقت كفيل بتوضيح ما يجري ولا يجب الحكم منذ اليوم ، لذا سيكون هذا الملف موضوع متابعة ليبنى على الشيء مقتضاه، وذكّر المراقبون بأنّ جنبلاط سبق ان اعلن «بأننا خضنا تجربة رئيس من فريق 8 آذار هو ميشال عون، وكانت تجربة فاشلة»، ومعنى ذلك أنه يرفض التصويت لرئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، ويسعى لانتخاب رئيس يحظى بموافقة داخلية وخارجية.
واخيراً لا بدّ من ضرورة الانتباه لزيارة رئيس «اللقاء الديموقراطي» تيمور جنبلاط يوم امس، للبطريرك الماروني بشارة الراعي في الديمان، حيث اشار الى «ان زيارتنا اليوم لنؤكد لصاحب الغبطة أنّ شركتنا الوطنية والتاريخية ثابتة، وقد بدأت بمصالحة الجبل، وان شاء الله ستستمر في المستقبل، لمصلحة لبنان ولاستقلاله وسيادته، على الرغم من كل الضغوطات والمواقف السياسية». وهذا يعني انّ إجر جنبلاط الاب في الفلاحة، وإجر جنبلاط الابن في البور، اي انّ الاثنين رابحان، واذا خسر احدهما في خط الممانعة، لا بدّ ان يربح الثاني في الخط المعارض، وهنا ذكاء السياسة وذكاء آل جنبلاط…