كما هيمن هاجس «رئيس الجمهورية المقبل» على عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون منذ بدايته فأفسده في مختلف القطاعات، ها هو يعود ليسيطر في الأشهر الأخيرة من العهد على ما عداه من استحقاقات ، لا سيما على موضوع تشكيل الحكومة الجديدة. فرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أودع الرئيس عون خلال لقائه الثاني به تشكيلة حكومية جديدة، على ما أعلن قبيل مغادرته لبنان لقضاء عطلة عيد الأضحى، بعد أن أجرى تعديلات طفيفة على التشكيلة الأولى، على أمل مناقشتها مع الرئيس عون عند عودته من الخارج. غير أنّ هذه الأخيرة التي لم يتمّ تسريبها كما الأولى، لا تحظى بموافقة رئيس الجمهورية عليها، وإلّا لكان خرج ميقاتي من قصر بعبدا مُعلناً قرب ولادة الحكومة الجديدة.
تقول أوساط ديبلوماسية مطّلعة أنّ ميقاتي يعلم أنّ «التشكيلة الثانية» التي قدّمها الى الرئيس عون، قبل مغادرته لبنان لقضاء عطلة الأضحى مع أفراد عائلته، لم يُراعِ فيها ملاحظاته على التشكيلة الأولى، ما يجعله غير موافق عليها… لكنّ ميقاتي تقصّد إجراء بعض التعديلات على التشكيلة الأولى إظهاراً لحسن نيّته بعدم تمسّكه بمواقفه، رغم أنّ هذا الأمر غير صحيح. وتجد الاوساط بأنّه يتمسّك بعدم إعطاء وزارة الطاقة لـ «التيّار الوطني الحرّ» لكي يُرضي دول الخارج الداعمة له من جهة، كونها ترفض إبقاءها في يده، لكي لا يُسجّل له نقطة إيجابية، في حال إنهاء مشروع استجرار الغاز والطاقة من مصر والأردن الى لبنان عبر سوريا، وإن كان الوزير وليد فيّاض هو الذي أنجز الجزء الكبير منه حتى الآن. وللقول ثانياً، بأنّه لم يهدر الوقت سدى بل قدّم تشكيلة جديدة، وباتت كرة «إضاعة الوقت» في ملعب رئيس الجمهورية.
وترى الاوساط بأنّ المماطلة والمراوغة لا تصبّان في مصلحة أحد، لا سيما في مصلحة الشعب اللبناني الذي وصل مستوى الفقر لدى عائلاته الى نحو 90%. فاللبنانيون بمجملهم لم يعودوا قادرين اليوم على شراء جميع حاجياتهم اليومية والمعيشية من محروقات، ومواد غذائية أساسية وماء دواء، ولم يعد بإمكان رواتبهم التي يقبضونها بالليرة اللبنانية تغطية الفواتير وتأمين الأقساط المدرسية والجامعية لأبنائهم. وقد لجأ العديد منهم الى بيع ما يملكونه من ذهب وبعض الممتلكات، غير أنّ الأحوال ستزداد تفاقماً مع انتهاء المدّخرات واستمرار التدهور، وعدم تشكيل حكومة جديدة، أو عدم تطبيق حكومة تصريف الأعمال الحالية، خطّة التعافي الإقتصادي والمالي المطلوبة لإنهاض البلاد من الإنهيار.
ونقلت الاوساط نفسها عن المجتمع الدولي تشجيعه على تشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت لمواكبة الإستحقاق الرئاسي المقبل الذي فُتح الباب على مصراعيه منذ الآن. وتدعم فرنسا ميقاتي ليُشكّل حكومته، كما تدعمه في حال لم يتمكّن من تجاوز عقد التشكيل وبقي رئيساً لحكومة تصريف الأعمال الى ما بعد عهد الرئيس عون، في حال لم يقم المجلس النيابي بإجراء الإنتخابات الرئاسية. واشارت الاوساط الى أنّ جميع الكتل النيابية تُبدي رغبتها وحسن نيّتها في انتخاب رئيس جديد للبلاد في الموعد المحدّد، إلّا أنّ أحداً لا يدري منذ الآن، إذا ما كنا سندخل في مرحلة «تعطيل الإستحقاق الرئاسي» بعد أواخر آب المقبل، في حال لم يتمّ التوافق على إسم واحد لتولّي هذا المنصب خلفاً للرئيس عون. وجرى تأجيل جلسات الإنتخاب أشهراً أو سنوات، كما حصل قبل انتخاب عون إذ بقيت البلاد من دون رئيس جمهورية لسنيتن و5 أشهر.
وأوضحت الاوساط أنّ ميقاتي لا يستعجل تشكيل الحكومة الجديدة، كونه رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالية، وقد سبق وأن أعلن أنّه بإمكانها متابعة عملها حتى نهاية العهد الحالي. وخير دليل أنّه يُبقي في تشكيلته الحكومية المقدّمة الى الرئيس عون، مرتين حتى الآن، نحو 80 % من الوزراء الحاليين في مراكزهم دون أي تعديل. ويعود هذا الأمر الى ثقته بهؤلاء الوزراء، وإيمانه بقدرتهم على تسيير شؤون وزاراتهم لأشهر تُعدّ على أصابع اليدّ الواحدة. أمّا الوزراء الذين لم يُنجزوا الشيء الكثير في وزاراتهم، فبإمكانهم الإستفادة من الأشهر الثلاث المتبقية من العهد، للقيام ولو بإنجاز واحد، كلّ في وزارته، ليكونوا قد أدّوا قسطهم الى العلى.
فالمطلوب في لبنان اليوم الكثير الكثير، والملفات التي تحتاج الى حلول سريعة هي بالعشرات، على ما أضافت الأوساط عينها، لكي لا نقول بالمئات. ولهذا لا يُمكن لأي حكومة جديدة أن تُحقّق في الفترة القصيرة المتبقية من العهد سوى صياغة بيانها الوزاري ونيل الثقة في مجلس النوّاب، في حال تشكّلت أواخر الأسبوع الحالي، أو في بداية الاسبوع المقبل. وتساءلت الاوساط: «ما الذي سيتضمّنه هذا البيان، وماذا يُمكن لحكومة من ثلاثة أشهر أن تُنجز، حتى ولو كانت تملك عصا سحرية، فكيف إذا كانت تمشي بين الألغام؟
وأكّدت الاوساط أنّه في حال تمكّنت حكومة تصريف الأعمال الحالية من إقرار مشروع قانون الموازنة وبعض المشاريع الإصلاحية المتعلّقة بقطاع الكهرباء وسواه، فإنّ ذلك يؤهّلها لإنجاز التفاهم النهائي مع صندوق النقد الدولي، وهي خطوة أساسية في المرحلة الراهنة لتحسين ما يُمكن من الوضع الإقتصادي المتدهور. كذلك فإنّ مسألة حماية حقوق المودعين، من شأنها إعادة الأموال الى أصحابها، وتحسين بالتالي أوضاعهم الإقتصادية والمالية. فضلاً عن وضع مسألة إعادة النازحين السوريين الى بلادهم على السكّة الصحيحة لتخفيف بعض الأعباء المالية عن كاهل الدولة، وإعادة بعض الممتلكات التي يشغرونها الى أصحابها. أمّا موضوع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، فيبدو أنّه يحتاج الى المزيد من الوقت رغم إعلان المسؤولين اللبنانيين عن توقيع الإتفاق في أيلول المقبل. ولهذا، فإنّ أي حكومة جديدة تودّ تحقيق هذه الأمور الثلاثة أو الأربعة الأساسية والملحّة، عليها أن تكون «امتداداً» للحكومة الحالية، لا النقيض لها.
وترى الأوساط أنّ الكرة هي اليوم في ملعب الرئيس عون الذي بإمكانه اقتراح الأسماء التي يودّ استبدالها لتتمكّن الحكومة الجديدة من القيام بما يُطالبها به الشعب الذي بات يئن من الفقر والعوز والجوع، وينتظر اليدّ التي ستنقذه من الغرق. فالوقت داهم، وهو يقصر يوماً بعد يوم، ولا يُمكن انتظار أسابيع عدّة لإجراء بعض التعديلات الطفيفة على الحكومة القائمة، لا سيما مع توضيح كلّ الكتل النيابية لموقفها من المشاركة أو عدم المشاركة في الحكومة الجديدة، ووضع مطالبها في عهدة ميقاتي.