لعبة شد الحبال مستمرة بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والفريق الرئاسي بقيادة جبران باسيل الذي يكابر في معارضة بقاء ميقاتي على رأس حكومة نهاية الولاية العونية، إلا بشروطه المتصلة بمنطلقات شخصية، فيما ميقاتي واثق من أنه هو أو لا أحد، سيكلف بتشكيل الحكومة، حيث يرى أن الزمن الأول حول، وبالتالي لا مبرر للخروج عن القواعد والقناعات، استرضاء لحالة باتت مشرفة على الزوال.
ومن تأكيد المؤكد، أن الاستشارات النيابية الملزمة، والمقررة يوم الخميس المقبل، ستعيد تكليف ميقاتي بتشكيل الحكومة، إلا في حال استفاقت الكتل السياسية المعارضة، وحسمت أمرها باختيار شخصية قادرة على تسلم مهمة إنقاذ المركب اللبناني المشرف على الغرق.
وقد بلغت العلاقة من الاحتدام بين الرئيس ميقاتي ورئيس «التيار الحر» باسيل حد نبش وتسريب ملفات ملاحقة ضد الرئيس ميقاتي في إمارة موناكو على خلفية قروض تجارية، حصلت عليها عائلته، وقد رد المكتب الإعلامي للرئيس ميقاتي ببيان يشير إلى «التداول بمراسلة قديمة موجهة من القضاء في إمارة موناكو إلى القضاء اللبناني عبر السفارة اللبنانية في باريس، بطلب معونة قضائية، وردت فيها اسماء الرئيس نجيب ميقاتي ونجله ماهر وشقيقه طه، وتوضيحا فإن هذه المراسلة أتت ردا على كتاب وجهته القاضية غادة عون، وقد أبلغ قضاء موناكو الجواب، علما بأن تسريب هذه المراسلة الآن يخفي اهدافا سياسية معروفة، وبإيعاز وتوجيه من جهات سياسية وقضائية تعمل «غب الطلب».
ومن جامعة العزم في طرابلس رد ميقاتي على ما يؤخذ عليه وعلى حكومة «معا للانقاذ» من عدم تنفيذ الوعود والعهود، قائلا أن حكومته عملت بكل جهد لمعالجة الملفات المطروحة.
وبدا من كلامه أن هناك من فرض عليه شروطا وتسويات وكرس معادلة المقايضة السياسية والإدارية ثمنا لتكليفه تشكيل الحكومة، معلنا رفضه اي محاولة «لإدخالنا في تسويات ومساومات سياسية مخالفة لقناعاتنا»، ومخطئ من يعتقد ان «رفع الصوت وافتعال الغبار السياسي يجعلنا نزيح قيد انملة عن هذه القناعات، امام ما يطرح الآن، من «بازار» الحصص والتوزير».
وفي معلومات المصادر المتابعة، ان الرئيس ميشال عون أبدى رغبته للرئيس ميقاتي، بأن يتسلم جبران باسيل وزارة الخارجية في الحكومة العتيدة، تسهيلا لمعالجة مشكلته مع العقوبات الأميركية المفروضة عليه، كما يبدو، فيما رغب باسيل بإعطاء وزارة الطاقة للوزيرة السابقة والنائب حاليا ندى بستاني، ووزارة البيئة لفادي جريصاتي، ضمانا لاستمرار امساكه بالوزارات والمؤسسات «الحلوب»، بعد انتهاء ولاية عمه الرئيس عون.
ويبدو واضحا أن ميقاتي يرفض الانضمام إلى سجل ضحايا عهد عون من رؤساء الحكومات الآخرين، بدءا من سعد الحريري إلى مصطفى أديب فحسان دياب، خاصة وأن ما لم يتحقق منذ بداية الولاية السداسية، لن يتحقق في الأشهر الأربعة المتبقية منها، عدا ما يتعلق باستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وإنجاز خطة التعافي الاقتصادي والمعيشي والمباشرة بالخطوات العملية لتلزيم معامل انتاج الكهرباء، أما التعيينات القضائية والمالية والإدارية على مستوى القيادات الوظيفية العليا فليس في وارد ميقاتي ولا سواه، المغامرة بها.
و ذكرت مصادر متابعة لـ«الأنباء» ان عملية جس نبض استهدفت الوقوف على رأي مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان في شأن تسمية الرئيس المكلف، وكان الرد الثابت على ذلك بأن النواب هم من يسمون وأن دار الفتوى تبارك اذا جاءت التسمية لمصلحة الوطن والمواطن.
وبالنسبة للرئيس ميقاتي فقد يكون هناك ميل باتجاهه أما التسمية فهي شأن النواب وحسب.
وتأمــل الـمــصـــادر أن يبادر رئيس الجمهورية الى اصدار تكليف من ترشحه الاستشارات الملزمة لتأليف الحكومة فور انجاز الاستشارات، وإلا فإن الأوضاع ستتأزم سياسيا وماليا، لأنه ليس من حق رئيس الجمهورية تأخير اصدار هذا المرسوم، خاصة أن المطلوب كسب الوقت لا إضاعته.
من جهته، دعا البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الى سرعة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، رافضا تمضية ما بقي من العهد تحت ظل حكومة تصريف اعمال.
وقال في قداس اختتام أعمال سينودوس الأساقفة والمطارنة الموارنة، جاء فيها: «نصلي كي يفتح المسؤولون المدنيون والسياسيون عندنا في لبنان قلوبهم وعقولهم، فيضعوا حدا لعادة التعطيل، ويسرعوا في حسم الوضع الحكومي والتحضير لانتخاب رئيس جديد للجمهورية من دون أي إبطاء.
لا يمكن إبقاء البلاد من دون حكومة ومن دون رئيس للجمهورية. وحان الوقت لنحسم أمام العالم ما إذا كنا جديرين بهذا الوطن وبتكوينه التعددي».
وأضاف الراعي: «أداء الجماعة السياسية يثير اشمئزاز الشعب والعالم، إذ يعطي الدليل يوميا على فقدان المسؤولية والاستهتار بآلام الشعب ومصير لبنان»، مشددا على أن «هذه مرحلة دقيقة تستدعي اختيار رئيس حكومة يتمتع بصدقية ويكون صاحب خبرة ودراية وحكمة في الشأن العام ليتمكن من تشكيل حكومة مع الرئيس بأسرع ما يمكن من أجل اتخاذ القرارات الملحة، وأولها المباشرة بالإصلاحات الحيوية والمنتظرة».
واستطرد «لذا نرفض تمضية الأشهر القليلة الباقية من هذا العهد في ظل حكومة تصريف الأعمال. ونرفض الشغور الرئاسي والفراغ الدستوري لأنهما مرادفان هذه المرة لتطورات يصعب ضبطها دستوريا وأمنيا ووطنيا».