تتأرجح الطائفة السنية بين مقاطعة الإنتخابات وعدم مقاطعتها، ففي بعض الدوائر تمكّن فؤاد السنيورة من تحقيق الخروقات، كصيدا على سبيل المثال حيث ترشح رئيس الماكينة الانتخابية لتيار المستقبل في صيدا يوسف النقيب، والمحامي حسن شمس الدين، بخلاف رغبة سعد الحريري وبهية الحريري، كما لم يتمكن من فعل ذلك في دوائر أخرى، إنما الأكيد بحسب مصادر سنّية بارزة هو أن المعركة اليوم في الشارع السني بين فريقين، الأول يسعى لرفع نسبة المقاطعة، والثاني يسعى لرفع نسبة التصويت. نجيب ميقاتي في الوسط.
يبدو أن الخط الوسطي، الذي يعتمده رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، على المستوى الوطني، كان هو السبب الرئيسي في القرار الذي أعلن عنه بالنسبة إلى الإنتخابات النيابية المقبلة، المقررة في 15 أيار، حيث قرر أن يتضامن مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عبر عدم ترشحه، بينما لم يعارض توجهات رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة بالذهاب إلى المشاركة في هذا الإستحقاق، أي أن ميقاتي لم يُقاطع ولم يترشّح، بل إختار أن يكون في الموقع الوسطي في ظل الخلاف القائم بين الحريري والسنيورة، في خطوة ذكية تُحسب له، وتمنحه نصف شهر إضافي لحين بلورة اللوائح.
في هذا السياق، ينبغي التوقف عند مؤشرين أساسيين: الأول يكمن بأن ميقاتي، القادر على دعم لائحة في دائرة طرابلس المنية الضنية التي كان الفائز الأول فيها في الإنتخابات الماضية، يراهن على العودة إلى رئاسة الحكومة بعد الإنتخابات المقبلة، الأمر الذي كان من الممكن أن يصطدم بالعديد من العقبات فيما لو كان قد قرر الدخول في مواجهة مع الحريري، أو إختار المواجهة مع السنيورة، نظراً إلى أن كلاً منهما يطمح إلى أن يكون هناك كتلة نيابية وازنة تدور في فلكه، في حين أن سقف ميقاتي كان سيكون زيادة نائب أو نائبين على الكتلة التي لديه اليوم، وهذا ما لن يجعله زعيماً.
من هذا المنطلق، يمكن القول أنه في ظل الصراع القائم بين السنيورة والحريري يبقى ميقاتي هو الخيار الوسطي، خصوصاً أن الرجل يعرف جيداً كيف يختار توقيت عودته إلى رئاسة الحكومة، الأمر الذي حصل في المرات الثلاث السابقة، مع العلم أن ذلك يتطلب أن ينجح الرجل في إبرام تفاهمات خارج الطائفة السنية، يدرك الجميع أنه الأقدر عليها.
يُدرك ميقاتي أن ما بعد الانتخابات هناك مرحلتين منفصلتين، الاولى تسبق انتخابات رئاسة الجمهورية، والثانية تأتي بعدها، كما يُدرك أن قراره اليوم بشأن الانتخابات يؤثر على مرحلة ما قبل انتخابات الرئاسة أكثر، لأن المرحلة التي تليها تحتاج الى تسويات على مستوى وطني، إقليمي ودولي، وبالتالي نظر ميقاتي الى المستقبل القريب، ووجد أن خياره هذا هو الأكثر فائدة عليه.
يسعى رئيس الحكومة ليكون الرجل السني الأول بعد الإنتخابات، لذلك تقرّب من رئيس الجمهورية ميشال عون، ولعب على الحافة مع الفريق الشيعي دون أن يسقط، تفهّم موقف سعد الحريري وطبطب عليه، ودارى طموحات السنيورة بالعلن، وحاربها بالسر. يقول أحد السياسيين: «ميقاتي يعلم أن عون والثنائي الشيعي يفضلان «مئة» ميقاتي، ولا «واحد» سنيورة».