نضال العضايلة
تحاول طهران عبثاً، منذ ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية التي أجريت في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021، الضغط بكل الطرق على أطراف العملية السياسية السنة والأكراد، في محاولة لمنع إتمام تحالفها مع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
تيار الصدر الذي حصد الكتلة الأكبر في البرلمان في الانتخابات الأخيرة بحصوله على 72 مقعداً من أصل 329، والحق هزيمة مدوية لحلفاء إيران في العراق، يصر على عدم الدخول في تحالف موسع مع الأحزاب الشيعية مثلما اعتادت عليه العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003، إلا أنه مستعد لأن يدخل في تحالفات مع قوى سنية وأخرى كردية، نكاية بطهران التي باتت تدرك أنها تواجه خصماً عنيداً لا يستهان به، وفي نفس الوقت لا تستطيع لا هي ولا حلفاؤها من العراقيين الوقوف في وجهه.
ولا يزال رجل العراق القوي مقتدى الصدر يصر على تشكيل حكومة أغلبية وطنية، مما يعني استبعاد حلفاء إيران من الحكومة المقبلة. ويدعم الصدر في هذا الإصرار، رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، الذى فاز حزبه “تقدم” بحوالي 32 مقعداً، ليأتي في المرتبة الثانية بعد التيار الصدري، بالإضافة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، اللاعب الرئيسي في السياسة الكردية العراقية، والذي يتحكم في مقاليد الحكم في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق.
ونتيجة لهذا، يتعرض كل من الحلبوسي والحزب الديموقراطي لضغوط إيرانية متواصلة من أجل عدم إتمام هذا التحالف الذي يعني استبعاد حلفاء طهران من المشهد الحكومي في العراق، وهو ما يمثل ضربة قوية لإيران.
يدرك الصدر أن طهران ومنذ أشهر، تحاول التقريب بين تحالف يضم أغلب الأحزاب الشيعية التقليدية أغلبيتها موالية لإيران، وبين مقتدى الصدر، لكنها فشلت في هذا المسعى إلى الآن، لهذا لجأت للضغط على الصدر من جانب آخر، وهو الضغط على حلفائه أو ما يطلق عليه التحالف الثلاثي، الذي يضم التيار الصدري، وتحالف السيادة الذي يتكون من حزب “تقدم” بزعامة الحلبوسي، وحزب “العزم” بقيادة رجل الأعمال السني الشهير، خميس الخنجر، والذي دخل الساحة السياسية جديداً، بالاضافة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني.
طهران بطبيعة الحال غير راضية عن تحالف الحلبوسي مع الصدريين، إذ تعتبر هذا التحالف بمثابة انقلاب على الدعم الإيراني له منذ سنوات، لذلك فهي ترسل رسائل مفادها أن صبرهم اقترب من النفاد فيما يخص دعم الحلبوسي للصدر في مسألة تشكيل حكومة أغلبية وليست توافقية.
وأمام هذا كله فقد تعرض محمد الحلبوسي السياسي السني الشهير، ورئيس مجلس النواب العراقي، إلى تهديدات إيرانية خطيرة في الأيام الأخيرة، لدعمه مقتدى الصدر، وصلت إلى حد أن يقوم فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بأرسال رسالة شديدة اللهجة إلى الحلبوسي، تحمل تهديدات صريحة ومباشرة بإنهاء حياته السياسية إذا أصر على التعاون مع الصدر والوقوف في وجه الإطار التنسيقي الشيعي.
الإيرانيون من خلال فيلق القدس والمخابرات الإيرانية، قالوا صراحة للحلبوسي، إنهم لن يوافقوا إطلاقاً على انضمامه لتحالف مقتدى الصدر، ولن يسمحوا للحلبوسي بأن يكون جزءاً من خطة الصدر لإقصاء الإطار التنسيقي الشيعي من الحكومة المقبلة، كما أبلغوه أنه عليه الاختيار بينهم وبين الصدر، وأن يتحمل نتائج اختياره.
أمر آخر، فإن التهديدات الإيرانية لرئيس مجلس النواب العراقي، تأتي نتيجة مخاوف إيرانية، تتعلق بالعلاقات الجيدة بين السياسيين السنة العراقيين والدولة التركية، فالقيادة الإيرانية العليا قلقة بشكل خاص من علاقة الحلبوسي والسياسيين السنة التابعين له بتركيا، الأمر لا يقتصر فقط على انضمام الحلبوسي إلى الصدر من أجل تشكيل حكومة أغلبية، ولكن الحلبوسي على ما يبدو مصمم على الاعتماد على تركيا من أجل الوصول إلى أهدافه السياسية، وهذا أمر غير مقبول ومثير للقلق بالنسبة لطهران.
تدرك طهران جيداً، أن وفاة قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وصاحب النفوذ العالي في العراق، بالإضافة إلى المشهد السياسي العراقي الجديد الذي أنتجته الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أثر على نفوذها الواسع في العراق، ولهذا فهي لا تريد أن تفقد المزيد من نفوذها داخل البيت السني العراقي، لأن هذا يعني المزيد من توسع النفوذ التركي والخليجي في العراق، وهذا أمر خطير للغاية بالنسبة لها، وفي نفس الوقت لا تريد المواجهة الحادة مع السياسيين السنة العراقيين.