بيروت – لبنان بالمباشر
نفّذ العشرات من أبناء الجالية الأوكرانية في لبنان اعتصاماً أمام السفارة الروسية، في الذكرى 208 لمولد الشاعر تاراس شيفتشينكو، الذي يعد من الشخصيات المؤثرة في الحركة الوطنية الأوكرانية في القرن التاسع عشر، حيث رفعوا الصوت ضد الغزو الروسي لبلدهم.
ويحتل الشاعر والأديب شيفتشينكو مكانة مرموقة لدى الشعب الأوكراني لشعره وحبه لشعبه، وبسبب نشاطه الثوري ومطالبه بتحقيق السيادة لأوكرانيا في عهد سلطة القياصرة في روسيا، أمضى سنوات عديدة من عمره خلف القضبان.
في 24 فبراير الماضي، بدأت روسيا هجومها على أوكرانيا، مخلفة حتى الآن خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، حيث وجد الشعب الأوكراني نفسه فجأة محاصراً بنيران حرب فرضت عليه.
مراقبو الأمم المتحدة قالوا إنه تأكد مقتل 364 مدنياً في أوكرانيا منذ بدء الغزو، لكن من المرجح أن يكون الرقم الحقيقي “أعلى بكثير”، كما أشارت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى إن أكثر من 1.5 مليون شخص فروا من أوكرانيا منذ الغزو الروسي.
من مختلف المناطق اللبنانية قدم أفراد الجالية الأوكرانية، كبار وصغار رفعوا شعارات تطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوقف عن سفك الدماء وتدمير وطنهم، مؤكدين أنهم يحاربون من أجل أرضهم ومن أجل السلام والحرية، لا بل شارك عدد من الروسيات في الاعتصام رفضاً للحرب التي شأن رئيسهن على أوكرانيا.
حرب حياة أو موت؟
رئيسة الجالية الأوكرانية في لبنان، ايرينا ياراماني قالت “اعتدنا في ذكرى مولد الشاعر العظيم شيفتشينكو أن نحتفل أمام تمثاله في بلدنا، لكن بدلاً من ذلك جئنا اليوم لنؤكد له أننا سندافع عن أرضنا ولن نسمح لأي ممن يهاجمها أن يخرج منها سوى ميتاً”، مشيرة إلى أن “شيفتشينكو كتب منذ مئات السنين أن روسيا ستحاول دائماً احتلال أوكرانيا”.
ووصفت ياراماني روسيا “بالنازية” مؤكدة أن رسالتها إلى الجيش الروسي هي الخروج من بلدها، قائلة “الروس يحاربون الأطفال وكبار السن، 11 ألف جندي روسي قتلوا من دون أن يتم اخبار عائلاتهم، وأشدد على أن هذه الأرض أرضنا ولن نسمح لأحد بأخذها منا”.
واليوم أعلنت السلطات الأوكرانية وقف إطلاق النار من الساعة التاسعة صباحا، وحتى التاسعة مساء بالتوقيت المحلي في عدة طرق لإجلاء سكان من مدن محاصرة أو محتلة.
وقالت إيرينا فيريشوك، نائبة رئيس الوزراء الأوكراني، إن السلطات الروسية أكدت للأوكرانيين والصليب الأحمر الأربعاء، وقف إطلاق النار على طول ممرات الإجلاء.
رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بيتر ماورير، قال، إنه يأمل أن يتحسن وضع ممرات إجلاء المدنيين من المدن الأوكرانية – التي تعاني من القصف الروسي – بشكل أفضل مقارنة بالبداية المتعثرة.
وصرح ماورير لإذاعة (دويتشلاند فونك) الألمانية، الأربعاء، بأن منظمته تعمل منذ أيام للجمع بين الأطراف المتحاربة، وتشجيعهم على إجراء محادثات مفصلة بين الجيشين لتمكين المدنيين من الفرار.
الناشط في الجالية الأوكرانية يوسف طعمة (والدته تحمل الجنسية الأوكرانية)، شدد في حديث له أنه “لو كان تاراس شيفتشينكو على قيد الحياة لفعل ما نفعله الآن، فهو من هاجم النظام وحورب كونه كان يكتب ويتحدث الأوكرانية وكان يحلم ببلده مستقلاً”.
وأضاف “نقف أمام السفارة الروسية للمرة الثانية لرفض الحرب التي طرقت بابنا، فأوكرانيا لم تهدد يوماً روسيا أو تهاجمها كما أنها لم تهدد أي دولة في العالم، في وقت كل الحروب خاضتها روسيا ضدنا، وهذه الحرب بالنسبة لنا حرب حياة أو موت، ولمن يقول لنا كان بإمكانكم تجنبها أتوجه له، لو هاجمك شخص في بيتك لديك حلان إما أن تسمح له بقتلك أو أن تدافع عن منزلك، واذا قتلته تكون في موضع الدفاع عن النفس، وهذا ما يفعله الشعب الأوكراني اليوم”.
وعند بدء الغزو الروسي نظّم أفراد الجالية الأوكرانية في لبنان وقفة احتجاجية مماثلة أمام سفارة روسيا في بيروت، طالبوا خلالها بوقف العدوان على بلدهم، مرددين شعارات منددة بالرئيس الروسي، كما شاركت أوكرانيات وروسيات في قداس في كنيسة مار نقولا للروم الأرثوذكس في صيدا القديمة جنوب لبنان، حيث صلّين لانتهاء الحرب ووقف إراقة الدماء.
نريد السلام
ايرنا كليمنكو دعت الروسيين اليوم إلى وقف الحرب، قائلة “نحن نريد السلام، لا نريد أن يقتل أطفالنا والعجز والأبرياء، على بوتين التوقف عن اطلاق القذائف على بلدنا، الحرب لا توصل إلى نتيجة، وأوكرانيا بلد لا تحب الظلم”.
وكانت وزارة الخارجية اللبنانية دانت، في بيان، اجتياح روسيا للأراضي الأوكرانية، داعية موسكو إلى وقف العمليات العسكرية فوراً، وسحب قواتها منها والعودة إلى منطق الحوار والتفاوض، “كوسيلة أمثل لحلّ النزاع القائم بما يحفظ سيادة وأمن وهواجس الطرفين، ويسهم في تجنيب شعبي البلدين والقارّة الأوروبية والعالم مآسي الحروب ولوعتها”.
موقف الخارجية اللبنانية جاء وفق البيان، “نتيجة إيمان لبنان بوجوب حلّ النزاعات كافة التي قد تنشأ بين الدول بالوسائل السلمية، أي عبر التفاوض، ومن خلال آليات الوساطة التي يلحظها القانون الدولي، الذي ينبغي أن يبقى الملاذ الأوحد للدول تحت مظلّة الأمم المتّحدة”.
هذا الموقف دفع السفارة الروسية لدى لبنان إلى التعبير عن “دهشتها”، معتبرة في بيان أن الخارجية اللبنانية “خالفت سياسة النأي بالنفس واتخذت طرفاً ضد طرف آخر في هذه الأحداث”.
وأكدت أن “روسيا لم توفر جهداً في المساهمة بنهوض واستقرار الجمهورية اللبنانية”، مضيفة “روسيا لم تشن حرباً، بل هي عملية خاصة تهدف إلى حماية مواطنين روس وبناء على طلب جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك بعد اعتراف الرئيس فلاديمير بوتين باستقلالهما”.
شاركت ماريا التي تحمل الجنسية الروسية في الاعتصام قائلة في حديث لها “أهلي يسكنون في أوكرانيا” مشددة “جميع الروسيين يجب أن يرفضوا الحرب، حتى لبنان يجب أن يقف إلى جانب الأوكرانيين، فشعبه يعلم ماذا تعني الحروب”.
وأكدت “لن نسكت بعد الآن، فمن يقتل في الحرب هم الأبرياء”.