تتصرف القوى السياسية على اساس ان الانتخابات النيابية ستحصل في موعدها في ايار المقبل، وتنشط الماكينات الانتخابية لاحصاء الناخبين الذين بالمستطاع تأمين اصواتهم لمصلحة كل طرف، للانطلاق من هذه الاحصاءات الاولية في حسابات الفوز والخسارة في مختلف الدوائر.
ويقول مسؤول بارز للملف الانتخابي لاحد الاحزاب الكبرى، ان التحضيرات تجري بوتيرة متصاعدة، وان هناك اعتقادا قويا بأننا ذاهبون الى صناديق الاقتراع في ايار المقبل، لكن ثمة عوامل عديدة يمكن ان تؤدي الى الاطاحة بالاستحقاق الانتخابي رغم كل هذه التحضيرات والحسابات.
وفي تقدير المصدر، ان العامل الامني يبقى العنصر الابرز الذي يتحكم بهذا الموضوع، لافتا الى ان ما جرى الكشف عنه في احباط فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي هجوما انتحاريا بالاحزمة الناسفة كان يعد له «تنظيم داعش» الارهابي على اهداف عديدة في الضاحية الجنوبية يعتبر تطورا غير عادي ، يعطي انطباعا بأن الوضع الامني معرّض لاهتزازات وانتكاسات يمكن ان تحصل في اي وقت.
ويستدرك المصدر قائلا: ان ضبط هذه المحاولة وافشالها يؤشر في الوقت نفسه الى قدرة وجهوزية القوى الامنية لمواجهة مثل هذه العمليات التفجيرية المخلة بالامن والاستقرار في البلاد، لكن هناك احتمالات للقيام باستهدافات امنية اخرى.
اما العامل الثاني الذي يمكن ان يصب في خانة تأجيل الانتخابات، حسب المصدر نفسه، فهو فشل رهان بعض الاطراف على إحداث تغيير في المعادلة السياسية والنيابية من خلال الاستحقاق الانتخابي، لا سيما بعد انسحاب «تيار المستقبل» من الساحة السياسية والانتخابية، واعادة خلط الاوراق بشكل اضعف القوى التي راهنت وتراهن على التغيير. وفي الاعتقاد ان هذا التطور قد يساهم في اضعاف الزخم الخارجي والداخلي الدافع الى اجراء الانتخابات في موعدها.
وفي حال رجحان فكرة تأجيل الانتخابات، يصعب احتمال التمديد للمجلس النيابي لاسباب عديدة، ابرزها توجه كتلتي «المستقبل» و»القوات اللبنانية» وربما ايضا كتلة «اللقاء الديموقراطي» الى الاستقالة من المجلس، بل لا يستبعد ايضا جنوح كتلة «التيار الوطني الحر» الى مثل هذا الخيار بحيث يصبح الفراغ سيد الموقف.
وفي رأي المصدر، انه في حال حصل الفراغ على الصعيد المجلسي، وهذا امر غير مسبوق، فان رئاسة الجمهورية تصبح المؤسسة الباقية في البلاد، الامر الذي سيعزز احتمال انعقاد مؤتمر حوار او مؤتمر تأسيسي للبحث في ادارة البلاد واعادة انتاج المؤسسات الدستورية. ويكشف المصدر عن ان مثل هذا الاحتمال غير مستبعد، خصوصا اذا ما تعذر اجراء الانتخابات في موعدها، لافتا الى ان هناك جهات خارجية تتحسب له، وفي مقدمها فرنسا التي لا تعارض فكرة عقد حوار وطني لكيلا يسقط لبنان في الفراغ والفوضى.
ويخشى المصدر من سيناريو الفراغ في ظل الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يرزح تحته لبنان، مشيرا الى ان المخاوف من حصول هذا الامر هي مخاوف جدية، اذا تطورت الاوضاع باتجاه تعذر اجراء الانتخابات في موعدها. وفي مثل هذه الحالة يصبح الحوار الوطني او المؤتمر التأسيسي خيارا مطروحا بشكل جدي، لأن ليس هناك اي خيار آخر سوى السقوط اكثر في الفوضى على اكثر من صعيد.
هل يمكن استدراك مثل هذا الامر؟ المعطيات الراهنة لا ترجح حصول تطورات دراماتيكية تطيح الانتخابات، لكن هناك مؤشرات داخلية وخارجية تبعث على الحذر الشديد، خصوصا في ضوء التطورات الاقليمية والدولية التي تضع لبنان والمنطقة، بل والعالم على صفيح ساخن بعد الهجوم الروسي على اوكرانيا.
ووفقا لاعتقاد مسؤول حزبي رفيع، فان الفترة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات قد تحمل تطورات يمكن ان تصب في خانة احد الخيارين: حصول الانتخابات في موعدها او تطييرها، لذلك من الصعب التكهن او الحسم في شأن حسم مصير هذا الاستحقاق من الآن، على الرغم من رجحان كفة الخيار الاول في حسابات كل الاطراف السياسية.
من هنا، يبدو المشهد الانتخابي قبل اقل من ثلاثة اشهر عن موعد الانتخابات ضبابيا جدا، فالتحالفات لم تتبلور بشكل حاسم حتى الآن على ضفتي الصراع والمنافسة، كما ان الاقبال على الترشح ما زال ضعيفا جدا، كذلك تشكيل اللوائح في مختلف الدوائر.
لكن مثل هذه الخطوات يمكن تحقيقها بفترة قصيرة ولا تحتاج الى وقت طويل. فاذا تأكدت وحسمت ظروف واجواء المعركة الانتخابيات تصبح ادواتها جاهزة في غضون ايام او اسابيع قليلة.