بدوي: بيروت ست الدنيا
الحب في بيروت كالروح في الجسد كالهواء موجود في كل مكان “فبيروت كالأنثى التي تمنح الخصيب وتعطينا الفصول…ان يمت لبنان متم معه…بيروت ساحة للمقاومة والنضال وبيروت خيمتنا ونجمتنا بيروت تفاحة والقلب لا يضحك الا بهدوئها واستقرارها هي وردة الليلك والقرنفل العطر ومنتدياتها شعاع ثقافة يفح من كل مكان ليصل الى الالباب وبالتأكيد الى سائر اصقاع الأرض…
هكذا غناك الشعراء…واسترسل بوصفك الادباء، فماذا يا ترى عن منتدياتها الثقافية؟
من من المثقفين تخلو ذاكرته من دردشات المودكا والويمبي او الكافية دو باري او الهورس شو؟
من من الشعراء والكتاب اللبنانيين والعرب المخضرمين لم يحتس القهوة في الاكسبرس، او تناول وجبة مميزة في مطعم فيصل، او ينصرف الى جلسة حالمة في الدولتشي فيتا قبالة صخرة الروشة؟
مقاه ومنتديات وصالونات ثقافية، معظمها غاب، وغابت معه وجوه واقلام وأفكار، ولكنها تبقى بيروت بكل ما فيها منتدى للعرب رغما عن كل الحاقدين…
ثقة عمياء…
بيروت ذاكرة تفقد فيها القليل فتربح الكثير، مدينة تهفو فيها العظمة، ويتقاسم فيها الشعراء الحب والجنون والفلسفة والسياسة وبالتأكيد الثقافة، تغنى فيها كل من الشاعر محمود درويش، وبدر شاكر السياب، وامير الحب والغزل الشاعر نزار قباني وغيرهم…
عن هذا الموضوع، تحدثت الى السيد نعمة بدوي الممثل والمخرج وامين سر الحركة الثقافية في لبنان فقال:
بدأت بالحب، والحب يولد الثقافة، لا بل هو في ذاته ثقافة وهناك الكثير من الثقافات، ثقافة الحياة والمقاومة… والثقة ببيروت لأنها خلقت منارة ثقافية، ومنارة للحرية، وراحة للعالم العربي.
“موزاييك“…
يقول بدوي هذا الموزاييك الموجود في بيروت من كل الأنواع والاطياف الاجتماعية والطائفية والثقافية، وحتى العالمية، ففي بيروت… وجود لكل الشعوب. وهذا التنوع او الموزاييك هو الذي اعطى هذه الصفة لبيروت.
الموقع الجغرافي لبيروت… والتعدد الثقافي: يقول بدوي لا شك في ان موقع بيروت الجغرافي أعطاها هذه الأهمية والوضع الحياتي والحرية الموجودة في بيروت وقدرة اللبناني على ان ينهل من كل المجالات الثقافية، والاجتماعية والحياتية والعلمية، اعطته هذه الميزة. فموقع بيروت تاريخيا من الناحية التجارية، أدى الى الانخراط ما بين كل الشعوب التي كانت تأتي الى الموانئ اللبنانية واليوم السلطة الفاسدة شاركت بدمار اهم مرفأ على البحر المتوسط من خلال التفجير الذي حدث في 4 آب 2020 وذهب ضحيته أكثر من 217 ضحية وآلاف الجرحى ودمار آلاف البيوت وتشريد عشرات الآلاف من المواطنين وتكتم السلطة عن المجرمين وعدم محاولتها لا البناء ولا حتى إعادة المرفأ على ما كان عليه… لذا كانت بيروت وستبقى هي الانطلاقة الأولى لكل الشعوب، بحكم موقعها الوسطي وبكونها ملتقى كل السفارات العالمية…
من غير قصد…
الجلسة تفترض النقاش مجموعة الشعراء والمثقفين والادباء والرواد والفنانين والممثلين والمخرجين، كل لديه طاولة معروفة، وبحكم تقارب الطاولات بعضها من بعض في المقهى، هذا التقارب يخلق في لحظات جلسة عفوية ثقافية حوارية من دون قصد! ويبدأون بطرح أفكارهم ويشرحونها على الطاولة، فتخرج من كل فكرة مئات الأفكار…
“خرزة زرقا… من الحسد“
يقول بدوي ان المقهى شيء مهم جدا في حياة المثقف اللبناني، وحتى العربي، فالمثقفون العرب، كانوا يحسدوننا على جلسات المقاهي، اما الآن فيوجد مقصف ليلي حيث تقام الندوات وتتكون منها حالة جدل بيزنطي، فتكون منتدى ثقافيا ضمن علبة ليلية…
“الكل مثقف”…
بطبيعة الحال الكل مثقف، ولكن ثمة نسبا ومستويات معينة ومتفاوتة. اما اللبناني فيفهم في كل شيء، ولديه القدرة للحديث عن الذرة!
لبنان أصغر من ان يقسم وأكبر من ان يبتلع:
أيها السياسيون الطائفيون أيها الاقليميون وما يتعداكم ليشمل كل دول العالم بلا استثناء عظمة بيروت انها ليست لونا واحدا، وإذا لا سمح الله أصبحت كذلك! فنصبح جميعنا عميانا. أهمية بيروت بهذا التنوع وجماليتها المترفعة عن كل تفاهات الأمور تكمن في هذا التنوع…
لحكمة الهية موجودة أنت… يا بيروت
عندما اخذ محمود درويش بيروت مقرا له، كان هذا دليلا قاطعا على أهمية هذه المدينة، وعندما استقر نزار قباني واقام دارا للنشر في بيروت، فهذا دليل قاطع أيضا على أهميتها. فبيروت المطبعة، ودار النشر، والحركة. لم تمل من احتضان المثقفين فهي كانت ولا تزال مقصدا للمثقفين العرب.
والسؤال الذي قد يطرح نفسه، هل ما زالت الأمور في خير…؟
طبعا، وانا أقول دائما “تفاءلوا بالخير تجدوه”. ودائما هناك كبوة، والصحوة تخرج من بيروت.
ماذا تغير؟ علينا ان نعي ان خطورة المثقف انه رفضي، معارض للسلطة!! خشيتي وخوفي عندما يسود اصطفاف ثقافي، ويا للأسف، يسود انشقاق واصطفاف عموديان، ولكن دائما جلسة في المقهى تعود لتجمعهما من جديد. وأتمنى ان يبقى المثقف حرا فلا يمكن ان نستنهض هذا الوطن الا من خلال المثقفين الثائرين الذين لا يمكن ان يرضوا ان يكونوا كالأغنام يقول بدوي.
هل تولد الثقافة من رحم هذا التناقض؟
الشاعر والمثقف ابن بيئته، والثقافة تنبع من المعاناة ومن الفرح والازدهار، ومن الأمان ومن الحرية أيضا. ويضيف بدوي ان الافراط في الأمور يأخذنا الى المهالك، ونحن مع الحرية بالمطلق.
قاسوا الوقت بالرمح طلع الليل أطول بفرق الصبح… اما فيما يختص الاصطفاف السياسي الذي نشهده وما إذا كان سيولد اصطفافا ثقافيا: يرى بدوي ان الحل الوحيد عندما يستيقظ المثقف من سبات عميق. وأقول لبنان توحد عندما ربح في مباراة كرة القدم على أعرق الفرق الرياضية، وأعني ابان منتخب كوريا والرياضات التي جمعت اللبنانيين فالتكاتف كان ويكون رائعا، وان هؤلاء الناس كلهم نسوا زعمائهم واصطفوا صفا وطنيا واحدا، شكل لوحة ثقافية لبنانية، ليس فيها ألوان او أحزاب او طوائف، الكل ترنم بأدب للعلم اللبناني، ليقول لغة واحدة…
هذه هي بيروت ام الدنيا، هذه هي الانثى الخصوب، هذه هي منتديات بيروت لا بل أكثر… فكل حجر في بيروت ينطق حضارة وثقافة لان بيروت ببساطة… هي ام الدنيا…
ولنقم دائما وابدا احتفالا صاخبا وحاشدا لكل ما تحوي هذه المدينة… بيروت ست الدنيا.
بقلم ندي عبدالرزاق