كتب ابراهيم بيرم في” النهار”: ما حملته الأيام القليلة التي تلت اتخاذ الحكومة قرار حصر السلاح من معطيات جديدة، جعلت الثنائي الشيعي يبني حساباته على أساس أنه كسب جولة أولى في صولة حرب تقاطعت الرئاستان الأولى والثالثة مدعومتين من الداخل والخارج على شنها عليه، بهدف إجباره على التخلي عن أوراق قوته وفق ما اعتاد هذا الثنائي قوله. ولعل المعطى التطميني الأول عند هذا الثنائي، يأتي من أن جزءًا من قوى هذه الصولة بعث أخيرًا إليه برسائل جوهرها “أننا مستعدون لكل ما يخفف حماوة الموقف، توطئة لإعادة وصل ما انقطع، علّنا ننجح جميعًا في رحلة بحث مشتركة عن حلول ناجعة تُخرج الجميع من عنق الزجاجة”. لذا لم يكن أمرًا عابرًا أن يخرج
رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل انقضاء أسبوع على صدور القرار الإشكالي ليعتبر أن “حزب الله من أكبر الأحزاب في البلاد، ولا تُدار الأمور بهذه الطريقة مع مكون سياسي وطائفة كبرى في البلد”.
ووفق عالمين ببواطن الأمور عند الثنائي، فإن هذه الجملة على اقتضابها هي مفصلية، إذ وضعت حدًا لفيض من الرهانات على يوم تنفصم فيه عرى الترابط المحكم بين طرفي الثنائي، وتتباين بينهما الرؤى، خصوصًا بعد التداعيات التي تلت حرب إسناد غزة. كذلك أنهت مقولة إن المستهدف ليس الطائفة ولا حتى الحزب بل هو سلاح الحزب. ويتضح من خلال كلام بري أن الثنائي يرفض تجاهل الآخرين لمقولة إن قرار الحكومة يفتقد الميثاقية ما دام كل الوزراء الشيعة لم يوافقوا عليه وانسحبوا من جلسة إقراره. المحيطون بالرئيس بري يؤكدون أن مرونته عشية إصدار القرار وغداة إصداره ليست انحناءة أمام عاصفة عاتية أو قبولًا بالأمر الواقع وفق البعض أو “تسليمًا بالهزيمة” وفق البعض الآخر، بل هي أداء واعٍ يحمل أمرين معًا: الأول إعطاء فرصة ليبلغ الآخرون ذروة “ابتهاجهم”،
في انتظار أن ينجلي غبار الحقائق الثابتة التي لا يمكن القفز فوقها، والثاني، أنه لم يكن طيف عين التينة بما تمثل من موقع رسمي وسياسي، بعيدًا من “ردات الفعل العنيفة” التي سُجلت في الشارع رفضًا لقرار الحكومة، والتي على محدوديتها تركت لدى المعنيين خلاصات واستنتاجات جوهرها أنه ليس من الحكمة تجاهل الغضب. بمعنى آخر، كان بري يوجه رسالة إلى الداخل والخارج على حد سواء بطريقة هادئة وسلسة. ولكن ما زاد منسوب الاستياء عند بري أنه سعى جاهدًا وجادًا إلى “تعديل الحمل قبل ميلانه”، وفق المثل المأثور عنده، وذلك عندما قدم مبادرته المتكاملة إلى الموفد الأميركي توم باراك، والتي كانت وما زالت عنده خريطة طريق معقولة إلى الحل من شأنها أن تحوز مقبولية الجميع. فهو، وإن كان يشك في أن تقبل
إسرائيل بالسير بها لأنها لا تطلب التفاوض بل تريد استسلام الحزب ولبنان لشروطها، إلا أن بري كان يعوّل على أمر داخلي هو أن تلتزم الرئاستان الأولى والثالثة المبادرة وتقفا خلفها بثبات باعتبارها رؤية لبنانية نهائية، ولكن ما حصل كان بمثابة انقلاب على المبادرة خلافًا لرأيه. ماذا بعد في جعبة بري ليُخرجه إلى الضوء؟ ما ينقله زواره أنه أبلغ إلى الموفدين الذين استقبلهم، استعداده لاستئناف دور الوساطة الذي أدّاه إلى يوم اجتماع الحكومة الأول، ويرى أن مندرجات مبادرته ما زالت متاحة لتكون قاعدة أي حراك. في المحصلة، ما زال بري يرى أن تلافي الذهاب إلى الاحتمالات السلبية ممكن ومتاح إذا برد أصحاب الرؤوس الحامية رؤوسهم واقتنعوا بأن أي أمر لا يمكن إمراره في البلاد رغم إرادة مكون سياسي معين. وإلى ذلك الحين، يؤكد هؤلاء أن بري في الانتظار ليبني على الشيء مقتضاه.