Share to: 
بين زحلة ومجدل عنجر، تدور رحى معركتين بلديّتين لا تقلّان حرارةً عن أي مواجهة وطنية كبرى. فالانتخابات البلدية المرتقبة يوم الأحد المقبل، بعد غياب دام تسع سنوات، تحوّلت في هاتين المدينتين إلى ما يشبه كسر عظم سياسي واجتماعي، في استحقاق يتجاوز صندوق الاقتراع ليمتحن توازنات طائفية، حسابات حزبية، وعصباً عائلياً متجذّراً في الأرض والانتماء.
في زحلة، عروس البقاع المسيحية بامتياز، لا يُحسم الفوز بالأرقام وحدها، بل بالصوت الذي يصرخ من قلب الأزقة القديمة: من يحكم المدينة التي تأبى أن تكون هامشاً في أي معادلة؟ 63.953 ناخبا تقريبا، غالبيتهم من الطوائف المسيحية، يوزّعون أصواتهم على لوائح تمثّل امتدادات لأحزاب كبرى، بعضها منقسم على نفسه، وبعضها الآخر يراهن على إرثٍ عائلي أو خدماتي. المعركة هناك ليست كسواها، بل هي أمّ المعارك المسيحية، لا تقلّ ضراوة عن معارك الشمال، بل تتقدّم عليها في رمزيّتها، لما تحمله زحلة من موقع تاريخي وثقل سياسي لطالما أحرج الكبار وأربك التحالفات.
أما مجدل عنجر، المدينة السنية العريقة، فليست على الهامش. بـنحو 7000 ناخب، تخوض بدورها معركة بلدية لا تقلّ سخونة، حيث تتقاطع فيها الاعتبارات العائلية بالبُعد المذهبي، ويُعاد فيها رسم توازنات الساحة السنية في البقاع الأوسط، في ظل غياب مرجعيات موحّدة وانكفاء الأحزاب الكبرى. هنا، العائلة تنافس الأحزاب والتيارات السياسية، والشارع يراقب، والنتائج قد تحمل رسائل تفوق حجم البلدة بكثير، تماماً كما حصل في طرابلس يوم الأحد الماضي، ولكن بطابع بقاعي أشدّ صرامة.
في جميع الأحوال، زحلة ومجدل عنجر، كلتاهما تقفان اليوم على خط النار الانتخابي. الأولى تمتحن خارطة القوى المسيحية المفككة، والثانية ترصد مزاج الساحة السنية المتقلّب. وفي ظل صمت الدولة وتشتّت المركز، باتت المجالس البلدية مراكز القرار الفعلية، وأصبحت الانتخابات اختباراً للقدرة على البقاء في إدارة ما تبقّى من دولة، بالبلدية تبدأ المعارك، ومنها قد تُرسم ملامح المرحلة المقبلة
تشرذم قوى وتقاطعات محلية… زحلة أمام معركة غير تقليدية
في ضوء ما تقدّم، حصلت «اللواء» على معلومات تفيد بأن التيار الوطني الحر يتجه نحو خيار المشاركة الرمزية في انتخابات زحلة، من خلال لائحة غير مكتملة وصغيرة لم يُعلن عنها حتى الآن، ما يجعل احتمال انسحابه من السباق وارداً بقوة، خاصة في ظل اقتصار عدد مرشحيه على سبعة فقط. هذه المعطيات تعزز فرضية انكفاء التيار عن خوض معركة فعليّة في مدينة تُعدّ من الثوابت المسيحية الكبرى في لبنان.
أما المعركة الأساسية، فتكمن في التنافس بين أطراف زحلاوية محلية وازنة، تبرز من بينها أسماء لها ثقلها السياسي والاجتماعي، مثل النائب ميشال ضاهر وأسعد زغيب، الذي يخوض الانتخابات ضمن لائحة «رؤية وقرار»، وهو الرئيس الحالي للبلدية، ويتولى المنصب منذ نحو 27 عاماً، ما يمنح المعركة بعداً يتعلق بتجديد الهيئات المحلية مقابل استمرار النهج القائم.
في هذا المشهد المتداخل، تدخل الأحزاب المسيحية الكبرى المعترك الزحلاوي، إذ يسجّل حزب الكتائب حضوراً في قلب المواجهة، في حين يحظى «الثنائي الشيعي» بدعم مباشر من النائب سيزار معلوف، وسط تقاطعات محلية مع شخصيات وازنة كخليل الهراوي. أما القوات اللبنانية، فتدخل السباق من بوابة لائحة مكتملة يترأسها المهندس سليم غزالة، في محاولة جدّية لكسر موازين القوى التقليدية وترسيخ حضورها في المدينة.
زحلة، إذاً، ليست على موعد مع مواجهة تقليدية، بل أمام مشهد انتخابي معقّد تتداخل فيه الحسابات السياسية، والخلافات العائلية، والتوزيعات الطائفية، في معركة بلدية لا تشبه سابقاتها.
رغم التحدّيات.. التغيير في الانتخابات قائم!
على خط انتخابي بلدي متصل بمجدل عنجر، يوضح رجل الأعمال والسياسي المستقل، السيد محمد شفيق حمود، لـ «اللواء» انه: «تم بشكل مبدئي تشكيل لائحة «مجدل عنجر بتجمعنا»، وهي لائحة توافقية تجمع بين الدكتور علي صالح والسيد جاد حمزة. ويعدّ الرئيس الأسبق للبلدية، السيد سامي العجمي، العراب الأساسي لهذا التوافق، حيث تنازل لصالح الوفاق في مجدل عنجر».
ويضيف: «عند اختيار أعضاء هذه اللائحة، تم تخصيص ثلاثة أعضاء لعائلات معينة، واثنين لعائلات معينة، وعضوية واحدة لعائلات أخرى. في حين لم تسمَّ بعض العائلات في اللائحة. وبذلك، بقي 19 مقعدا غير محسوم من أصل 18 تم ضمهم في لائحة «مجدل عنجر بتجمعنا».
ويكشف حمود لـ «اللواء» عن إمكانية تشكيل لائحة منافسة لهذه اللائحة، لكنه يوضح أنه لم يتم الإعلان عنها رسميا بعد.وعن الانتخابات البلدية الحالية، والتي تجري بعد تسع سنوات من التأجيل والتمديد، يشير حمود إلى أن «الغريب في هذه الانتخابات هو أنها للمرة الاولى التي لا يتم فيها الاتفاق بين معظم العائلات على مرشح واحد، بل هناك اختلافات كبيرة وشرخ داخل العائلة الواحدة. وقد يكون السبب في ذلك هو ابتعاد تيار المستقبل عن الانتخابات البلدية، رغم محاولة بعض المنتسبين للتيار الظهور وكأن لهم دورا، لكن الحقيقة أن دورهم انتهى مع عزوف الرئيس سعد الحريري عن العمل السياسي».
ويضيف: «اليوم، هناك توجه عام من أهل البلدة نحو دعم الشباب المتعلم والمثقف، وهذا ينعكس على ظهور العديد من الوجوه الشابة. التغيير حاصل لا محالة، حيث إن معظم المرشحين هم وجوه جديدة بعيدة عن الأحزاب التقليدية».وفي ما يتعلق بغياب العنصر النسائي عن تشكيلة اللوائح، يعلق حمود قائلا: «هناك سيدة واحدة، وهي كوثر عبد الفتاح، مرشحة للمخترة».
ويتطرق حمود الى «وجوب تعديل القانون الانتخابي البلدي، مقترحا وضع بعض المواصفات التي يجب توافرها في المتقدمين، مثل الحصول على شهادة ثانوية عامة، بالإضافة إلى ضرورة العمل المحلي المكثف للحد من الشروخ العائلية التي أصبحت تؤدي إلى خلافات عائلية. ويأمل انتشار الأجهزة الأمنية بكثافة عند مداخل المدارس للحد من المشاكل، ومنع حدوث أي مشادات، خاصة أن البعض قد يتعمد افتعال المشاكل لعرقلة مشاركة النساء في الانتخابات».
الفلتان وارد.. لكن
وفي ما يخص احتمالية حدوث فوضى أو اضطراب، يعتبر ان «هذا الأمر غالبا ما يحدث في مثل هذه الاستحقاقات. ويطالب بضرورة التوجه إلى إجراء الانتخابات في المستقبل باستخدام الأنظمة الإلكترونية المستحدثة في الداتا سنتر، خاصة في الانتخابات النيابية، حيث أن عدد الأصوات الملغاة في الفرز يكون كبيراً، مما يؤثر بشكل كبير في نتائج الانتخابات. ويضيف: «بعض الأحزاب، التي تمتلك قدرة داخل الغرف السوداء، قد تسعى لتغيير الموازين عبر التلاعب في النتائج».
يُذكر ان حمود قد خاض الانتخابات النيابية في عام 2022، حيث حصل على أعلى نسبة أصوات سنية في زحلة والبقاع الأوسط بفارق كبير عن الفائز الحالي، إلّا أن القانون لم ينصفه بحسب ما روى لـ «اللواء».
العنصر النسائي يكتسح لائحة «قلب زحلة»
من جهتها، تقول المرشحة عن لائحة «قلب زحلة» السيدة ربى جوزف الصقر لـ «اللواء»: «أرشّح نفسي اليوم انطلاقاً من خبرتي الواسعة في إدارة الشؤون المالية واللوجستية، وفي التعامل مع الإدارات الرسمية والمؤسسات الدولية. لذلك، أطمح لأن أكون صوتاً فعّالا في العمل البلدي لخدمة منطقتي زحلة، وخصوصا في مجالي التنظيم والإدارة، حيث أملك خبرة فعلية يمكن أن تُحدث فرقا».
وتتابع: «تكمن القيمة المضافة التي سأقدّمها في قدرتي على نقل تجربتي من القطاع الخاص إلى الإدارة العامة، من خلال اعتماد أنظمة حديثة تعزز الشفافية، وترفع الإنتاجية، وتحدّ من الهدر. أنا شخص ملتزم وعملي، وأؤمن بالعمل الجماعي لخدمة الناس وتحقيق تغيير حقيقي».
وعن خلفيتها العلمية والعملية، توضح: «أنا خرّيجة مدرسة العائلة المقدّسة، وتابعت دراستي الجامعية في إدارة الأعمال بالجامعة اليسوعية. اليوم، أتولى مسؤولية الإدارة المالية والإدارية في مجموعة من المؤسسات التي أملكها مع إخوتي، وتشمل: مؤسسة متخصصة بالنقل عبر المرفأ، بالإضافة الى مؤسسة تُعنى بالنقل على صعيد لبنان، ومؤسسة ثالثة تنفّذ مشاريع طويلة الأمد عبر مناقصات وعقود مع منظمات غير حكومية (NGOs)».
وتضيف: «تسعى لائحة «قلب زحلة» إلى تجسيد رؤية «زحلة 2030» عبر بناء مدينة نابضة بالحياة، تحترم إرثها وتنفتح على مستقبل جريء. نطمح إلى زحلة شاملة ومستدامة، تجمع بين الأصالة والابتكار، وتتحول إلى مركز إقليمي للثقافة، السياحة، الصناعات الزراعية-الغذائية، والتحول الرقمي، وذلك من خلال إدارة تشاركية وشفافة تضع راحة المواطن في أولوياتها».
وتشير إلى أن «اللائحة تضم 6 نساء من أصل 21 مرشحاً، أي ما نسبته 30%، وفق نظام الكوتا النسائية، كما أن متوسط أعمارنا هو 43.8 عاماً، ما يعكس طابعاً شبابياً واضحاً».وتختم الصقر بالتأكيد على أن «لائحة «قلب زحلة» برئاسة المهندس سليم غزالة، مدعومة من حزب القوات اللبنانية، وتتنافس مع لائحة يرأسها المهندس أسعد زغيب».
