تندرج الجولات الخارجية التي يجريها رئيس الجمهورية جوزاف عون ضمن مسار طويل ومتراكم يروم إعادة ترتيب وتفعيل علاقات لبنان الخارجية مع الدول الخليجية والعربية والقوى العالمية التي تؤثر في عملية صياغة القرار والمعادلات السياسية، ورعاية التحولات الكبرى التي تمر بها المنطقة. بيد أنه لا يكتفي بتأكيد هذا المسار عبر المحادثات الثنائية والمواقف السياسية التي يطلقها، بل يضع خارطة طريق تشتمل على جوانب عملانية وتنفيذية لتطوير التعاون على أسس واضحة وثابتة.في زيارته إلى أبو ظبي، حمل الرئيس جوزاف عون معه 6 قضايا لمناقشتها مع الرئيس الإماراتي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، يشكل قرار رفع حظر السفر واحداً منها، بالإضافة إلى 5 أخرى توافق عليها الطرفان، وتحدث عن بعضها البيان المشترك الذي أعقب اللقاء.حسب المعلومات، فإن رئيس الجمهورية حصل على موافقة أبو ظبي على دعم الجيش والقوى الأمنية الرسمية كلها وفق برنامج تُرك البحث في تفاصيله التقنية للوزراء المختصين. وبعدما كان العماد جوزاف عون يحمل همّ الضباط والعسكريين والأوضاع المادية الصعبة التي تعاني منها المؤسسة العسكرية إلى كل دول العالم، صار اليوم رئيساً يحمل على عاتقه همّ كل المؤسسات الأمنية والإدارية وموظفيها، حيث لا يمكن لمشروع قيامة الدولة أن يثمر في ظل مؤسسات يشوبها ضعف بنيوي يعرقل الإصلاحات الجدية.كذلك تم الاتفاق على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين الشقيقين عقب كبوة عابرة قادت إليها هيمنة دويلة “حزب الله” على قرار الدولة، وبالتالي عودة السفير الإماراتي إلى بيروت خلال فترة زمنية قصيرة. ويرتبط بالبند السابق مباشرة إجراء آخر، يتمثل بموافقة أبو ظبي على تسهيل حصول اللبنانيين على تأشيرات دخول إلى الأراضي الإماراتية، والذي كان يشكل هاجساً بالنسبة للفئات الشبابية ولا سيما المتخرجين الجدد من الجامعات.
لا ريب أن هذه البنود تعيد العلاقات اللبنانية – الإماراتية إلى سابق عهدها. إلا أن الرئيس جوزاف عون يريد تطوير مستوى هذه العلاقات وترسيخها وفق نهج تعاوني دولتي مستدام. ولذلك ناقش مع الشيخ محمد بن زايد مسألة تأسيس “مجلس أعمال إماراتي – لبناني”، لما تشكله هذه الهيئات من عناصر فاعلة تسهم في رفع مستوى التعاون الاقتصادي وزيادة حجم الأعمال.أما الخطوة الأهم فهي ضم لبنان إلى لائحة مستهدفات “صندوق أبو ظبي للتنمية”، وهو واحد من صناديق الثورة السيادية الإماراتية، والذي يمول مشاريع تنموية بارزة وواعدة في مختلف أرجاء العالم، حيث من المتوقع أن يرسل وفداً إلى بيروت للبحث في إمكانية عودة الاستثمارات الإماراتية، المرتبطة بدورها بجدية ورشة الإصلاحات التي أطلقها العهد وحكومة الرئيس نواف سلام.بكافة الأحوال فإن حصيلة زيارة الرئيس جوزاف عون تؤكد ما كان يرفضه ويسخر منه أركان الممانعة إبان حقبة تسلط الدويلة، وهو أن الدول الخليجية تدعم لبنان وتريد مساعدته جدياً، لكن عليه أولاً أن يساعد نفسه، وهنا بيت القصيد. ذلك أن الدويلة تعمدت الإساءة إلى الأشقاء العرب من أجل تدمير أحد أبرز مصادر قوة لبنان وحرمانه مما كانت تشكله منذ “اتفاق الطائف” من مظلة حماية سياسية، وتالياً مما تضخه من أموال في أوردة اقتصاده المتهالك، تمهيداً لفصله عن عمقه التاريخي وتسريع انضمامه إلى محور الملالي. وساعدتها أذرعها الضاربة في عمق أوردة الدولة في تحقيق هذه الغاية.
وعليه، تكتسي نتائج زيارة الرئيس جوزاف عون إلى أبو ظبي بأهمية تتجاوز ما جرى الاتفاق بشأنه، لتتصل بعملية ترميم مظلة الدعم السياسي الخليجي والعربي، التي انطلقت من الرياض، علاوة على أن الدعم الإماراتي سينعكس لا ريب على دول خليجية وإقليمية ستحذو حذوها بنمط متدرّج وفق قاعدة “خطوة بخطوة”.
سامر زريق – نداء الوطن