التقزم او القزامة وتعني لغويا “قصر القامة”، وينتج من حالة وراثية، طبية او غذائية. ويعرف التقزم او “التقيّد”، بضعف او اختلال نمو الأطفال، مقارنة بالمعدلات الطبيعية مع الفئة العمرية التي يندرج تحتها الطفل.
بالموازاة، يحدث التقزم بسبب تأخر التطور لأسباب متنوعة، يشخصها الطبيب الذي قد يلاحظ هذا الخلل او جراء شكوى من الاهل، ومن الممكن علاج بعض الحالات إذا تم اكتشافها مبكرا، ومساعدة الطفل على بلوغ طول اقرانه الطبيعيين او مستوى قريبا منهم.
سوء التغذية
بالتوازي، توصلت دراسة قام بها المجلس الوطني للبحوث العلمية، الى ارتفاع معدل التقزم لدى أطفال لبنان من هم دون سن الخامسة. والسبب “سوء التغذية”، ليتبين ان معدل التقزم ارتفع من 9.7 % “بين عامي 2004 و2021 الى 12% هذا العام.
وبحسب منظمة الصحة العالمية يعرف قصر القامة بالنسبة الى العمر بالتقزم، ويحدث جراء نقص التغذية الشديدة والمتكررة. وعادة ما يرتبط بتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وتدهور صحة الأمهات وتغذيتهن والاعتلال المتواصل، الى جانب عدم تغذية الرضع وصغار الأطفال ورعايتهم على النحو المناسب في مراحل الحياة المبكرة.
واشارت المنظمة الى ان سوء التغذية في جميع اشكاله “الهزال والتقزم ونقص الوزن”، زهد الفيتامينات والمعادن، زيادة الوزن وفرط السمنة، والأمراض السارية المرتبطة بالنظام الغذائي، حيث يعاني 1.9 مليار من البدانة. من جهة ثانية يعاني 469 مليون شخص من انخفاض الوزن، 52 مليون طفل من الهزال الوخيم، و155 مليون طفل من التقزم، في حين يعاني 41 مليون طفل من فرط الوزن والسمنة.
في سياق متصل، اشارت خبيرة التغذية جاكي قصابيان في حديث لـ “الديار”: “ان الهرم الغذائي في لبنان قد تبدّل واحد أسبابه سوء التغذية، فاستحوذت النشويات على رأس الهرم، يتبعها الحشائش والخضراوات، فالسكريات الى جانب الفواكه والمزروعات الأرضية مثل البطاطا ومن ثم الزيوت والحليب ومشتقاته، فاللحوم والبيض تليهما الحبوب وأخيرا المأكولات البحرية”.
واكدت ان تقزم الطفل يعني انه تحت منحنيات النمو التي وضعتها “الصحة العالمية”، وحددت المقاييس التي على اساسها يجب ان يكون الطفل الطبيعي بالنسبة للعمر والجنس، ويتم اخضاعه الى هذه المنحنيات التي من خلالها يتبين ما إذا كان يعاني “التقزم”. وتابعت “إذا كان الطفل يقاسي من هذه المشكلة، وأصبح لا يشبه أبناء جيله من هم في العمر نفسه بالنسبة لجنسه، فلا يمكن بعد عمر السنتين تعويض هذا النقص، حتى لو اعتمدنا نظاما غذائيا غنياَ بالفيتامينات والعناصر التي يحتاجا ليها”.
اضافت ” لكن نستطيع ان نؤمن له النمو الطبيعي للتمتع بصحة جيدة على المدى البعيد وبالنسبة للطول ليس بالأمر الممكن ليصبح مثل باقي الاطفال من عمره. واللافت ان من يكابدون “التقزم” بشكل عام لديهم قابلية الإصابة بالبدانة بنسبة عالية ما قد يؤدي الى الإصابة بأمراض السكري، الضغط والقلب”.
ولفتت “الى ان التقزم لا يؤثر فقط في القامة، وانما يتخطاها ليسفر عن خلل في نمو الدماغ، والقدرة على التعلم وانخفاض بمعدل الذكاء. والسبب هو ان سوء التغذية يوقف عملية التطور، فيؤدي الى اضطرابات سلوكية وعصبية وجسدية. وإذا ارتفعت حالات التقزم في لبنان فهذا الامر سيؤدي الى انتاج جيل نضجه الأكاديمي منخفض”.
اللغز ومعالجته!
وقالت قصابيان ” إذا كانت المؤشرات الغذائية الرئيسية لحديثي الولادة ضعيفة وزادت سوءا مع مرور الوقت، بحيث لا يستوفون معايير الحد الأدنى بالحصول على الأطعمة المغذية والمتنوعة الضرورية، او ان النظام الغذائي المقبول خلال الفترة الحاسمة في حياتهم الذي يساعدهم على التطور، قد يُتدارك من عمر اليوم وحتى السنتين، وفي حال تخطينا هذا الوقت فلا يمكن العودة الى الوراء ومعالجة المشكلة تصبح معقدة”. وأشارت الى انه ” إذا لم تحصل الام على الوجبات المتوازنة، وكانت تعاني من مشكلة فقر في الدم الذي يؤدي الى ولادة مبكرة، في ظل غياب طبيب يشرف على الحامل الذي يمكن للأخير ان يتنبّه الى نمو الطفل، في حال كان غير طبيعي بالنسبة لعمره، او ان عظامه لا تمتص بالشكل الكافي الفيتامينات، فتُعطى الام مزيدا من الجرعات التي قد تحتوي المعضلة، والا سيخلق الطفل بحجم أصغر. بالإشارة الى انه يمكن احتواء هذا العائق شرط المباشرة بالتغذية واخذ ما يلزم من الفيتامينات والمعادن على ان يكون من عمر يوم وحتى السنتين”.
واكدت ان “المشكلة تكمن في ضرورة تنوع الغذاء حيث ان دراسة للمجلس الوطني للبحوث العلمية بينّت ان 72% من العائلات اللبنانية تقاسي عدم القدرة على تنوع الغذاء، في حين ان المعدل كان في السنة الأولى من الازمة التي تمر بها البلاد 53%”.
الرضاعة
وشددت قصابيان”على ضرورة الرضاعة الطبيعية للطفل وذلك لفترة 6 أشهر، كونها تمده بالمناعة والفيتامينات والمعادن والبروتينات لينمو بطريقة صحية، وهكذا نحميه من الحاجة الى أغراض أخرى. وقد تطرأ مشكلة لدى بعض الأمهات اللواتي لا يمكنهن ارضاع أطفالهن بسبب العمل او لعدم وجود الحليب في اثدائهن”، وكشفت عن ظاهرة خطرة، “حيث تعمد أمهات بسبب الأوضاع الاقتصادية الى توفير ثمن الحليب المخصص للرضع، والذي بات سعره يتجاوز مليون ليرة الى استبداله بحليب البقر، والذي له مفعول سلبي لأسباب مختلفة منها ان جسم الرضيع لا يمتصه”.
حليب اقل لمقدار من الماء أكثر
واشارت الى ” ان أمهات يلجأن الى خلط كمية اقل مما يجب من حليب الأطفال، مع مقدار كبير من المياه، بسبب ارتفاع سعر علبة الحليب. على سبيل المثال ، كمية من الماء تحتاج الى 6 ملاعق من الحليب، تقتصد الام بإضافة 4 او 3 ملاعق فيشبع الطفل ماء، وبالتالي يأخذ سعرات حرارية ومعادن وفيتامينات غير كافية، وهنا يجب التأكيد على ان حليب الأطفال مدعم بالعناصر الغذائية والبروتين اللازم”.
التعقيم والنظافة
في سياق متصل “بالتقزم”، اعتبرت قصابيان، “ان من بين المشاكل التي قد ينتج منها معضلة “التقزم”، الافتقار الى المياه النظيفة سواء في الشرب او الاستعمال. ومع الازمة الاقتصادية كثر يشترون مياها غير معروفة المصدر، وتفتقد معايير السلامة الصحية وحتى النظافة.
وتابعت “يتم استعمالها للرضع لينتج منها مشكلتا الاستفراغ والاسهال، وهم في هذا العمر أكثر حساسية واقل مناعة، ما يستوجب ان يصار الى تعقيم الماء المستعمل او شراء عبوات مخصصة. في حال حصول أي من المشاكل التي ذكرناها فالطفل سيفقد المعادن والفيتامينات عن طريق برازه”، وتقول قصابيان انه وبحسب منظمة الصحة العالمية واليونيسف ان أحد أسباب التقزم، “ان الطفل يفتقد المحفزات في الجهاز العصبي منذ نعومة اظفاره، حيث يجب ان يلعب ويكتشف جوانب تنمي القدرة العقلية التي تعمل على حض تجاوبه وهو ما يفتقده لأسباب متنوعة”.
وختمت: “سوء التغذية قد يكون لدى أطفال العائلات المقتدرة، فتوفير احتياجات متمثلة بنوعية طعام غير صحي او رديء، نتيجة الدهون والسكريات المكتنزة فيه. الى جانب ان هؤلاء لا يحصلون على الكمية الكافية من الفيتامينات والنوم، مما يؤدي الى عدم افراز هرمون النمو بطريقة صحيحة، او حرمانهم من اللعب في الخارج بالحد المطلوب، فيفتقدون عوامل تحفّز الجهاز العصبي، الى جانب شربهم الكثير من المشروبات السكرية، وفيها كميات كبيرة من الفوسفور الذي يعيق نمو العظم ويُبطىء امتصاص الكالسيوم، وهو ما قد ينتج منه سوء التغذية”.