ليس غريبا على بلد لُقّب بمستشفى الشرق ان يكون لديه 860 مركزا صحيا على مساحة 10452 كلم مربع. لكن المستهجن هو ان يكون التعثّر الاقتصادي الدافع لفئة كبيرة من المواطنين في ارتياد هذا القطاع لعدم قدرتهم على دفع تكاليف التعرفة الطبية هذا كخطوة أولى. الا ان الهدف الأوْلَى لمن يعملون في هذا المجال هو لعدم اقصاء الناس في الحصول على أدنى حقوقهم البديهية في موازاة التكاليف المرتفعة في المستشفيات للحصول على التطبيب بسبب العبء المالي وتكاليف المستلزمات الطبية من ادوية وأدوات وغيرها لترتفع نسبة النزوح بحسب مؤسسة مخزومي باتجاه المستوصفات ومراكز الرعاية الصحية الثابتة والمتنقلة بنحو 40%.
على الأرض أخذنا ثلاثة نماذج من مراكز الرعاية الصحية و»الديار» حاورت كل من مؤسسة مخزومي ومركز عامل ومستوصف كرم الزيتون في الاشرفية لمعرفة اعداد المواطنين الذين يقصدون هذا القطاع وما هي أبرز العقبات فيها لجهة تلبية كل احتياجات المواطن الاستشفائية.
رئيس مؤسسة عامل د. كامل مهنا يقول لـ «الديار»: «الهدف الأساسي هو تطوير مراكز الرعاية الصحية الأولية لمراكز عامل بعد ان تم اختياره كأهم مركز في لبنان. ويضيف، إذا تم تطوير شبكة هذه المراكز في لبنان يمكنها ان تحل من 70 الى 90% من الحاجات الصحية في البلد، اما الحالات المستعصية من عمليات جراحية معقّدة تبقى للمستشفيات.
مشروع تتولاه المراكز الصحية
يتابع، « يوجد في لبنان 860 مركزا ما بين مستوصف ومركز صحي، منها 760 تابعة للقطاع الخاص و100 للقطاع العام، ويلفت بالقول: «يبقى دور وزارة الصحة ان يكون الضابط والمشرف والمنظّم. ويشير مهنّا، الى ضرورة تطوير وضعها في هذا الإطار لتنتقل من الخدمة تحت شعار التضامن الى الوقاية من المرض وان يقام مشروع «هوم كير» لتقوده هذه المراكز».
وما تجدر الإشارة اليه يقول مهنا: «الكثير من الحاجات الصحية يمكن ان تؤمنها هذه المراكز وتوسيع الشبكة قدر الممكن والجمعيات تتعاون على هذا الصعيد ضمن اشراف وزارة الصحة وبالتعاون مع منظمة الصحة والمنظمات الدولية والبلديات وهذا يجب ان يساعد في انشاء خارطة صحية للبنان تتوزع على المراكز بحسب الحاجات وتعزيز دور المستشفيات الحكومية في لبنان. ويردف، «المستشفيات الخاصة يتم تعزيز دورها من خلال العمليات المتخصصة وتنظيم هذا القطاع». وفي سياق طبي متصل، فإن الاقبال على العيادات الطبية النسائية وطب الأطفال الأكثر ارتيادا في مراكز عامل».
اما بالنسبة لمؤسسة مخزومي- القطاع الصحي، فالأرقام تؤكد ان الوضع الاقتصادي دفع بالمواطنين لمتابعة تطبيبهم عبر المراكز الصحية. وقد أفاد مدير عام المؤسسة السيد سامر الصفح لـ «الديار»، «لطالما كان مركز الرعاية الصحيّة الأوّلية في مؤسسة مخزومي مقصدًا لكثير من المستفيدين، نظرًا لجودة الخدمات المقدّمة، بالإشارة الى ان المركز حائز على الاعتماد الكندي بدرجة امتياز. ويلفت، الى تنوّع الخدمات الطبية بحيث تشمل معاينات طبيّة من كافة الاختصاصات، وفحوصات مخبرية، وصور أشعة وطب أسنان، وصحة نفسية، وتلقيح، وعمليات جراحية عياديّة الخ… وما يجدر التطرق اليه، أن الفترة الماضية ارتفعت نسبة المستفيدين ما بين 30 إلى 40%، وذلك ترجمةً للوضع الاقتصادي الخانق الذي يعانيه اللبنانيون على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية فالأزمة لم تفرّق بين أحد واخذت بطوفانها الجميع سواسية».
بالأرقام يقول السيد الصفح، «ارتفع عدد الخدمات الصحيّة المقدّمة من معدّل 2000 إلى 2500 خدمة شهريًا، ليصبح في الوقت الحالي بمعدّل 3500 إلى 4000 خدمة شهريًا. كما ارتفع عدد المستفيدين من المركز الصحّي من معدّل 1500 إلى 1700 فرد شهريًا، ليصبح بمعدّل 2200 إلى 3000 فرد شهريًا».
ويردف، «لوحظ ارتفاع الإقبال على الحملات الصحيّة المجانيّة من (معاينات وفحوصات مخبريّة) التي تقوم بها المؤسسة سواء في مركزها للرعاية الصحيّة الأوّلية في بيروت، أو عبر عيادتها النقالة على مختلف الأراضي اللبنانيّة، ولا بد من الإشارة الى هذه المسألة، إذ ارتفع عدد المقبلين وازداد سؤال المستفيدين عن مواعيد الحملات المقبلة».
المراكز ام المستشفيات؟
يلفت الصفح بالقول: «لا نعتقد بأن مراكز الرعاية الصحيّة الأوّلية ستستحوذ على الزخم على حساب المستشفيات، لأن لكلٍ منها دور مختلف عن الآخر، الا ان الأدوار متممة لبعضها البعض لكنها مختلفة. حيث تتولى مراكز الرعاية الصحيّة الأوّلية الحالات غير المستعجلة، فيما تتولى المستشفيات الحالات الطارئة والعمليات الجراحية الكبيرة».
ما المطلوب لاحتواء أكبر للازمة؟
يقول الصفح، «المطلوب في المرحلة المقبلة تطبيق الخطّة التي وضعتها وزارة الصحّة العامة، وهي الخطّة المتّبعة عالميًا، ألا وهي تقوية مراكز الرعاية الصحيّة الأوّلية، لتعزيز الخدمة الوقائية، من شأنه تحسين الصحّة المجتمعيّة، وبالتالي تخفيف الضغط عن المستشفيات».
عيادة طب الاسنان الأكثر ارتياداً
الأخت ريتا الخوري المسؤولة من المركز الصحي في منطقة كرم الزيتون لـ «الديار: ان أكثر عيادة اقبالا من المواطنين هي عيادة طب الاسنان نظرا لارتفاع تكلفة المستلزمات الخاصة من تلبيس وتقطيع العصب وتركيب ونزع الاضراس بحيث أضحت تكلفتها بالفرش دولار. لذا هذا القطاع هو الأكثر حشدا من المواطنين، بحيث ان التعرفة في المستوصف بالعملة الوطنية وهي زهيدة جدا بالمقارنة مع ما يتقاضاه أطباء الاسنان في عياداتهم الخاصة وتضيف، انهم ما زالوا يحاولون المضي رغم ارتفاع أسعار المستلزمات الطبية ولا ندري عن الغد شيء فهو بيد الرب».
وتردف الأخت ريتا قائلة: «بالإشارة الى عيادات أخرى تشهد تهافتا من قبل المواطنين أيضا وهي: «خدمات فحوصات الدم وصور الاشعة وصور الايكو والميموغراف والجينكو».
ان الدولة العناية «Etat Providence» التي تقوم بكل الخدمات قد انتهت، ومطلوب بناء «الدولة العصرية» «دولة الانماء والتطور» اي ان تشارك القطاعات الفاعلة في تحمل المسؤولية الوطنية.
خطة
يعتبر مدير مؤسسات عامل د. كامل مهنّا، «ان إعادة تنظيم المراكز والمستوصفات الصحية الاهلية والعامة، عبر اعتماد خارطة صحية للبنان بناءً على توجهات منظمة الصحة العالمية، يحدد في ضوء الحاجة دور كل جهة، يتم الاستغناء عما هو زائد، يستحدث ما هو ضروري، تحشد كل الطاقات في اتجاه تنفيذ خطة صحية وطنية شاملة بشكل مبدع وخلاق وإشراك كل الطاقات الفاعلة. ويتابع، يتم إعادة توزيع المهام بين المؤسسات الرسمية والاهلية في شكل تكاملي وتنسيقي ليكفل تنظيم دور القطاعين الخاص والاهلي في إطار هذه السياسة الوطنية الشاملة. كما يتوجب ترتيب اوضاع المراكز والمستوصفات من الناحيتين القانونية والتنظيمية والسعي لدى وزارة الصحة لإيجاد تشريع ملائم لطبيعة النشاط».
استراتيجية صحية تطوير البنى التحتية
يستكمل بالقول، «ان التأكيد على اعتماد الرعاية الصحية الاولية كاستراتيجية رئيسية لتأمين الصحة للجميع، واهم مضامينها تطوير البنى الصحية التحتية والمباشرة بتنفيذ المرسوم الاشتراعي رقم 159/83 المتعلق بإنشاء المناطق الصحية في لبنان وتطوير المشاريع المتعلقة بالرعاية الصحية الاولية. لتكون على الشكل الآتي:
- وضع سياسة دوائية وطنية تستجيب لاحتياجات الرعاية الصحية، من خلال التشريعات المناسبة لتنفيذ هذه السياسة واعتماد قوائم الادوية الأساسية، والاسراع في وضع عمل المكتب الوطني للدواء حيز التنفيذ.
- اعتماد هيكلية ادارية متطورة لوزارة الصحة تأخذ بعين الاعتبار الطابع التخصصي لها، مع اعتماد اصول وقواعد تنظيمية مرنة، تسمح لقيام الادارة بتأمين مهامها، وباستقطاب العناصر الصحية الكفؤة، وانتشار جغرافي يشمل معظم المناطق اللبنانية خصوصا الريفية منها، إضافة الى تعزيز ميزانية وزارة الصحة وتنظيم توزيع الموارد المالية العامة.
3.تنظيم مؤسسات العمل الاهلي على اسس عصرية، وتعزيز دورها في مجال الرعاية الصحية الاولية عبر مراكزها ومستوصفاتها الصحية.
- وضع خطة للاستعانة بالتكنولوجيا العالية وتوجيه الحالات المتخصصة نحو القطاع الخاص.
- دور القطاع الاهلي في عملية اصلاح النظام الصحي يجب بناءه من خلال مفهوم جديد لدور القطاعين العام والخاص والاهلي على اساس ان الصحة هي حق طبيعي للإنسان.