13 نيسان 1975 «تنذكر وما تنعاد»… حوّلت الزعماء من أمراء حرب الى «مُستحكمين»

Share to:

الديار – ندى عبد الرزاق

يمثّل 13 نيسان 1975 حدثا أليما يستذكره اللبنانيون بغصة، ففيه جُرّ لبنان الى حرب أهلية راح بسببها 150 ألف قتيل، 18000 مخطوف، 13 ألف مفقود، ناهيك بالسيارات المفخخة التي تجاوز عددها 2640، ومصرع ما يزيد على 2000 سيدة لقين حتفهن، بعدما تعرضن للاغتصاب المهين والمقيت للقيم الإنسانية.

فبعد مرور 48 عاما على حرب تأجج فيها كل شيء عدا الوطنية وحب الوطن الذي تعلّمنا انه من الايمان. يومذاك كان اليقين بالوطن صفرا عند الزعماء السياسيين والحزبيين، ولربما ما زال حتى اليوم. احتدم القتال بين أبناء البلد الواحد، والتبرير لا يشفي الندوب العميقة والواضحة التي ولدتها حرب أهلية، استمرت عسكرياً لأكثر من 15 عاما.

هذا الاشتعال العبثي على كافة الجبهات بلغ كافة المناطق اللبنانية، سُوغ بذرائع وحجج سخيفة مقارنة بما وقع على الأرض من اقتتال. فدّكت دولة المؤسسات، وما زال اللبنانيون يحصدون نتائج ما زرعته أطراف إقليمية ودولية حتى اليوم.

منارة وما زال!

لبنان الواحد هو منارة الدول، «سويسرا الشرق» حتى في ضعفه، ومحط انظار العالم لتغنّيه بقيم جميلة وفريدة كحرية القلم واللسان، ليكون الصوت في عرس البطولة مهرجانا وطنيا لا ينافسه فيه أحد، الى جانب حرية المعتقد والدين. تحوّل لبنان الى ساحة حروب متنقلة، انتجت اجيالا لا تنتمي الى هذا الوطن بشيء، يتصارعون عوضا عن التلاحم والتلاقي في وجه قوى الشر الخارجية، التي لطالما ابتغت ان يكون لبنان ساحة لحروبها وباحة لتصفية الحسابات، تستعرض فيه مشاكلها في ظل طبقة سياسية هزيلة، خانعة، ضعيفة، مستسلمة، مسيّرة، فاسدة وخاضعة للإملاءات. كانت خلال الحرب تشكل ترسانة ضد الوطن، فتحول هؤلاء الى امراء الحرب الاهلية حينذاك، لينقلبوا الى أمراء السياسة فيما بعد.

رصاصة حولت لبنان الى جحيم

إطلاق الرصاص على بوسطة تقلّ عددا من العناصر، قيل يومذاك انهم ينتمون الى منظمة التحرير الفلسطينية، كانوا عائدين من مهرجان احتفالي فلسطيني أقيم في منطقة صبرا – مخيم تل الزعتر حيث تباينت المعلومات حول ما اذا شاءت الصدف ام عن قصد ان تمر هذه الحافلة عبر عين الرمانة، ولتتعرض لإطلاق نار نتج منه مقتل 27 شخصاً.

بالموازاة، تزامنت هذه الواقعة، مع احتفال لتدشين كنيسة الخلاص للروم الكاثوليك في حضور الشيخ بيار الجميل مؤسس حزب «الكتائب» الذي تعرض الى إطلاق نار فور خروجه من الكنيسة، لتندلع على أثر هذه الحادثة معارك أدت الى حرب أهلية، فشلت فيها كل محاولات التهدئة «الكاذبة» والمختلقة، التي كانت تسعى الى مفاقمة الأوضاع الداخلية وتوسعت، ما ادخل البلد في دوامة صراعات وازمات ونزاعات ما زالت حتى اليوم.

بالمقابل، تتباين الآراء حول حقيقة ما جرى، ولكن يجزم الكثيرون ان الحرب بدأت في 13 نيسان من العام 1975، بعد محاولة اغتيال فاشلة حصلت للشيخ بيار الجميل أدت الى حادثة عين الرمانة.

الحرب انتهت والذكرى باقية ما بقي لبنان، ومخلدة في ذاكرة كل مواطن كان شاهدا عليها. الا ان ما حدث كان ظالما وطاغيا، لان البطش كان بين أبناء الوطن الواحد، وامتدت شرارته الى داخل الطائفة الواحدة.

اليوم لم يبق من تلك الحرب الضروس سوى حكايات وارشيف يروي ما حدث، وما اشبهه بما يجري اليوم! والأدلة على الأيام الغليظة والشريرة التي عاشها اللبنانيون، والتي لم يسلم منها أحد ، قائمة بالمباني التي ما زالت شاهدة على صواريخهم وقذائفهم والفواصل الترابية التي انتصبت ما بين حي وآخر، لتكون كترسانة لتفريغ الحقد الذي يغلي بداخلهم، ولتتحول بيروت الى «بيروتين»، ولبنان الى «لبنانين»، وانقسم البلد ما بين شرقية وغربية، وهذا التصنيف معتمد حتى اليوم.

بعض المباني ما زالت حتى هذا الوقت، شاهدة على اجرام تلك الحقبة، ولو كان لها لسان لنطقت صارخة: ارموا السلاح وكفوا عن سفك الدماء. والسؤال الذي هو حال لسان كل اللبنانيين: هل تعلّم اللبنانيون الدروس من الحرب الاهلية؟

الأسباب ذاتها تتكرر اليوم

الصحافي والكاتب سركيس أبو زيد قال لـ «الديار»، «بعد 48 سنة على 13 نيسان نرصد ان تفجير الأوضاع الأمنية في العام 1975 هو بسبب الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، التي ساعدت على تفاقم الاحداث يومذاك بسبب الحرمان وحاجة الناس». واشار الى انه «كانت توجد مجموعة احداث إقليمية لها علاقة بالصراع العربي- «الإسرائيلي»، ومطامع «إسرائيلية» في لبنان، الى جانب الوجود الفلسطيني في المخيمات والعمل الفدائي، والتنافس الدولي على لبنان ودوره وعروبته».

أضاف «نجد ان الأسباب ذاتها تتكرر اليوم لجهة الوضع المادي- المعيشي المتأزم، والنظام السياسي المتخاذل لإيجاد الحلول، وهو ما حدث في السابق، والطبقة السياسية فاسدة وعاجزة كالتي كانت في العام 1975، والصورة التي تتكرر كما هي الحال عليه اليوم، تبيّن عدم قدرة الطبقة على خلق العوامل الموجبة لإنقاذ لبنان وسحبه من أزمته». واكد ان «الوضع الإقليمي عربيا ودوليا ما زال مؤثرا كما كان في الماضي، ولهذا يشعر المراقب انه بعد مرور عقد ونصف من الزمن وكأن شيئا لم يتغير، وهذا يدل على ان العقدة هي في النظام والكيان والبنية».

وقال أبو زيد «نشاهد اليوم ان الطوائف وضعها مأزوم، وهناك اتصالات ولقاءات سرية تجري بعيداً عن الأضواء بين كل من «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» و»الكتائب اللبنانية» بهدف احياء الحلف الثلاثي الذي كان موجودا عشية الحرب الاهلية من العام 1975. لذا نترقّب مخاض للجبهة اللبنانية التي كانت كائنة في تلك الفترة، وهناك من يعمل على ولادتها». وأشارالى انه «في حال نجحت المساعي لإحياء الحلف الثلاثي، فالجبهة اللبنانية ستكون امام ردة فعل من الطوائف الأخرى لإنشاء حركة وطنية كالتي كانت وقتذاك او لتحالف القوى الإسلامية والوطنية، وتكرار أدوات الحرب الاهلية نفسها، اللهمّ الا إذا نشأت قوى وطنية حقيقية توقف هذا المسار».

ورأى ان «في تلك الحقبة كان هناك تراجع كبير لدور الأحزاب الوطنية والعلمانية والتقدمية، ولم يكن لها تأثير، وانجرّت وراء موجات الطائفية، ولم تستطع ان تشكل حالة مستقلة لها»، وقال: « كانت مفككة وغير قادرة على تمييز نفسها عن الحركات المذهبية الأخرى من خلال طرح وطني إصلاحي جذري، ولم يكن لهؤلاء جبهة حقيقية تجمع ما بين المقاومة والتغيير. ونحن اليوم امام تحد يتمثل بعجز القوى الوطنية عن تشكيل جبهة حقيقية مع مقاومة المطامع «الإسرائيلية» والسعي الى تغيير النظام، ولهذا من المرجّح ان تتكرر الأسباب نفسها التي شهدناها في العام 1975، الا إذا تمكنت القوى الإقليمية والدولية من إيجاد تسوية في الوقت القريب وفرضها على اللبنانيين».

تابع: «يجب السعي الى تكوين حركة وطنية حقيقية تقدّم مشروعا وتناضل من اجل نظام جديد، وتوقف مسار الحروب والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التي من المحتمل ان تؤدي الى حرب جديدة».

لبنان صندوق بريد وساحة لحروب الآخرين

بدورها، قالت الصحافية نتالي المر لـ «الديار»: «لا يمكن التوقف عند ١٣ نيسان الا وتكون مقاربة لبنان ضحية معادلات إقليمية وغربية متلازمة مع الذكرى، لطالما شكل لبنان صندوق بريد وساحة لحروب الآخرين، هذه الخلاصة تكون واقعية إذا نظرنا عن بُعد زمني شاسع الى ما قبل وما بعد شرارة بوسطة عين الرمانة». تابعت: «ما قبل هذه الشرارة يدل الى أن تكوين البلد لم يكن ليصنع منه وطنا لجميع أبنائه، يتساوون فيه بالحقوق والواجبات تحت مظلة الديموقراطية، فانتماءات الجماعات السياسية والمذهبية المختلفة والمتناقضة، وايلاؤها الولاءات الخارجية والمصالح الفردية والطائفية على حساب المصلحة الوطنية، واختلاف النظرة الى السيادة، جعل من البلد ساحة هشة نهشتها الديموقراطية التوافقية، وقضى السلاح المتفلت الممول من الخارج على هيبة الدولة وقدرتها على السيطرة على كامل أراضيها».

الجيل الجديد لم يتعلم الدروس

اما الصحافية غادة سلامة فاعتبرت «ان الجيل الجديد لم يتعلم الدروس، كونه لم يعايش تلك الحقبة الصعبة والقاسية، ولان لبنان منذ وجوده كناية عن ترسانة للغرباء، ومطية للصواريخ التي تخرج من ارضه دون معرفة الفاعل». واكدت ان « الأحقاد الطائفية والمذهبية يغذيها امراء الحرب ، الذين ما زالوا يتربعون على عروشهم في ظل وضع اقتصادي وضغوطات معيشية شديدة، ويتحركون كأحجار الدمى بإيعاز خارجي، وبدليل ما حدث مؤخرا بإطلاق الصواريخ من سهل القليلة في الجنوب باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكأنهم يستدرجون العدو الى حرب أولها معلوم وآخرها بين الأموات».

Exit mobile version