٤ آب وما أدراك ما ٤ آب، ذلك اليوم المزلزل الذي دمّر أحياء واسعة من المدينة العريقة. وقضى على ضحايا أبرياء شاء قدرهم أن يتواجدوا، أو أن يمرّوا، في منطقة المرفأ، والدائرة الكبيرة التي طالها عصف الإنفجار الرهيب.
٤ آب أحدث جرحاً عميقاً في جسد الوطن، وتسبب بشرخٍ واسعٍ في بنية المجتمع، وكشف السوسة التي نخرت هيكل الدولة، وفضح عجز السلطة عن حماية مواطنيها، وكرَّس عقم القضاء في إنتاج العدالة التي تبقى هي الفيصل بين الحق والباطل، وبين المعتدي وفريسته المعتدى عليها.
٤ آب سيبقى تاريخاً لثالث أقوى إنفجار في الكرة الأرضية، والذي يوازي القنابل النووية التي ألقيت على هيروشيما وناكازاكي وأدت إلى استسلام اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية.
ورغم فداحة الخسائر الإنسانية والحضارية التي أصابت البشر والحجر، فقد بقيت الممارسات المخجلة للسلطة، والتعامل المخزي مع تداعيات الإنفجار المدمر، دون مستوى حجم هذه الكارثة التي حلت بالوطن دون سابق إنذار، وخلّفت وراءها من المشاكل والأزمات ما يفوق الخيال!
مَن يُصدق مثلاً أن التحقيق القضائي توقف عند منعطف الخلافات السياسية، وعجز العدالة عن الحفاظ على إستقلالية القضاء، وهدم قدرتها على توفير الحماية اللازمة للقضاة؟
كيف نبرر الدعوة للإستعانة بالقضاء الدولي، ونحن سارعنا إلى محو آثار الجريمة وقرائنها، بسرعة البرق، وقبل أن تنجلي غبار الإنفجار المروِّع، حتى لا تظهر الحقيقة في وضح النهار؟
أي مسؤول يتجاهل طرف الخيط في هذه الجريمة النكراء التي نشرت الدمار والخراب، وأوقعت مئات القتلى والجرحى، وشردت آلاف العائلات من بيوتها، ويتغاضى عن ملاحقة ملف السفينة المشبوهة التي نقلت مواد الدمار، وكشف ملابسات محاولات إغراقها في مرفأ بيروت؟
بماذا يمكن أن يبرر المسؤول، أي مسؤول، عدم حصول أي تقدم في ملف التحقيق بجريمة العصر، رغم مضيّ ثلاث سنوات على وقوعها بالتمام والكمال؟
دماء الضحايا تصرخ على أعتاب القضاء العاجز، وعلى أبواب السلطة الفاشلة، وأرواح الأبرياء ستبقى أطيافها تقضُّ مضاجع أطراف المنظومة السياسية الفاسدة التي تواطأت في ما بينها لوأد الحقيقة في أنقاض الأبنية المنهارة بالإنفجار الزلزالي.
أما عمليات إعادة بناء المرفأ، وترميم مئات الأبنية المتصدعة، فقد دخلت دهاليز الصفقات المسمومة، وما زالت تدور في متاهات السمسرات الفاسدة.