كتب علي نور في “أساس ميديا”: في حصيلة العام 2020، سجّل القطاع العقاري أفضل أرقامه من ناحية عدد وحجم عمليات الشراء في السوق، في نتيجة طبيعيّة لأزمة المصارف وسعي الكثير من المودعين لتحويل ودائعهم إلى موجودات عقاريّة، في مقابل استفادة المطوّرين العقاريين من هذا الوضع للقبول بالشيكات المصرفيّة كوسيلة للدفع كي يسدّدوا التزاماتهم في المصارف.
لكنّ البحث في المؤشرات الأخرى يقودنا إلى الاستنتاج بأنّ هذه الطفرة في التداولات لم تكن سوى انتعاشة اصطناعيّة مؤقتة انتهت مفاعيلها في الربع الأخير من السنة، فيما تدلّ أسعار العقارات الفعليّة بالدولار الطازج وحجم المشاريع الجديدة، إلى وجود نكبة عقاريّة كبيرة تختبىء خلف الأرقام الجميلة المتعلقة بحجم التداولات في السوق العقاري.
خلال هذا العام، وحتّى شهر تشرين الثاني الماضي، تدلّ أرقام المديريّة العامة للشؤون العقاريّة إلى أنّ أكثر من 12.27 مليار دولار جرى استعمالها خلال تلك الفترة لشراء العقارات، في حين أنّ هذه القيمة لم تتجاوز حدود 5.74 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي. ما يعني أن قيمة التداولات العقاريّة سجّلت ارتفاعاً قياسياً بنسبة 113.78%. ومن ناحية العدد، تجاوز عدد عمليات الشراء مستوى 68.881 عمليّة، في مقابل 44.163 عمليات فقط خلال الفترة نفسها من العام السابق، بارتفاع نسبته 55% بين الفترتين. في حصيلة العام 2020، سجّل القطاع العقاري أفضل أرقامه من ناحية عدد وحجم عمليات الشراء في السوق، في نتيجة طبيعيّة لأزمة المصارف وسعي الكثير من المودعين لتحويل ودائعهم إلى موجودات عقاريّة هكذا سجّل القطاع أرقاماً قياسيّة لم يألفها في أوج الطفرة العقاريّة في لبنان. لكنّ هذه الصورة لا تعكس الواقع كما هو.
فطفرة التبادلات العقاريّة التي نتجت عن أزمة المصارف، أدت إلى ارتفاع وهمي في قيمة العقارات بالدولار المحلّي، أو الدولار المصرفي، وهو ارتفاع ناتج عن انخفاض قيمة هذا الدولار المحلي وسعي المودعين إلى التخلّص منه، لا من ارتفاع قيمة العقارات نفسها والإقبال عليها. أما الدليل إلى ذلك فهو أنّ قيمة العقارات الفعليّة بالدولار الطازج انخفضت، وفق المتابعين داخل القطاع، بأكثر من النصف بين تشرين الأول من العام الماضي وبين نهاية هذا العام. ولهذا السبب بالتحديد، لم تؤدِّ كلّ تلك الأرقام الإيجابيّة إلى أيّ نهوض حقيقي في القطاع العقاري، بل عكست أزمة مصرفيّة أدّت إلى ارتفاع شكلي في أرقام تداولات القطاع العقاري. أما القطاع العقاري نفسه، فيعيش أزمة عميقة على مستوى أسعار العقارات الحقيقي ومستقبل الطلب عليها.
هي انتعاشة مصطنعة انتهى أثرها في الأشهر الأخيرة من السنة، بعد أن سددت الغالبية الساحقة من الشركات العقاريّة التزاماتها إلى المصارف، وباتت تطلب الدولار النقدي مقابل عقاراتها بدل الشيكات المصرفيّة. مع العلم أنّ أرقام القطاع المصرفي تدلّ إلى أنّ أكثر من 12 مليار دولار من القروض التي استفادت منها الشركات العقاريّة جرى سدادها خلال هذا العام بشيكات مصرفيّة، ما يعني أنّ هذه الشركات استنفدت قدرتها على استيعاب الشيكات المصرفيّة عبر سداد الديون. وبالتالي من المتوقّع أن يعتمد العرض والطلب على العقارات خلال الفترة المقبلة على توفّر السيولة النقديّة، وهو ما سيضع القطاع العقاري بأسره أمام أزمة كبيرة. أزمة القطاع الفعليّة يمكن تلمّسها في مؤشّرات أخرى، كحجم المساحات المرخّصة للبناء.
هذه المساحات، وفقاً لأرقام نقابتي المهندسين في بيروت وطرابلس، انخفضت هذا العام بنحو الثلث مقارنة بالعام الماضي، لتبلغ نحو 3.89 مليون متر مربّع فقط. ما يعكس ابتعاد المطوّرين العقارين عن البدء بمشاريع جديدة، وعدم تفاؤلهم بمستقبل الطلب على الأقسام التجاريّة والسكنيّة. وهي أرقام تعكس إدراك الشركات العقاريّة أنّ طفرة التبادلات التي شهدها القطاع هذا العام لم تكن سوى حركة مصرفيّة مؤقتة وغير مستدامة، ولا تعكس إقبالاً أو تحوّلاً فعلياً في سوق العقارات على المدى الأطول.
هي انتعاشة مصطنعة انتهى أثرها في الأشهر الأخيرة من السنة، بعد أن سددت الغالبية الساحقة من الشركات العقاريّة التزاماتها إلى المصارف، وباتت تطلب الدولار النقدي مقابل عقاراتها بدل الشيكات المصرفيّة المتوقّع أن يواجه القطاع العقاري نكبة قاسية خلال السنة المقبلة. فبالتوازي مع استنفاد قدرة الشركات العقاريّة على تلقي الشيكات، لا تزال السيولة النقديّة غير متوفّرة في الأسواق كي تسمح بخلق أيّ طلب جديد.
أما الاستثمار الأجنبي، فبات شبه معدوم، وهو ما ينعكس أساساً في أرقام السجل العقاري التي تظهر تراجع استثمارات الأجانب في القطاع إلى أدنى مستوياتها.
وفي الوقت نفسه، يتوقّع أن تترك الأزمات الماليّة في بلدان الاغتراب أثرها على مستوى قدرة المغتربين على ضخّ استثمارات في القطاع.
أما الأزمة الكبرى، فتكمن في عدم قدرة المصارف على توفير أيّ تسليفات للمواطنين لشراء المساكن. علماً أنّ قروض مصرف الإسكان الممنوحة بالليرة اللبنانيّة لا تزال غير قادرة على حلّ الأزمة، خصوصاً بالنظر إلى عدم موافقة الغالبيّة الساحقة من الشركات العقاريّة على تقاضي أسعار الشقق بالليرة ومن خلال الشيكات المصرفيّة.
وذلك بسبب عدم قدرة هذه الشركات على سحب هذه السيولة وتحويلها إلى دولارات نقديّة في ظل القيود المفروضة على السحب بالليرة. ولذلك، لم يشهد مصرف الإسكان مؤخراً أي إقبال على القروض السكنيّة التي يعرضها، رغم تسويقه المتكرّر في الوسائل الإعلاميّة لهذه القروض.
باختصار، يبدو أنّ الأزمة ضربت عميقاً في القطاع العقاري تماماً كما ضربت مختلف القطاعات الاقتصاديّة اللبنانيّة.
أما البحث في الحلول اليوم فمستحيل قبل المباشرة بمعالجة الأزمة الماليّة بشكل متكامل وشامل، تمهيداً لمعالجة مشاكل السيولة التي أدّت إلى تدهور أحوال هذا القطاع وسائر القطاعات الأخرى.
منقول