باتت منصات التواصل الاجتماعي جزءًا أساسياً من الحياة اليومية للعديد من الأشخاص خلال العقد الماضي، معلنةً بدء حقبة العصر الرقمي.
بدأت هذه الحقبة مع ظهور تطبيق “فيسبوك”، الذي مهد الطريق لعدد كبير من المنصات الأخرى، مقدّمةً كل منها مزاياها الفريدة. أدى هذا الانتشار للوسائط والتطبيقات الاجتماعية، خاصة تزامنًا مع ظهور الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، إلى جعل هذه المنصات في متناول الجميع بشكل كبير جداً. فتتيح سهولة نقل هذه الأجهزة للمستخدمين حمل شبكاتهم الاجتماعية معهم بشكل افتراضي طوال الوقت.
بينما انجذب عدد كبير من الأفراد إلى هذه المنصات، تصاعد استخدام شريحة كبيرة منهم، إلى فترات طويلة من المشاركة المفرطة، مما أثر على حياتهم وتفاعلاتهم الاجتماعية. وقد تم تصنيف هذه الظاهرة على أنها إدمان على وسائل التواصل الاجتماعي.
الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي
ظهر اتجاه مثير للقلق بين الأجيال الأصغر، حيث يقضي الأطفال والمراهقون معظم يومهم غارقين في وسائل التواصل الاجتماعي والمساحات الإلكترونية. فوصل هذا الاعتماد إلى نقطة يصعب عليهم فيها الانفصال حتى لفترات وجيزة. وبالتالي، فإن هذا الارتباط المفرط له عواقب سلبية بالغة، مما يؤدي إلى إضرار بتجاربهم في الحياة الواقعية، وفي حالات شديدة، يسبب ضررًا كبيرًا لصحتهم العامة.
يعتبر العديد من الأفراد أن وسائل التواصل الاجتماعي هي بمثابة علاج للوحدة والتوتر، بخاصةً خلال جائحة COVID-19 عندما تقلصت التفاعلات وجهاً لوجه. ومع ذلك، يكشف الواقع عن تأثير أكثر تعقيدًا على الصحة العقلية. يؤدي الانخراط في وسائل التواصل الاجتماعي إلى زيادة كبيرة في إشارات الدوبامين، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالناقلات العصبية المرتبطة بالمتعة في الدماغ.
فتخلق هذه الزيادة في الدوبامين شعورًا بالرضا، وهذا يعتبر كنوع من أنواع التعزيز للإدمان. تُعزز المشاعر الإيجابية التي يتم اختبارها أثناء استخدام هذه المنصات الرغبة في تكرار النشاط، مما يكاد يشكل عادةً. فتشبه هذه العملية الإدمان إلى حد كبير، حيث يتوق الدماغ إلى اندفاع الدوبامين الذي يتم إطلاقه أثناء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
نتيجة لذلك، يصبح الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي دوريًا. فمع انخفاض مستويات الدوبامين، تشتد الرغبة في العودة إلى هذه المنصات، مما يؤدي إلى استمرار حلقة الاستخدام والاعتماد. يصبح سحر الشعور بالاتصال واندفاع المتعة المرتبط باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي قوة مقنعة، غالبًا ما تطغى على العواقب السلبية المحتملة على الصحة العقلية.
يشكل الاستخدام المتكرر والتكراري لوسائل التواصل الاجتماعي، بدافع السعي وراء المتعة الناتجة عن الدوبامين، تحديًا كبيرًا، مما يخلق نمطًا سلوكيًا يصعب تغييره، مما يؤدي إلى إمكانية الإدمان.
في حين توفر هذه المنصات شعورًا بالاتصال، فإن الاعتماد عليها لتحقيق الإشباع العاطفي يمكن أن يؤدي بدوره إلى الاعتماد وفي بعض الحالات تفاقم مشاعر الوحدة والقلق.
فيصبح من الضروري موازنة فوائد التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع الاستخدام الواعي. لذا، يعد وضع الحدود، وإدراك الطبيعة الإدمانية لهذه المنصات، والبحث عن وسائل بديلة للتفاعل الاجتماعي وتخفيف التوتر، أمرًا محوريًا في حماية الصحة العقلية في عالم رقمي متزايد.
أعراض الإدمان
في حديث خاص لـ “الديار”، كشفت المعالجة النفسية في عيادات “براين ستايشن – Brainstation”، “نور عيد”، عن أعراض الإدمان وفقاً للنقاط التالية:
- تأثير مواقع التواصل الإجتماعي على نواحٍٍ عدة من حياة الشخص، كالعمل والدراسة. فقضاء وقت كبير جداً في التصفّح يؤثر سلباً على أدائه ويجعله غير منتج.
- الشعور بالغضب في حال عدم التمكّن من تصفّح مواقع التواصل الإجتماعي.
- إستخدام مواقع التواصل الإجتماعي في أوقات لا يجب اللجوء فيها إليها، كأثناء ممارسة الرياضة، العمل، حضور مناسبة معيّنة…
- كثرة التفكير فيها عندما لا تستخدمها، مثل نفاذ الطاقة في الهاتف الذكي.
ولكن بالطبع هناك حلول لمشكلة الإدمان على مواقع التواصل الإجتماعي، التي تتمثل في تحديد وقت معين لتصفح مواقع التواصل الإجتماعي، الخروج دون الهاتف الذكي لفترة معينة، إزالة تطبيقات التواصل الإجتماعي عن الهاتف الذكي وحصرها فقط بالحاسوب، كما يمكن اللجوء لممارسة هوايات جديدة بدلاً من تصفّح مواقع التواصل الإجتماعي لوقت طويل.
وفي هذا السياق، كشفت “عيد” أنّه يتم العمل على أفكار الإنسان السلبية تجاه مواقع التواصل الإجتماعي كي تتغير مشاعره، وعندما تتغير مشاعره، بالتالي تتبدّل تصرّفاته. فضلاً عن التقنيات النفسية التي أتينا على ذكرها.
أضرار جسدية ونفسية!
على الرغم من إيجابيات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن استخدامها يحمل في طياته مجموعة من السلبيات، لعلَّ أبرزها:
- أسلوب الحياة الخامل: غالبًا ما يؤدي الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي إلى نمط حياة خاملة، مما يقلل من مستويات النشاط البدني. فيمكن أن يساهم قضاء ساعات طويلة في الجلوس في زيادة الوزن وزيادة الدهون في الجسم ومشكلات صحية أخرى.
- سوء الوضعية ومشكلات العضلات الهيكلية: يمكن أن يؤدي الانخراط في وسائل التواصل الاجتماعي لفترات طويلة، غالبًا في وضعيات غير مريحة أثناء حمل الهواتف الذكية أو الجلوس أمام أجهزة الكمبيوتر، إلى سوء الوضعية. فيمكن أن يؤدي هذا إلى إجهاد الرقبة وآلام الظهر ومشكلات العضلات الهيكلية بمرور الوقت.
- اضطراب النوم: يمكن أن يؤدي الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي، خاصة قبل النوم، إلى تغيير أنماط النوم. فيمكن أن يتداخل التعرض للشاشات التي تنبعث منها الضوء الأزرق مع دورة النوم الطبيعية للجسم، مما يؤدي إلى اضطرابات النوم والأرق، وفي النهاية يؤثر على الصحة الجسدية العامة والرفاهية.
- إجهاد العين والصداع: يمكن أن يؤدي قضاء فترات طويلة في النظر إلى الشاشات إلى إجهاد العين وجفافها وعدم وضوح الرؤية والصداع. كما يمكن أن يتفاقم هذا الانزعاج بسبب الإضاءة والتعرض الطويل للشاشات دون فترات راحة.
أمّا بالنسبة لآثار الادمان على وسائل التواصل الاجتماعي النفسية، وبحسب المعالجة النفسية، فأنّ آثاره سلبية جداً على صحة الإنسان النفسية، فيخلق شعوراً من القلق والإكتئاب، نتيجة التصفح المتكرر والانتظار، الانعزال عن المجتمع الواقعي، ما قد يسبب الوحدة. فضلاً عن تراجع الأداء العملي والدراسي، انخفاض الثقة بالذات بسبب مقارنة حياتهم بالآخرين.
إن إدراك هذه الآثار الصحية الجسدية أمر ضروري لفهم مدى الضرر الذي يمكن أن يلحقه الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي بالجسم. فيمكن أن يساهم تطبيق استراتيجيات للتخفيف من هذه الآثار، مثل أخذ فترات راحة، والحفاظ على وضعية جيدة، وتقليل وقت الشاشة، وممارسة عادات نوم جيدة، في تحسين الصحة الجسدية بشكل أفضل في عصر الاتصال الرقمي.
الأطفال ومواقع التواصل الإجتماعي
في هذا الصدد، سلّطت المعالجة النفسية الضوء على أهمية وفداحة مسألة التنمر الإلكتروني لدى الأطفال، الذين يتعرّضون بنسب عالية للتنمر مما يؤثر بشكل سلبي جداً على نفسية الطفل. لذا، شددت “عيد” على أهمية تواصل الأهل مع الأطفال والاستماع إليهم، الوقوف بجانبهم، وإخبارهم عن أنواع الأشخاص العدّة وفي الوقت عينه إقناعم بأنهم غير مستهدفين شخصياً. كما شددت على ضرورة تكثيف حملات التوعية حول آفة التنمر عامةً ولدى الأطفال خاصةً، ودعت الأهل لإخبار أطفالهم مسبقاً عن التنمر الإلكتروني لحماية أنفسهم منه.
الهواتف الذكية ومواقع التواصل: قاتل خفي على الطرق
يشهد لبنان خسائر فادحة في الأرواح، بسبب حوادث السير ولا سيما بين الفئة العمرية الأصغر، مما يجعلها من بين الأسباب الرئيسية للوفاة. ومع الأسف، يعزى سبب هذه الحوادث الكارثية في أغلب الأحيان، إلى تصفّح مواقع التواصل الإجتماعي على الهواتف أثتاء القيادة أو حتى إجراء الإتصالات. فهذا الأمر بات أشبه بوباء متنقّل يتفشّى بين الناس ويعرّض حياتهم وحياة الآخرين للخطر!
على الرغم من العديد من حملات التوعية التي تسلط الضوء على المخاطر، فإن إغراء البقاء على اتصال بمواقع التواصل الإجتماعي غالبًا ما يتجاوز مخاوف السلامة.
إنّ تأثير استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أثناء القيادة متعدد الأوجه. يخلق شكلًا من أشكال التشتيت يُعرف باسم التشتيت المعرفي، مما يحول انتباه السائق عن الطريق إلى الشاشة، فيؤدي هذا الانقسام في الانتباه إلى إضعاف زمن رد الفعل وقدرات اتخاذ القرار بشكل كبير، مما يزيد من خطر الحوادث.
علاوة على ذلك، فإن الإلهاءات البصرية واليدوية الناجمة عن النظر إلى الشاشات وكتابة الرسائل تزيد من المخاطر. كما يمكن أن يؤدي الانقطاع المؤقت في الانتباه إلى عواقب وخيمة على الطريق، مما يعرض للخطر ليس فقط سلامة السائق، ولكن أيضًا سلامة الركاب والمشاة وسائقي السيارات الآخرين.
هذا ويتطلب معالجة هذه المشكلة نهجًا متعدد الأوجه. بصرف النظر عن حملات التوعية المستمرة، يمكن أن يكون تطبيق قوانين وعقوبات أكثر صرامة لاستخدام الأجهزة المحمولة أثناء القيادة بمثابة إجراء رادع. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد الحلول التكنولوجية مثل التطبيقات التي تقوم بتعطيل وظائف الهاتف أثناء تحرك السيارة في تخفيف إغراء الانخراط في وسائل التواصل الاجتماعي أثناء القيادة.