تظهر مراسلات بين مؤسسات قضائية ووزارية عدة أن وزارة المالية في لبنان تمتنع عن القيام بخطوات طلبتها النيابة العامة التمييزية لحفظ حق لبنان في أي أموال يجري استردادها في قضايا اختلاس مرفوعة في الخارج يشتبه في تورط حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فيها.
ويتعلق الأمر بأنه، في حالات مشابهة، عندما تتولى دولة خارجية متابعة التحقيق والحكم في قضايا اختلاس جرت وقائعها على أراضيها كلياً أو جزئياً، تحتفظ لنفسها بنسبة من الأموال المستردّة يتم تحديدها بناء لاتفاقيات، ما يوجب على الحكومة اللبنانية المبادرة بخطوات عملانية وذات طابع قانوني لضمان حق لبنان باسترداد كامل هذه المبالغ أو جزء منها. أما في حال امتناع لبنان عن الادعاء وفتح المحاكمة في الملف، فتتراجع حظوظه في الحصول على نسبة معقولة من هذه الأموال، كون القانون الدولي يسمح لأي دولة تصدر حكماً على مصرف لبنان بمصادرة جميع الأموال المستردّة.
ومن جهة قانونية، فإن مصرف لبنان مؤسسة مستقلة عن الخزينة اللبنانية، وهذا ما حال دون تمكّن أي دائن أجنبي من حملة سندات خزينة بالدولار من الحجز على موجودات مصرف لبنان وشركاته ولا سيما الطائرات بعد توقف لبنان عن السداد. وبالتالي فان القضية القائمة الآن، تخص مصرف لبنان كون الاختلاس القائم عبر شركة «فوري» استهدف أموالاً تعود للمصرف نفسه، بالتالي فهو المتضرر ما يمنحه حصرية الحق بطلب الحجز على أموال سلامة.
ومع أن الجميع يعرف أن مجرد حصول مراسلات رسمية تحتوي على إقرار ضمني بأن سلامة متهم بجريمة عامة، يفرض على السلطات الرسمية اتخاذ إجراء احترازي أقله ما يقضي بوقفه عن العمل. إلا أن الإدارة السياسية للبنان تجعل سلامة أقوى من السلطات القضائية الداخلية والخارجية، وهو ما يبرز من خلال نفوذ الفريق الداعم له الذي عطل هذه المراسلات وحجزها في وزارة المالية من دون تركها لتصل إلى خواتيمها الإجرائية.
المراسلات
وتظهر المراسلات التي اطلعت «الأخبار» على نسخ منها، أن النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات كان قد بعث بتاريخ 21/10/2021 بكتاب إلى رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل ورد فيه:
«الموضوع: إعلام عن الأموال المجمدة لرياض توفيق سلامة وشركائه خارج لبنان
بالإشارة إلى الموضوع المنوّه عنه أعلاه، نحيطكم علماً أنه في إطار تحقيقات قائمة في عدد من البلدان الأوروبية بحق رياض توفيق سلامة وآخرين بجرائم اختلاس وتبييض أموال وتهرب ضريبي، تم تجميد أموال عائدة لرياض سلامة في سويسرا بقيمة 50 مليون دولار أميركي وفي اللوكسمبورغ بقيمة 11 مليون دولار أميركي ويتم التحقيق بالجرائم عينها في ألمانيا حول أموال قيمتها 26 مليون دولار أميركي».
وفي 29/3/2022 أرسل عويدات كتاباً ثانياً إلى الجهة نفسها ورد فيه:
«بالإشارة إلى الموضوع المنوّه عنه أعلاه، نحيطكم علماً أنه في إطار تحقيقات قائمة في عدد من البلدان الأوروبية بحق رياض توفيق سلامة وآخرين بجرائم اختلاس وتبييض أموال وتهرب ضريبي تم تجميد أموال عائدة لرياض سلامة في سويسرا بحوالي 50 مليون دولار وفي اللوكسمبورغ بحوالي 11 مليون يورو وفي فرنسا بقيمة 64.2 مليون يورو، وفي ألمانيا بحوالي 35 مليون يورو، وفي بلجيكا بحوالي 7 ملايين يورو، بحسب ما ورد في بيان صادر عن وكالة يوروجوست.
إن النيابة العامة التمييزية سبق أن طلبت من كل من سويسرا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا واللوكسمبورغ تجميد الأموال العائدة لكل من رياض توفيق سلامة ورجا توفيق سلامة، وسوف نوافيكم بالأجوبة على طلبات التجميد، فور ورودها إلينا.
للتفضل بالإطلاع، واتخاذ ما ترونه مناسباً من إجراءات لحفظ حقوق الدولة اللبنانية في الأموال المحجوزة».
وبناء على الكتاب، راسلت الهيئة وزير المالية يوسف الخليل وطلبت بالإشارة إلى كتاب عويدات:
«أولاً بيان الرأي بشأن الادعاء على حاكم مصرف لبنان الذي تم تجميد أموال عائدة له كان وضعها في مصارف سويسرا واللوكسمبورغ وفرنسا وبلجيكا والناجمة عن ملاحقته بجرائم اختلاس وتبييض أموال وتهرب ضريبي.
ثانياً: تكليف محام أو مكتب محاماة لمعاونة رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل لاسترجاع هذه الأموال ومصادرتها لصالح الدولة اللبنانية.
ولما لم يردنا أي جواب لغاية تاريخه،
ولما كان المدعي العام التمييزي بكتابه إلينا بتاريخ 29/3/2022 أبلغنا أنه سبق له وطلب تجميد الأموال العائدة لكل من حاكم مصرف لبنان وشقيقه رجا سلامة في البلدان المنوه عنها أعلاه وأنه سوف يوافينا بالأجوبة على طلبات التجميد فور ورودها إليه، مطلعاً هيئة القضايا على هذه الوقائع لاتخاذ ما تراه مناسباً من إجراءات لحفظ حقوق الدولة اللبنانية في الأموال المحجوزة.
ولما كانت الأموال المجمدة تعود للدولة اللبنانية في حال ثبوت الجرائم بحق حاكم مصرف لبنان وشركائه، ما يقتضي تكليف محام وفقاً لما تفرضه الأصول القانونية، للتقدم بطلب حجز هذه الأموال لصالح الدولة اللبنانية والادعاء بحق هؤلاء المدعى عليهم، وذلك للحؤول دون مصادرتها من قبل الدولة الأجنبية التي يلاحق قضائياً أمامها تطبيقاً لقوانين بلادهم».
وأضافت الهيئة في مراسلة ثانية إلى وزير العدل هنري خوري أنه «لما لم يردنا أي جواب لغاية تاريخه ورفعاً للمسؤولية عن هيئة القضايا الممثلة القانونية للدولة اللبنانية أمام المحاكم في لبنان والخارج، رأينا أنه من الواجب إحالة كتاب المدعي العام التمييزي المنوه عنه أعلاه إلى معاليكم للإطلاع عليه، واتخاذ ما ترونه مناسباً لجهة عرضه على مجلس الوزراء لاتخاذ القرار بشأن الادعاء على حاكم مصرف لبنان ورفاقه الذين يلاحقون بجرائم اختلاس وتبييض أموال وتهرب ضريبي في بعض البلدان الأوروبية حيث تم تجميد أموال عائدة لحاكم مصرف لبنان السيد رياض سلامة في سويسرا بحوالي 50 مليون دولار وفي اللوكسمبورغ بحوالي 11 مليون يورو وفي فرنسا بقيمة 64.2 مليون يورو وفي ألمانيا بحوالي 35 مليون يورو وفي بلجيكا بحوالي 7 ملايين يورو وفقاً لما ورود في كتاب حضرة المدعي العام التمييزي».
وبعدها راسل الوزير خوري الأمانة العامة لمجلس الوزراء طالباً أن يُعرض على مجلس الوزراء «موضوع إعطاء الموافقة وتفويض وزير العدل، باختيار محام أو أكثر في الدول الأوروبية حيث تم تجميد أموال عائدة لرياض سلامه، ورفاقه، لمعاونة رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل في الدفاع عن الدولة اللبنانية في الخارج لتحصيل واستعادة الأموال الناتجة عن جرائم اختلاس وتبييض أموال وتهريب ضريبي وغيرها من الجرائم الملاحق بها رياض توفيق سلامة وآخرين، والتدخل لدى الجهات القضائية المختصة لدى البلدان الأوروبية من أجل متابعة القضايا ذات الشأن وطلب الحجز على الأموال لصالح الدولة اللبنانية والادعاء على المدعى عليهم توصلاً لاستعادة الأموال المجمدة والحؤول دون مصادرة هذه الأموال من قبل الدول الأجنبية حيث الملاحقات الجزائية جارية بحق السيد رياض سلامة وآخرين، وإجراء كل ما يلزم في هذا الشأن، على أن يصار لاحقاً إلى عرض العقود المزمع توقيعها على مجلس الوزراء وفقاً للأصول وللموافقة عليه وعلى الأتعاب التي ستتوجب تمهيداً لإعطائه مجراه القانوني».
لكن الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية رد على كتاب وزير العدل بكتاب آخر قال فيه: «نعيد إليكم ربطاً نسخة عن كامل الملف المتعلق بالاستعانة بمحامين لمعاونة رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل في الدفاع عن الدولة اللبنانية في الخارج لتحصيل واستعادة الأموال الناتجة عن جرائم اختلاس وتبييض أموال وتهرب ضريبي في القضايا الجزائية القائمة بحق رياض سلامة وآخرين، للتفضل باستطلاع رأي وزارة المالية والإعادة تمهيداً لإعطاء الموضوع مجراه القانوني».