من سخرية الأقدار أن تبدي إسرائيل حرصها على حقوق اللبنانيين النفطية فتحوّل قضية الترسيم إلى مادة “تنغيم” وضرب على وتر الاقتصاد اللبناني المنهار لحث المسؤولين اللبنانيين على الاستعجال في المفاوضات الحدودية والاستفادة من “مصادر الطاقة”، بينما على المقلب الآخر لا تزال السلطة اللبنانية في حالة “ضياع” بين الخطوط البحرية، لا تملك تصورا واضحاً أو موقفاً واحداً على طاولة المفاوضات خارج إطار اللف والدوران في حلقات مفرغة من مناورات التنقيب عن المغانم السياسية والشخصية في حقول الثروة الوطنية.
ومشهد “الضياع” الرسمي هذا، من المرتقب أن يكسر رتابته اليوم الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي سيعمد في إطلالته المتلفزة مساءً إلى إعادة تعويم مركب السلطة وتحديد “البوصلة” أمامها عشية الزيارة المرتقبة للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، حيث أكدت مصادر مطلعة على أجواء اللقاء الذي عقده وزير الخارجية عبد الله بو حبيب مع السفيرة الأميركية دوروثي شيا أمس أنها أكدت عزم هوكشتاين التجاوب مع المناشدات اللبنانية الرسمية للقدوم إلى لبنان، من دون غوصها في تفاصيل مهمته على اعتبار أنّ “التفاصيل تُبحث معه”.
على الأثر، سارع بو حبيب إلى قصر بعبدا لوضع رئيس الجمهورية ميشال عون في أجواء “معطيات” السفيرة الأميركية ومروحة الاتصالات الديبلوماسية الجارية لمعالجة قضية بدء إسرائيل بعمليات استخراج الغاز من المنطقة المتنازع عليها. وأوضحت مصادر الرئاسة الأولى لـ”نداء الوطن” أنّ الوسيط الأميركي ينتظر “موقفاً موحداً” من لبنان يتيح استئناف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، نافيةً في المقابل ما يتردد عن اشتراط هوكشتاين تلقيه “جواباً خطياً” على الطرح الذي حمله خلال زيارته الأخيرة، وفضّلت عدم استباق الأحداث قبل عودته “فلا شيء محسوماً بعد… بدنا نسمعلو وبدو يسمعلنا”.
وأمس، كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي واضحاً في إبداء عدم حماسته لدعوة مجلس الوزراء للانعقاد في جلسة مخصصة لبحث مستجدات ملف ترسيم الحدود البحرية، مؤكداً إبقاء الموضوع ضمن إطار التنسيق الثنائي بينه وبين رئيس الجمهورية “لبحث الخطوات الواجب اتخاذها”. وإذ لم يُخفِ ميقاتي التطابق في المواقف مع عون لناحية اعتباره أنّ الخط 29 ليس سوى مجرد “خط تفاوضي”، شدد من هذا المنطلق على أنه ليس مستعداً “للقيام بأي عمل ارتجالي يعرّض لبنان للمخاطر”، وعلى وجوب حل الموضوع الحدودي “بدبلوماسية عالية ورويّة”.
تزامناً، برز تحذير مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، بربارة ليف أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ من أنّ “لبنان الآن هو على شفير انهيار الدولة والمجتمع”، مبدية في المقابل حرص واشنطن على تجنّب هذا الانهيار لأن انعكاس ذلك لن يقتصر على اللبنانيين بل سيشمل دول المنطقة “بشكل أوسع وأكبر”. وكشفت في هذا الإطار أنّ “العاهل الأردني هو أكثر الأشخاص القلقين بين شركائنا حيال احتمال الانهيار في لبنان ويريد أن يقوم بكل شيء ممكن لتخفيف هذا الاحتمال”، مشيرةً في الوقت عينه إلى أنّ بلادها لم تتخذ أي قرار بعد حيال منح الاستثناءات المتصلة بالعقوبات على سوريا لاستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية إلى لبنان “لأنّ هذه الدول لم توقّع أي عقود بعد” بهذا الخصوص.
ورداً على سؤال حول مدى فعالية المساعدات الأميركية للجيش اللبناني، شددت ليف على أنّ “القوات المسلحة اللبنانية على شفير أن تصبح المؤسسة الوطنية الوحيدة التي لديها القدرة على الحفاظ على الأمن وتخفيف بعض انعكاسات انهيار لبنان (…) وآخر شيء نريد أن نراه هو انهيارها أيضاً”.
أما في جديد مناشدات البطريرك الماروني بشارة الراعي للمسؤولين بغية المسارعة في وضع حد للانهيار والشروع في إنقاذ البلد وأبنائه، فجدد أمس الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي ضمن مهلة الشهرين التي ينص عليها الدستور، لكي “يتمكن الرئيس الجديد من قيادة سفينة الوطن بحكمة ودراية إلى ميناء الأمان”، آملاً في الوقت عينه أن يصار إلى “تشكيل حكومة جديدة في أسرع ما يمكن لتتمكن من القيام بواجباتها كسلطة إجرائية”.