نداء الوطن – كلير شكر
يعترف أحد المقرّبين من رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري بأنّ الثنائي الشيعي، ومن ضمنهما طبعاً “حزب الله”، يحاول قدر المستطاع اقناع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بتدوير الزوايا للوصول إلى تفاهم يسمح بولادة الحكومة، علّها تتمكن من وقف التدهور الحاصل.
بتقديره، إنّ الأيام القليلة المقبلة ستكون فاصلة في ما خصّ الملف الحكومي. إمّا ينجح “الخليلان” في تذليل العقد والعقبات، وآخرها منح “تكتل لبنان القوي” الثقة للحكومة، بعدما جرى التفاهم على معظم الحقائب، فتولد الحكومة قبل أيام قليلة من الانفجار الكبير… وإمّا يحصل الافتراق الحتمي من خلال اعلان الحريري اعتذاره، لينتقل فوراً إلى صفوف المعارضة لخوض معركته الانتخابية، المصيرية.
فعلياً، تلقي الانتخابات النيابية بثقلها على الاستحقاق الحكومي. “تيار المستقبل” يخشى خوض غمار الحلبة النيابية اذا لم يكن متخففاً من بعض أثقاله، ولذا يتردد في تأليف حكومة اذا لم تكن إنقاذية الطابع، قادرة على تحقيق الانجازات وتضع حداً للانهيار. كذلك يخاف “التيار الوطني الحر” الالتحام بحكومة مقدّر لها أن تغرق في مستنقع الخلافات فتتحول إلى نسخة طبق الأصل عن حكومة الحريري الأخيرة، ولو أنّ اشتراط باسيل عدم منح فريقه النيابي الثقة للحكومة فيه شيء من الانفصام السياسي، لكون “التيار” هو حزب العهد ويده التنفيذية، مهما حاول العونيون رسم خطوط وهمية للفصل بينهم وبين رئاسة الجمهورية.
ولذا راح العونيون يشحذون سكاكين خطابهم الانتخابي. واولى “طعناته” جاءت في “ظهر” حليفهم الشيعي، أي “حزب الله”، من خلال حملات المزايدة التي يمارسونها ضدّ سلاح “حزب الله” وسلوكه في إدارة الدولة، ما يشي بأنّ “التيار” قد ينقلب على خطابه التحالفي، فيوجّه سهام انتقاداته إلى “حليف مار مخايل”، لاعتقاده أنّ الشارع المسيحي بات أقرب إلى هذا الخطاب والذي سيكون عنوان حملات الخصوم المسيحيين، الانتخابية، خصوصاً وأنّ “التيار” يعاني تراجعاً هائلاً في شعبيته ويواجه تحدي تحسين موقعه في الشارع، الأمر الذي قد يفرض عليه خيارات صعبة لا سيما على مستوى الخطاب.
والأرجح أنّ هذا السيناريو بات على طاولة نقاش الكثير من القوى السياسية. اذ يقول بعض خصوم العونيين، إنّ الاستحقاق الحكومي قد يكون آخر اختبارات تفاهم مار مخايل، لاقتناع أنّ لـ”الحزب” مصلحة في تأليف الحكومة فيما حليفه العوني لا يجاريه في هذا المشروع، ولو أنّ العهد أكثر المتضررين من الفوضى المرجّح حصولها في حال عدم تأليف حكومة. ولذا يرون أنّ تفاهم “مار مخايل” بات على المحك، وقد يطيحه الخلاف حول الحكومة، من دون أن يعني ذلك تحوّل “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” إلى خصوم، لكنّ التباين بين الفريقين سيترك ندوباً عميقة في العلاقة، التي شهدت في السنوات الأخيرة الكثير من “النزلات” والاخفاقات والاختلافات في وجهات النظر.
والأرجح أنّ هذه القراءة تدفع الحريري إلى انتظار ما ستؤول إليه مساعي “صديقه” رئيس مجلس النواب نبيه بري، قبل أن “يبق بحصة” الاعتذار. وهو جدّد حديثاً “تمسكه بمبادرة رئيس البرلمان المستمدة من روحية المبادرة الإنقاذية التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي “تأخذ البلد إلى الخلاص من أزماته”. ما يعني أنّ رئيس الحكومة المكلّف يعوّل على حراك “الخليلين” ويعتبره آخر خرطوشة يمكن الركون اليها في التأليف.
على ضفّة “حزب الله”، لا تبدو الخشية من انقلاب في خطاب “التيار الوطني الحر”، حاضرة في مقاربة الحزب إلى حليف مار مخايل. وفق المطلعين على موقفه، فإنّ جبران باسيل يعرف كيف يحافظ على التوازن في خطابه، بين توجيه الانتقادات حيناً والدفاع عن “الحزب” أحياناً، وهو يعتمد هذه الاستراتيجة منذ فترة غير قليلة. والأرجح أنّه لن يحيد عنها عشية الانتخابات النيابية.
عملياً، تعاني العلاقة بين حليفي “تفاهم مار مخايل” تشوّهات خلقيّة صارت جلية للعيان، لكنها لم تصل يوماً إلى حدّ الافتراق، ولو أنّ “التيار” راح ينتقد “الحزب” طوال الفترة الماضية لعدم مساندته في مكافحة الفساد، ما يعني تحميله مسؤولية الانهيار الناجم عن سوء الإدارة المالية للدولة. فهل سيتمكن من تبرير هذا التوازن في خطابه أمام الجمهور؟