بعد ردّ قانون السرية المصرفية من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون، وفي ضوء استمرار التأخير في إقرار قانون ال»كابيتال كونترول»، ووسط الضبابية في الإتجاهات النيابية إزاء مشروع قانون موازنة العام الحالي، والتي تأخرت لأشهر عدة، بات مصير المفاوضات المرتقبة بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي في دائرة التهديد، نتيجة عدم التزام لبنان الواضح بأيٍ من الشروط التي كان وضعها صندوق النقد، كأساس وقاعدة للبحث في أي اتفاق حول برنامج تمويل ودعم مالي للبنان، يؤدي إلى إخراجه من أزمته المالية الحادة.
وعلى الرغم من واقع الإنهيار المالي والإقتصادي، والذي بدأ يأخذ أشكالاً غير مسبوقة من حوادث التفلّت الأمني بعد عمليتي الإقتحام من قبل مودعين للمصارف للحصول بالقوة على ودائعهم، فإن استئناف المفاوضات، والتي تحولت إلى أولوية كما تكشف مصادر نيابية مواكبة، دونه محاذير عدة وإن كانت غير واضحة، وأبرزها غياب القرار الرسمي بسلوك معبر الإتفاق مع صندوق النقد والإلتزام بشروطه، مع العلم أن ما من وسيلة أمام الحكومة للإنقاذ إلاّ عبر برنامج تمويلي مع صندوق النقد.
وفي هذا السياق، تُبدي المصادر النيابية تشاؤماً لافتاً إزاء أي تعاون من قبل الحكومة مع الصندوق، من خلال الإستجابة لمتطلبات الإصلاح والإنقاذ من خلال إجراءات إصلاحية في كل المجالات، مشيرةً إلى أن مشروع قانون الموازنة الحالي، قد كشف وبوضوح، استحالة تغيير النهج على المستوى المالي الرسمي، وبالتالي فإن المشهد المقبل سيكون قاتماً على المستوى المالي على وجه الخصوص، في ظلّ الخطوط العريضة للموازنة التي يشترط صندوق النقد إقرارها هذه المرة ولو من دون التدخل بما تتضمّنه من شوائب ومن إصرار على الإنفاق والتأخير في الإجراءات الإصلاحية، وبالتالي عدم الإلتفات إلى سرعة الإنهيار واتخاذ خطوات سريعة تحدّ منه.
وإذ تكشف المصادر النيابية أن إمكانات الإنقاذ والنهوض من الأزمة ما زالت متوافرة، تشير إلى أهمية الإصلاح من أجل تحقيق المصلحة الوطنية اللبنانية وليس فقط من أجل تأمين ظروف نجاح المفاوضات والإتفاق مع صندوق النقد. وعليه، فإن تجميد المفاوضات مع الصندوق في الوقت الحالي، مرده إلى إخفاق لبنان في الوفاء بتعهداته بإجراء إصلاحات أساسية قبل الإجتماع السنوي لمجلس إدارة صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي قبل تشرين الأول المقبل.
وفي هذا المجال، ترى المصادر النيابية نفسها، أن ما من مؤشرات على إقرار قوانين إصلاحية تلبّي شروط صندوق النقد، بمعزلٍ عن كل المواقف السياسية التي تؤكد يومياً على الإصلاح والإنقاذ وعلى السعي لإقرار الموازنة والعديد من القوانين الإصلاحية المطلوبة. وبالتالي، فإن الإنسداد سيتواصل على الصعيدين المالي والإقتصادي، والتضخم سيزداد في ضوء تفلّت سعر صرف الدولار، كما تحذر المصادر نفسها، من واقعٍ بالغ الخطورة في القادم من الأيام، في ظلّ ضيق الفترة الزمنية المُتاحة أمام الحكومة لاستلحاق فرصة التفاهم مع صندوق النقد والتي تكاد تضيع في الاسابيع المقبلة.