هل نقول وداعا للاتفاق مع صندوق النقد الدولي ام الى اللقاء في اذار المقبل الى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة؟
الوزير السابق رائد خوري العائد من زيارة الى الى الولايات المتحدة الاميركية قابل ادارة صندوق النقد الدولي فما هي الانطباعات التي عاد بها؟
يؤكد خوري ان الانطباع هو ان «التقدم من الجهة اللبنانية بطيئ جدا لدرجة أنه غير راض عما يحدث ووفده لن يزور لبنان قبل شهر آذار المقبل لأنه يريد أن يلمس بعض التقدم بالبرنامج قبل القيام بزيارته تلك وهذا ما لا يراه حتى الآن. لقد حاولت التحدث مع الصندوق بما أنا مقتنع به تماما وهو اننا بدون برنامج مع الصندوق لن يتعافى اقتصادنا ونعود الى السكة الصحيحة . في كل الدول المشابهة لما حدث في لبنان يصار الى توكيل الصندوق بملفها من قبل الدول الغربية والمجتمع الدولي وهو بالنتيجة باب الزامي أو باسبور يجب الحصول عليه لكي يعود البلد الى الخارطة العالمية الاقتصادية والمالية وانا لا اعتقد أن لدينا اي خيار في هذا الموضوع إذ اننا مجبرون على ذلك وقد برهنا لأنفسنا وللعالم بأننا غير قادرين على إدارة أمورنا السياسية والمالية والاقتصادية كما اننا عاجزون عن إدارة أمورنا للتعافي دون تدخل صندوق النقد . للحقيقة اننا غير قادرين على ذلك ونحن بحاجه لمن يساعدنا ويديرنا ويوجهنا.
أنا رغم قناعتي التامة وحرصي الشديد على السير ببرنامج مع الصندوق أحاول التحاور معه وادعوه للتفكير خارج الطريقه الكلاسيكيه التي اعتاد التفكير بها وقد سألته اذا كان رأى في اي بلد آخر على طول تاريخه ما يشبه لبنان بمصيبته وانهياره وقد أجابني بالنفي إذ لا يوجد بلد انخفض فيه الناتج القومي إلى 70% بمثل هذه السرعه كما لا يوجد اي بلد افلست فيه الدولة والمصرف المركزي والمصارف وكل الناس بهذه الطريقة المأساوية كما في لبنان ولهذا قلت لإدارة الصندوق كيف تستعملين الحلول التي تم استعمالها في الدول الأخرى وبالطريقه ذاتها ووضع لبنان أشد صعوبة إذ عليها التفكير بحلول غير كلاسيكية ويجب تطوير هذه الحلول إذ يوجد أمر أساسي بالنسبة إلي وهو أهم شيء في المعادلة وهو قضية المودعين ولا يجوز منطقيا ودستوريا واخلاقيا واقتصاديا وماليا ان يدفع المودع الثمن الكبير وانا كانسان ومصرفي الى جانب المودعين لأنهم أساس الاقتصاد اللبناني والمودع هو الرأسمال الثاني للبنك بعد رأسماله المادي الأول الذي خسره فإذا افلس زبون البنك اي المودع فالبنك لن يعود الى عافيته ابدا.
ان المودع هو الأساس في المعادلة وبما أن الجزء الأكبر من المودعين هو من تعب بجمع ماله وهو بمثابة «شقى العمر» فلا يمكننا شطب ماله في وقت ان مسؤوليته قليله جدا نسبة للدولة المسؤولة فعلا عن السياسة المالية والاقتصادية وهي بالوقت ذاته لديها الحل .ان المفاوضات اليوم تتركز على أن تتنصل الدولة من مسؤوليتها والحل الخاص بها . كما أن الصندوق يرى أنه يوجد خسارات كبرى يجب أن يتحملها أحد ما في الوقت الذي خسرت فيه المصارف رأسمالها البالغ 20 مليار دولار بينما الخسارات تتجاوز 70 مليارا والحل هو بشطب 60 مليارا يجب أن يتحملها إما المصرف المركزي او المصارف او المودعون وهؤلاء هم الحل الأسهل اذ يتم شطب ودائعهم وينتهي الأمر بينما الدخول مع الدولة بمنطق محفظتها العقارية التي يقال انها من حق الاجيال القادمة ويجب عدم المس بها والصندوق بما أنه يقرض الدولة يفضل ان يبقى لديها أصول. أنا أقول للصندوق أنه يوجد حلول وسطية بإمكان الجميع الإستفادة منها إذ أن المبدأ هو خلق قيمة مضافة على أصول الدولة التي تعتبر أسعارها حاليا بخسة لأن الدولة هي التي تديرها وقد برهنت عن سوء إدارتها لذا أقول بأنه يمكننا العمل على أصول الدولة دون بيعها بحيث يدخل القطاع الخاص في شراكة مع الدولة لاستثمار تلك القطاعات بطريقه ذكيه تزيد قيمة العقارات والأصول وبزيادة هذه القيمة يمكن تقسيمها بين ثلاثة أطراف اي المودع والدولة والقطاع الخاص الذي يضخ المال الفريش فيها.
إذن بالأرقام لن يخسر أحد ضمن هذه العملية ولهذا برأيي اذا لم نتوصل لتنفيذ هذه الفكرة ستبقى احدى الجهات ضحية للحلول التي ستفد الى لبنان. وانا ازيد على ذلك بانه حتى لو لم يكن لدينا انهيار مالي فلا يجوز ان تدير الدولة اصولها فالدول الناجحة حاليا هي تلك التي كان دور الدولة فيها دورا رقابيا وسياديا فقط والقطاع الخاص هو الذي يدير كل الأمور الأخرى اذ برهن القطاع الخاص أنه أذكى وافضل وهو باستطاعته خلق قيمه مضافه للبلد كله. ان هذا المنطق يجب ألا يخجل به أحد أو أن يستعمله بالشعبويه لأن بعض النواب في لبنان يقول انه حريص على الودائع ومن جهة اخرى يقول انه لا يريد استعمال اصول الدولة لذا انا اسأل هؤلاء ما هي الطريقة الناجحة لحل الازمه؟.. انا لا أرى حلا الا بالطريقه التي شرحتها».
اتهام الصندوق
وعن اتهام صندوق النقد الدولي لبنان بالبطء في تنفيذ الإصلاحات اي الوفد المفوض فيقول خوري «ان الصندوق ينظر الى الدولة ككل وليس الى الوفد المفاوض بحد ذاته الذي يفاوض في الحقيقه عن الدولة . أما نحن كلبنانيين فننظر الى الموضوع كفرقاء سياسيين . اليوم يوجد عدة مشاكل في البلاد وأنا لا أحمل كل المسؤولية للوفد المفاوض الذي يتحمل جزءا منها لكن يوجد تركيبة سياسية لبنانية لا تستطيع إتخاذ القرارات وهي تتحمل المسؤولية الكبرى.للأسف اذا أردنا تحميل المسؤولية لنظام سياسي ككل تضيع المسؤوليات ولا نعرف بالنتيجة من المسؤول تحديدا. اننا إذا اتهمنا النظام فسنعطي بذلك صك براءة للجميع . ولكن البعض يتهم الوفد المفاوض بأنه يمثل صندوق النقد أكثر من تمثيله للبنان فيقول ان الوفد لا يمثل صندوق النقد لكنه لا يبذل المجهود الكافي لتدوير الزوايا فهو إذا أخذ بوجهة نظر الصندوق دون التفاوض معه فأخشى أن ينهار البرنامج مع الصندوق ولا نسير به لذا يجب ايجاد الحلول الوسطية والمنطقية التي ترضي الصندوق وترضي طموح اللبنانيين ايضا في الوقت نفسه. صحيح ان الدولة هي التي تقرر لكن قرارها في قسم منه هو السير ببرنامج مع صندوق النقد وهي باستطاعتها عدم السير بالبرنامج لكنها ستبقى بالنتيجة دولة معزولة عن العالم .
الاصلاحات غير كافية
واعتبر خوري «ان الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد غير كافيه لكي تعود الأمور للاستقامة في البلاد . أنا اراها ضرورية لكنها غير كافيه .أنا اذهب أبعد مما طلبه الصندوق إذ يجب معالجة المشكله من اصولها لا ان نعالج نتائجها فقط كما يجب إعداد موازنة إصلاحية .
وهي مزيج ما بين الضرائب وعملية توسيع الإقتصاد وهي العمليه التي تغيب عن الموازنه حتى الآن ويجب ترشيق القطاع العام ووضع السياسة الاقتصادية للبلاد بعد الانهيار . أنا أود أن أسأل هل يوجد أحد يعرف ما هي السياسة الإقتصادية للبلاد اليوم؟.. أنا لا أريد الحكم على هذه السياسة لكنني أريد معرفة حقيقتها. ان الحقيقه هي اننا لا نعرف ذلك . في الماضي كان يوجد سياسة تثبيت سعر العمله أما اليوم ما هي السياسة الماليه المتبعة ؟.. أنا برأيي هنا يوجد الأساس فالموازنه التي أقرت هي موازنه دفتريه لا نعرف مدى واقعيتها. كذلك قانون السريه المصرفيه الذي اقر اخيرا هو لإرضاء صندوق النقد لكن هذه السرية هي جزء اساسي في قوة لبنان حيث استطاع جذب 170 مليار دولار في السنوات الثلاثين الماضيه مرتكزا على هذه السريه المصرفيه . لكن اليوم المطلوب هو تطوير السريه المصرفيه وهو امر مطلوب عالميا ونحن علينا مواكبة ذلك وانا مقتنع بالأمر وهو ضريبة على لبنان لا بد منها فمستوى السريه المصرفيه قد انخفض بطلب من المجتمع الدولي وعلينا مواكبته في ذلك. اما بخصوص إعادة هيكلة المصارف والكابيتال كونترول فأعتقد أنه من الصعب الوصول فيهما الى نقاش جدي لأنه يوجد جو شعبوي في البلاد كما يوجد مصالح معينه للبعض تجعله يرفضه . ان إعادة الهيكله اليوم هي نتيجة اذ علينا في النهايه توزيع الخسائر وكما يبدو لنا في الخطة التي تم إعدادها فقد شطبت الودائع رغم الإنكار ويقال أنه سيتم وضعها في صندوق وأنا اسأل بدوري كيف سيتصرفون بها وهل ستبقى محجوزه في الصندوق وكيف سترد للناس؟. أنا أجد في إعادة هيكلة المصارف وقانون الانتظام المالي حفلة كذب وتكاذب متبادل بينما يجب وضع الحقيقة أمام اعيننا ومعالجتها والعلاج موجود واذا لم يتم ذلك استبعد الوصول الى مثل هذه القوانين».
ويتحدث خوري عن ضرورة تغيير النظام «أنا كمشاهد أرى أنه يوجد مشكله ضخمه في آلية إتخاذ القرار ضمن السلطة في الدوله اللبنانية ونحن إذا نظرنا الى خصوصية لبنان نقول أنه بلد يتضمن عدة طوائف ودستوره مكبل في نواح عدة لا سيما بما يتعلق بموضوع القرارات في مجلس الوزراء بحيث انه يجب اتخاذ القرار بشبه إجماع وهذا يشل الدوله . كما أنه من ناحية أخرى يقال أن نظام الطائف لم يطبق وبرأيي ان كل دول العالم تطور دساتيرها فكيف بالأحرى اذا كان دستورنا مكبلا لذا كل الحلول التي نقوم باقتراحها يجب أن تتواكب مع ورشه لإعادة تطوير اتفاق الطائف بإصلاح الخلل فيه واول الأمور اللامركزيه الإداريه والمالية».كما يعتبر خوري «ان اعادة هيكلة القطاع المصرفي المدخل الأساسي للنهوض الإقتصادي وإيجاد الحلول المالية لكن المشكلة أنه يتم معالجة الأمر بشكل منفرد واذا طبقناه هل نعرف ما هي السياسة الاقتصاديه للنهوض بالبلاد وكيف ستنهض المصارف التي أعيد هيكلتها وكيف ستستقطب رؤوس الأموال مجددا وكيف سنطبق ايضا الإصلاحات الخاصه بالدوله لا سيما ان الناس فقدت ثقتها بها على الإطلاق. ان الدوله هي التي تسببت بمشكلة المصارف ونحن اليوم نريد إعادة هيكلة المصارف بينما الدوله لا زالت على نفس الأداء. اذن كيف سيثق المستثمر الجديد بهذه الدوله والمشاكل فيها لا زالت كما هي .إنه من الضروري إعادة هيكلة المصارف وإعادة النظر بإصلاحات الدولة في القطاع العام وإجراء خطه اقتصاديه شامله للبنان ضمن توجه مالي لكيفية إدارة الماليه العامة وإدارة العمله المحلية بخصوص التثبيت وغيره . إننا إذا لم نقم بكل ذلك واكتفينا بإعادة الهيكله فقط فالأمر باعتقادي غير كاف ولن يكون مجديا.
اعتقد أن علينا معالجة سبب المشكلة قبل كل شيء لا نتائجها . نحن اليوم نعيد هيكلة المصارف لأنها خسرت أموالا وليس لأنها لم تتبع المعايير الدولية. ان الذي كسر المصارف هو الدولة ويجب ان نعالج سبب المشكله لا نتيجتها «.