هل تلجأ الدولة الى مجلس الأمن لحلّ مسألة ترسيم الحدود البحريّة؟ (الديار)

ترسيم الحدود

Share to:

الديار – دوللي بشعلاني

لم يقبل الإجتماع الرئاسي الذي ضمّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي والذي عُقد الجمعة الفائت في قصر بعبدا، وخُصصّ للبحث في اقتراح الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود بين لبنان والعدو الإسرائيلي آموس هوكشتاين، عرض الأخير وإن لم يُعلن ذلك بشكل واضح. وقد أبقى الردّ اللبناني الذي حمل موقفا موحّداً بين الرؤساء الثلاثة، باستثناء حزب الله الذي أعلن رفضه الوساطة الأميركية من أصلها، الباب مفتوحاً أمام لبنان لقبول أو رفض اقتراحات أخرى، فضلاً عن خيارات جديدة قد يتخذها بمعزل عن الوساطة الأميركية، وإن دعا الولايات المتحدة الأميركية الى الإستمرار في جهودها لاستكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وفقاً لاتفاق الإطار بما يحفظ مصلحة لبنان العليا والإستقرار في المنطقة.

تقول أوساط متابعة للترسيم البحري والبرّي، بأنّ «موقف الرؤساء الموحّد» هو المطلوب، ولا بدّ أن يستمرّ مع بقية الأفرقاء السياسيين للوصول الى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بما يضمن مصلحة لبنان وشعبه والأجيال المقبلة. ولكنها تساءلت: لماذا الحلّ الساداتي، وإبقاء 99% من الأوراق في ملف الترسيم البحري في يدّ الولايات المتحدة الاميركية؟ لقد أرسلت لنا وسيطاً «أميركياً – إسرائيلياً» من قبلها لم يجرؤ حتى أن يُعطي لبنان «حقل قانا» كاملاً؟

وأوضحت الاوساط بأنّه أمام لبنان خيارات أخرى، بدلاً من الإنتظار وإضاعة الوقت قبل أن يلحق بنادي الدول النفطية مثل طلب وساطة الأمم المتحدة، أو أي دولة محايدة، أو مجلس الأمن، أو حتى محكمة العدل الدولية وغيرها. كما يُمكنه التنقيب في البلوكات البحرية الأخرى البعيدة عن المنطقة الجنوبية المتنازع عليها، وبعيداً عن حقلي «قانا» و «كاريش»، ولا يستلزم مثل هذا الأمر سوى موقف موحّد آخر من الزعماء حوله.

وأكّدت الاوساط أنّ الدولة رفضت اقتراح هوكشتاين كونه قدّم لها عرضاً لا يُمكن القبول به. ويبدو أنّه كان سيناريو معدّاً سابقاً أتى هوكشتاين لاقتراحه، بحجّة أنّ عدم التوصّل الى أي اتفاق بين لبنان والعدو الإسرائيلي بعد خمس جولات من المفاوضات غير المباشرة على طاولة الناقورة كان سببه الخلاف في وجهات النظر، وأنّ الوضع سيبقى على حاله في حال لم يقم بتقديم اقتراح جديد، يُخالف ما جرى مناقشته على الطاولة. وهذا الأمر يصبّ في مصلحة الدولة لأنّها أظهرت صلابة في موقفها. وهذا يعني بأنّ الخلاصة التي يُمكن التوصّل إليها هي الآتي: الحلّ هو خط 23 متعرّج مع إعطاء كامل «حقل قانا» للبنان، غير أنّ الجميع ينتظر تهيئة الأجواء لفرض هذا الحلّ (إمّا مع العهد الحالي، أو مع العهد المستمرّ، أو مع العهد الجديد). وعندها يتمّ الإفراج عن الإتفاقية مع صندوق النقد الدولي، وتأتي الأموال الى لبنان للقيام بالمشاريع الإصلاحية المطلوبة، فضلاً عن الرساميل العربية والخليجية التي توقّفت منذ سنوات، وتكتمل أيضاً عملية استجرار الغاز والطاقة من مصر والأردن الى لبنان عبر سوريا.

في الوقت نفسه، على الدولة أن تُفكّر جديّاً باللجوء الى مجلس الأمن الدولي، على ما أوضحت الأوساط نفسها، أي أن تقوم بتقديم شكوى سريعة إليه لإصدار قرار يطلب من العدو الإسرائيلي، وكذلك من لبنان وقف كلّ عمليات التنقيب في حقلي «قانا» و «كاريش» الى حين التوصّل الى اتفاق بين الجانبين. كما يستطيع لبنان الطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن يقوم هو بإجراء المحادثات والوساطة لحلّ مسألة الترسيم، أي التخلّي عن الوساطة التي يقوم بها هوكشتاين لأنّه يدور مداورة حول «خط هوف» المرفوض أساساً من لبنان، على أن يأتي هذا الطلب بقرار من مجلس الأمن. ويُمكن لفرنسا الصديقة أن تقوم بهذا الدور، أي إصدار القرار، في حال كان يهمّها التوصّل الى اتفاق سريع بين الجانبين.

ولفتت الاوساط الى أنّها لن تكون المرّة الأولى التي يلجأ فيها لبنان الى وساطة الأمين العام للأمم المتحدة، إذ سبق وأن اتخذت قرارات عدّة في مجلس الأمن طلبت من الأمين العام تقديم مساعدة تقنية ما، على سبيل المثال، ما نصّ عليه القرار 1701 الصادر عام 2006 الذي دعا الى وقف كامل العمليات القتالية في لبنان، كما طلب القرار المذكور من الأمين العام كوفي أنان آنذاك أن يقدّم الى مجلس الأمن بشأن منطقة مزارع شبعا، إقتراحات خلال ثلاثين يوماً بعد مشاورات مع الأفرقاء المعنيين بشأن إجراء ترسيم دقيق للحدود البريّة اللبنانية. غير أنّ أنان لم يُتابع هذا الأمر ولم يُقدّم أي تصوّر لترسيم مزارع شبعا.

وأضافت الأوساط عينها أنّه سبق للرئيس برّي أن طلب مساعدة الأمم المتحدة في ترسيم الحدود البحرية، من خلال وجود ممثل لها على طاولة الناقورة، مشيرة الى أنّ ذلك لم يكن تحت إطار إتفاقية الهدنة، وإنّما أيضاً للمساعدة في ترسيم الحدود بمشاركة أو بوساطة أميركية.

أمّا أنصار الخط 29 في لبنان، وتعديل المرسوم 6433 بالإحداثيات الجديدة التي رسمها الجيش اللبناني وطرحها الوفد العسكري التقني على طاولة الناقورة، فلا تزال أمامهم معركة صعبة جدّاَ للحصول على ما يُطالبون به.

وتساءلت الأوساط إذا ما كانت «الصفقة» التي تحدّث عنها هوكشتاين خارج البلاد مع إحدى الشخصيات السياسية قد تمّت بالفعل، وما هي بنود الإتفاق؟ وهل الرؤساء الثلاثة موافقون عليه؟ ما يعني إعطاء لبنان الخط 23 متعرّجاً مع كامل «حقل قانا»، مقابل حصول العدو الإسرائيلي على المساحة التي يريدها في البلوك 8 لتمرير أنبوب النفط في عمق البحر في اتجاه الدول الأوروبية للتخفيف من التكلفة العالية عليه.. ولا يبقى عندها إلّا التوقيت المناسب لإعلان هذا الإتفاق؟ والمنطق يقول إنّ الإعلان يكون بعد الإنتخابات النيابية، وقبل وضوح مصير الإنتخابات الرئاسية، بل قد يكون ذلك، أي الإتفاق على الترسيم- الصفقة، المدخل الى تقرير مصير الإنتخابات الرئاسية.

Exit mobile version