هل باتت العلاقة بين لبنان وإيرلندا على المحك بعد حادثة العاقبية التي حصلت ليل الأربعاء الفائت، والتي أدّت الى مقتل الجندي الإيرلندي شون روني (24 عاماً) وإصابة 3 آخرين من عداد الكتيبة المشاركة في قوات الطوارىء العاملة في جنوب لبنان، أحدهم في حالة حرجة، أم بين لبنان وقوّات «اليونيفيل» ككّل؟ فتوقيت هذه الحادثة تزامناً مع المساعي الجارية في الأمم المتحدة لإدخال تعديلات على مهام القوة الدولية تطال توسيع نطاق عملها وإحداث تغييرات عليها ذات طبيعة مختلفة، يُمكن أن يُستغلّ لإقرار هذه الأخيرة على القرار الأممي 1701 الصادر في آب من العام 2006، والذي يُحدّد مهام قوّات «اليونيفيل»، بأنّها «مكلّفة بمراقبة وقف الأعمال العدائية بين لبنان و»إسرائيل» ودعم السلطات اللبنانية في الحفاظ على المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني خالية من العناصر المسلحة أو الأسلحة أو الأصول الأخرى غير المصرّح بها»، أو استخدام الحادثة على طاولة مجلس الأمن، من أجل تعزيز مهام «اليونيفيل» من جانب واحد، أو إقرار تفويض جديد عليها.
وفي ظلّ تضارب المعلومات حول حادثة العاقبية التي تخلّلها إطلاق رصاص على عربة مدرّعة تابعة لليونيفيل، أثناء مرورها في منطقة خارج منطقة عملياتها في جنوب لبنان ودهسها لقدم أحد الشبّان الذين حاولوا اعتراض طريقها كونها لم تسلك الاوتوستراد بل دخلت في الأحياء الداخلية للبلدة التي لا تدخل ضمن نطاق عملها، يستكمل القضاء العسكري اللبناني التحقيقات لكشف ملابسات هذه الحادثة. كما تواصل قوّات «اليونيفيل» تحقيقاتها مع عناصر الكتيبة الإيرلندية لتبيان ما جرى معهم. في الوقت نفسه، وصل الى بيروت السبت فريق إيرلندي متخصّص من ثمانية خبراء، بينهم ثلاثة محقّقين من الشرطة العسكرية، لكشف ملابسات الحادثة التي طالت جنود كتيبة بلادهم، والمطالبة بمحاسبة المرتكبين.
أوساط ديبلوماسية مطّلعة أكّدت لـ «الديار» أنّ حادثة العاقبية قد هزّت الأمن والاستقرار في جنوب لبنان الذي كان يُعوّل عليه لاستثمار شركات النفط الدولية في البلوكات البحرية، كما فتحت الباب بالتالي على إمكانية إعادة النظر بمهام قوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان التي تأسّست في العام 1978، وجرى توسيع ولايتها في القرار 1701 بعد حرب تمّوز-آب 2006. ويتمّ تجديد ولايتها في أواخر آب سنوياً بناء على طلب الحكومة اللبنانية. كما تقوم بعض الدول بالمطالبة بتعديل مهامها على أن يتمّ توسيع نطاق عملها لتتمكّن من الدخول الى أماكن ومناطق تتخطّى النطاق المحدّد لها، وذلك بعد أن أضيف الى البند 16 من البيان الصادر عن الأمم المتحدة بشأن التمديد الأخير لعمل «اليونيفيل»، فقرة ورد فيها أنّ «اليونيفيل لا تحتاج إلى إذن مسبق أو إذن من أي شخص للإضطلاع بالمهام الموكلة إليها، وأنه يُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل». كما دعا «الأطراف إلى ضمان حرية حركة «اليونيفيل»، بما في ذلك السماح بتسيير الدوريات المعلنة وغير المعلن عنها»، الأمر الذي يطرح اليوم أسئلة عدّة حول إمكانية تعديل مهام «اليونيفيل» أو تغيير بعض الدول موقفها من مسألة المشاركة في القوّة الدولية.
وتقول بأنّه فيما يتعلّق بإيرلندا، فإنّ الفريق المتخصّص الذي أرسلته الى لبنان لكشف ملابسات حادثة العاقبية، سيرفع تقريره بعد إنهاء تحقيقاته الى وزارة دفاع بلاده، وبناء عليه سوف يتمّ تقرير مصير الكتيبة الإيرلندية المشاركة في قوّات الطوارىء الدولية. فإذا ما لمس فريقها أنّ وضع الكتيبة مهدّد بالخطر، فقد تتخذ إيرلندا خطوات تصعيدية قد تصل الى سحب كتيبتها من لبنان، أو تُطالب على الأقلّ بالحصول على ضمانات تتعلّق بعدم التعرّض لسلامة جنودها. علماً بأنّ الكتيبة الإيرلندية تُعتبر العاشرة لناحية مشاركة عديدها في قوّات «اليونيفيل» التي تضمّ حتى 28 آب الماضي 9.923 جندياً لحفظ السلام من 48 دولة مساهمة في القوّة الدولية، فضلاً عن نحو 800 موظف مدني. فأندونيسيا تأتي في المرتبة الأولى في عديد كتيبتها المشاركة في «اليونيفيل» بـ 1106 جنود، تليها إيطاليا بـ 1055 جندياً، ثمّ الهند بـ 895، وغانا بـ 874، ونيبال بـ 872، وماليزيا بـ 830، وإسبانيا بـ 664، وفرنسا بـ 658، والصين 419، وصولاً الى إيرلندا بـ 343 جندياً. وبفقدان هذه الأخيرة الجندي روني أصبح عديدها 342 جندياً، على أمل شفاء الجندي المُصاب بجروح خطيرة.
وقبل صدور نتائج التحقيقات، ترى الأوساط نفسها أنّ حادثة العاقبية غير مدبّرة، بل هي وليدة اللحظة التي حصلت فيها، عندما مرّت عربة «اليونيفيل»، عن غير سابق تصوّر وتصميم في الطريق التي سلكتها، ما أدّى الى اصطدامها مع عدد من شبّان البلدة، ثمّ اصطدامها بجدار وتعرّضها لإطلاق النار عليها. ولا بدّ بالطبع من كشف ملابسات الحادثة ومعاقبة المرتكبين، لكي لا تتوتّر العلاقة بين لبنان و»اليونيفيل»، أو بينه وبين إيرلندا. علماً بأنّ القوة الدولية تبدو مقتنعة بأنّ الحادثة ليست مفتعلة ضدّها، بل حدثت نتيجة التطوّرات، وسوء التفاهم الذي حصل بين الأهالي وعناصر الكتيبة الإيرلندية.
ولهذا حدّرت من محاولة صبّ الزيت على النار بين أهالي المنطقة و»اليونيفيل» من جهة، ومن افتعال أزمة بين حزب الله الذي أعلن أن لا علاقة له بهذه الحادثة، وبين القوّات الدولية من جهة ثانية. ولا بدّ من انتظار نتائج التحقيقات قبل اتخاذ أي قرار من قبل أي جهة أو طرف، فضلاً عن ضرورة انتظار التقرير الشهري الذي سيصدر عن مجلس الأمن عن حادثة العاقبية للبناء على نتائجها وخلفيتها ومكوّناتها، وما يمكن أن يتضمّنه من وجود مخاطر على سلامة جنود قوّات «اليونيفيل» في جنوب لبنان، وإمكان تحرير أنشطتها وتوسيعها الى أبعد من الحدود الجغرافية أو من النطاق العاملة فيه.
وأشارت الأوساط عينها الى أنّ حادثة أمنية من هذا النوع، كانت تستدعي اجتماعاً طارئاً لمجلس الوزراء سيما وأنّ الحادثة تتعلّق بأمن منطقة الجنوب ككلّ وتضع العلاقة بين لبنان والقوّات الدولية على المحكّ، سيما وأنّ ما حصل يُعتبر سابقة من نوعها. علماً بأنّ اللقاء التشاوري الذي عُقد الجمعة المنصرم، وأدّى الى تشكيل تشكيل لجنة مصغّرة من 4 وزراء قضاة، مهمّتها «تفسير المعنى الضيّق لتصريف الأعمال» للخروج من الجدل العقيم الحاصل اليوم بين الوزراء الموالين والوزراء المقاطعين للجلسات الحكومية، سيكون عليها وضع جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء في حال تكرّر عقدها لاحقاً. وهذا يعني أنّ هذه اللجنة هي التي عليها تحديد ما هي البنود التي يُفترض إدراجها على جدول أعمال الجلسات الحكومية المقبلة.